الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستعمرة العبيد في الناصرية...؟!

طلال شاكر

2010 / 12 / 20
حقوق الانسان



على الارجح العنوان سيثير الفضول وألاستغراب والشغف لمعرفة مضمون المقالة في تفاصيلها ومغزاها. في الحقيقة أن ما سأرويه هو جزء من تاريخنا المأساوي في عنفه وقسوته ووحشيته وغرابته المعتادة التي أستحكمت في نفوس أولئك الحكام المستبدين الذين يتلذذون في رؤية ضحيتهم تتلوى متعذبة. صارخة. ضارعة. وهم يسحقونها بكل دونية وتوحش دون أن يرف لهم جفن أوتخطر على بالهم رأفة وبلا سبب أوضرورة لهذا الترويع وهذا العذاب حتى في معاييرهم الغريبة... أنها شهادة ضحية عاشت تلك الفصول المرعبة في ذلك الزمن البعثي الصدامي الذي لايكف يلا حقنا تاريخه وثقافته وأرهابه الى حد هذه اللحظة، لان هنالك من يريدنا ان نستسلم لذلك الماضي المأساوي بحجج ومزاعم متساقطة.. أنها رواية متواترة لتوالي صناعة وتسويق قيم ذلك التاريخ الموجع الذي يصر رواده ومجايليه المنحازين والمتعسفين تجريف الذاكرة العراقية وتشظية الحقيقة من أجل تأهيل الجلاد وأخماد أنين الضحية. ليس في الامر نبشاً مفتعلاً لتاريخ أشكالي قد أنطوى ولاهي دعوة للانتقام أوتأجيجاً لدواعي الثأر. بل هي صرخة في وجه أولئك الذين يبتغون انصافاً وحقاً من ضحية لم تنصف قطعاً، بعد أن غدت قضيتها سلعة رخيصة بلاثمن في مزاد المساومات السياسية. أن المغزى النبيل في هذه المقالة سيدرك بوصفه تأملاً ممضاً في ذلك السفر الموحش من تاريخنا الحديث الذي ينبغي معرفته بكل تفاصيله وتأمل تلك الثقافة ورموزها التي مازالت أسقاطاتها وتداعياتها تدور بيننا تارة متوارية ومرة مواربة وأخرى مستترة.. أن هذه المقالة ستعالج فصلاً من ثقافة وفن صناعة الضحية في الواقع العراقي بلسان ضحاياها وقلم الكاتب الذي أستعرض وقائع الجريمة بجناتها وضحاياها... .

تاريخ الاسترقاق:
الضحية: تروي تاريخ عبوديتها...؟

انها نهاية سنة 1978عندما جرى ترحلينا الى معسكر الناصرية مباشرة من دوائر تجنيدنا ليجرى تجميعنا ومن ثم توزيعنا على المواقع المختلفة المرتبطة بالمعسكر الواقع في المدينة الجنوبية الناصرية ارض الحضارات العريقة وأهلها الموهوبين التي تبعد عن بغداد حوالي 350 كيلومتر... كنا خليطاً غريباً جرى تجميعه بعناية وتخطيط مسبقين وخضعت أدارة شؤونه مباشرة لاًحدى شعب الاستخبارات العسكرية التي تشرف عليه والمرتبطة بالقصرالجمهوري تحديداً، الذي قضت تعليماته الصارمة بوضع خط احمر يحيل دون التدخل أو التوسط في شأن هولاء المجندين المغضوب عليهم من اية جهة مهما كانت مكانتها نقلاً أواعفاءً أوتخفيفاً لمعاناتها.لقد كانت تشكيلاتنا تتكون من عراقيين يحملون الوثائق العراقية قبل تأسيس الدولة العراقية 1921 ..ولدوا هم وأباؤهم وأجدادهم في العراق وذنبهم الوحيد هو تصنيفهم (كتبعية) لارتباط أحدهم بزوجة أجنبية أو أم اجنبية أو.. (أوتبعية تاريخية لقوم معينين) ولم يقف الا مرعند هذا الحد بل وشمل العسف من كان شيوعياً وترك العمل السياسي او من له قرابة بأحزاب اسلامية محظورة أو من الاكراد البيشمركة السابقين أو الاكراد الفيلية، ضف الى ذلك بعضاً من ألمسيحيين الارمن وحتى من كان ابوه ميتاً ولكن النظام كان يعتبره من الا عداء التاريخيين مثل ماجرى بحق أبن الشهيد العقيد الركن ماجد محمد أمين، المهندس رواء الذي جرى أغتيال والده بعيد انقلاب 8 شباط 1963 وغيره العديد . المدهش ان هولاء المجندين والبالغ عددهم بين 1400 – و1500كانت اغلبيتهم الساحقة ممن يحملون الشهادات العلمية والثقافية مهندسون. اطباء. موسيقيون. أدباء. فنانون. مهنيون.. مازلت بكل تقدير وحب أتذكرهم كم كانوا مهذبين وذوي اخلاق وثقافة رفيعة مفعمين بحب العراق وطنهم. جاء الكثير منهم من الغرب تاركاً الامتيازات والافاق المفتوحة، بعد أن انهوا دراساتهم المتقدمة، كانوا شباباً مفتونين بوطنهم العراق مخلصين له أردوا خدمته بكل تجرد... لكنهم أدركوا عمق الفجيعة وانهم في ورطة فوطنهم مستعبد ومصادر ومرتهن، وهو غير العراق الذي عشقوه وحلموا به.. لقد أيقن الجميع أن خطة ومقتضيات واهداف تجميعهم في هذا المكان الرهيب والبعيد عن مدن سكناهم وعيشهم بهذا الترتيب وهذه الخصوصية ترمي الى تحطيمهم واٍستذلالهم وسحق كرامتهم وأنسانيتهم وأبادتهم ببطئ من خلال وضعهم في أماكن أستلاب وسخرة لايمكن أن تجري بكل هذه القسوة الا بحق عبيداً مسترقين في زمن غابر متوحش أوفي معسكرات الاعتقال النازية وليس بحق مواطنين عراقيين لاذنب ولاحكم عليهم سوى (شبهة التبعية المشينة.....! لقد جرى توزيع هولاء المجندين العاثري الحظ على معامل الطابوق العسكرية التابعة الى موقع الناصرية وبقية المواقع العسكرية المختلفة وكذلك الخدمة في بيوت الضباط بمختلف اشكالها وألوانها...؟. كانت ظروف العمل في تلك الاماكن المزرية لاتطاق ولاتحتمل فالعمل مثلاً في معامل الطابوق وكورها الملتهبة يبدأ من الساعة السابعة صباحاً الى الرابعة عصراً في قيض العراق المهلك بين درجة حرارة تتراوح بدون مبالغة بين 60 و65 بأستخدام عربات بدائية تجرها الحمير دون توقف مع مراقبة وضغط شديدين حيث نبدأ بأخراج الطابوق من تلك الكور المستعرة. كان المنظر محزناً والمعاناة رهيبة في ذلك السعير الجهنمي الذي لايتحمله كائن حي وحتى الحمير غالباً ماتحرن وترفض العمل والكثير منها نفق من شدة التعب والاعياء والحرارة القاتلة، وكنا نتحرك في تلك الظروف القاسية كاجساد خاوية هزيلة عليلة سحقت أنسانيتها وأستلبت كرامتها وهي تواجه تدميرها بشكل منظم وبحقد وقسوة قل نظيرها من قبل متوحشين أنذال. كنا نذوي كشموع يتناهبها لهيب أزرق رتيب في صمت ووحشة وضياع لامدى ولاأفق له دون ان يعرف احداً بمأساتنا وعذابنا ،فالوضع محاط بالتمويه والرعب وألكتمان... وماهي الاأسابيع معدودات حتى بدأت ألامراض الفتك بنا وسحقنا ، فأنتشرت الحساسية والربو في المجاري التنفسية زاد الامنا تفشي الاكزما والفطريات في الابطين والمغابن وفي مؤخراتنا ناهيك عن فقر الدم وأمراض اخرى، وفي وحشة الليل ونحن في شدة التعب وألانهاك نبدأ بنهش اجسادنا حكاً وهرشاً حد ألادماء. ونحن نعاني من قلة النوم والتوتر والخوف والكوابيس والانهيار . الحالة أخذت تزداد سوءاً وتدهوراً ولجأ الكثير منا الى خيار الانتحار الذي كان ملاذاً أخيراً لمن استغرقه اليأس والعذاب ..وقد أصاب الجنون والانهيار العصبي الكثير منا وأني أحتفظ بأسماء أولئك الشباب المنتحرين المثقفين والذين أصيبوا بالجنون ولاأجد ذلك مناسباً لذكر أسمائهم أحتراماً لمشاعر اهاليهم وأقربائهم ... في سكون ذلك الليل الرتيب ووحشته كثيراً ماكنا نتناحب مستغرقين في بكاء وعويل يدمي القلوب الى حد الانهيار والبعض منا تصارخوا علانية و هم يسقطون مغمى عليهم جراء ذلك الضيم والهوان الروحي والتلاشي الجسدي المهلك وقد مر الجميع بدورة الاستلاب هذه سواء من خدم في المواقع العسكرية المختلفة أو من سخروا في معامل الطابوق وهم يعانون من أسوء أنواع الكاَبة وألاضطراب والاغتراب والوحدة القاتلة.... وزادت مأساتنا شدةً وحلكة حين نشبت الحرب العراقية الايرانية 1980 وأستعرأوراها ، أذ تضاعفت معاناتنا وعذاباتنا جراء الضغط والتشدد وجسامة الاعمال ألقاسية التي أخضعنا لها الى حد التردي والانهيارحين جرى أستخدامنا كحمالين وعتالين منبوذين لتحميل وتفريغ العتاد والاسلحة المختلفة وصناديق الراجمات التي تزن 90 كيلو في مناطق (أور، والخميسية) ونقل شحنات الاسمنت والمواد العسكرية في الليل والنهار دون شفقة أورأفة بحالنا وكم هي المرات والمرات التي أيقظونا من عز نومنا لنفرغ أونحمل طوابير الشاحنات العسكرية الكبيرة طوال الليل ونحن مستسلمون لقدر بغيض ومهلك دون القدرة على تغييره.ترافق كل ذلك بسكن تعيس وطعام سيئ وأنعدام أية عناية طبية تليق بالبشر تلازم ذلك بتجذر احاسيسنا ومشاعرنا بعمق ودونية المعاملة والامتهان المسلط علينا بوصفنا عبيداً وليس مواطنين عراقيين ولدنا وعشنا ودرسنا ونتكلم اللهجة العراقية وأهلنا مازالوا يعيشون في العراق ونحمل المستندات التي تؤكد انتمائنا كعراقيين وأكثر من ذلك وأوثق وأكبر هي عمق وصدق مشاعرنا وحبنا وأرتباطنا بهذا الوطن العزيز . ونحن في غمرة ذلك الاحساس المتفجر والمضطرب الذي أستغرقنا في تلك المواقع العسكرية الموحشة بتنا نتساءل احقاً نحن عراقيون وهذا وطننا وأي ذنب أقترفناه لكي يفتكوا بنا بهذا التوحش المنفلت و هذه النذالة لماذا كل ذلك...؟!.لم يقف الامر عند هذا البلاء والعذاب وهذه القسوة المركبة التي مزقت أنسانيتنا وكرامتنا، بل جرى الانتقال الى الفصل الثاني من مشهد الجحيم المرعب، حين بدأوا بأستدعاء البعض منا ليجر تصفيتهم لاحقاً في أماكن نجهلها، وفي بعض الاحيان يجري اعلان أسماء من أعدموا وقراءتها امام المجندين ترهيباً وتهديداً، ففي كل أسبوع تقريباً يتم أستدعاء أفراداً منا لم يعودوا أبداً وعرفنا لاحقاً بتصفيتهم دون أن تسلم جثامينهم الى أهاليهم كما أتضح لنا ،وكنت أشبه وضعنا في تلك الازمنة المرعبة بمثل قفص الدجاج الذي يؤخذ منه في كل يوم دجاج للذبح وهذا كان مايجري بحقنا دون ضجة أوأحتجاج أواكتراث... لقد بدأت تراجيديا المأساة تتصاعد وتتفاقم بعد أن قضينا أكثر من ثلاث سنوات مريرة ودامية بكل ماتفيض به الكلمة من معنى وأحساس دون مبالغة أوتهويل ، زادها تواصل الحرب العراقية الايرانية قسوة وغلظة متناهية.. لم ينته الامر الى حد هذه المجزرة البطيئة، بل بدأوا بنقل غالبية من بقى من هولاء المسترقين الى الخطوط الامامية في جبهات القتال دون اي اعداد اوتدريب عسكري قضي على اغلبهم هنالك وهم منهوكي القوى تستوطنهم الامراض بمختلف اصنافها، وكما يفعل بالاسرى في الازمان الخوالي بوضعهم في مقدمة الجيش ليجر حصدهم من قبل الخصوم المتحاربين كما كان يفعل المغول باًسراهم مثلاً... ربما يتساءل البعض لماذا لم تقوموا مثلاً بالهروب ..؟المشكلة أن أهالينا كانوا بمثابة رهائن وهم يعرفون عناويننا وأفهمونا أن اي هروب أو تمرد سيعني تدمير اهلكم.. لهذا السبب تركنا فكرة الهروب ونحن نراهن على الصدفة لفك كربتنا وأنهاء محنتنا.. وهنا سأذكر ممن أحتفظت ذاكرتي بأسمائهم والذين جرت تصفيتهم بطرق مختلفة دون تهمة أو محاكمة وهم من سكنة بغداد ومدينة العمارة...
1-المهندس عدنان جعفر محمد مهندس كهرباء
2- محمد صادق محمد جعفر السراج مهندس مدني خريج انكلترا مع تسفير اهله
3- عماد عبد الحسين عشير مهندس معماري
4- محمد سلمان جعفر مهندس ميكانيك
5- فوزي ناصر حسين أدارة وأقتصاد
6- راضي حسن محمد علي مهندس كهرباء

وأشير أيضاً الى من عاش تلك المأساة وأهوالها وهم مايزالون على قيد الحياة ويقيمون في بلدان مختلفة ولعل الصدفة وحدها أنجتهم من هلاك محتم.... أذكر منهم..

1-اًيسر الحسني مهندس معماري... يعيش في... كندا
2- نه بز جلال محمد أمين مهندس مدني نائب مدير بلدية سليمانية
3- الدكتور سامي محسن السلمان مهندس كهرباء رئيس جامعة في.. امريكا
4- جوني عمانوئيل بابا جان مهنس كمبيوتر ... نيوزيلندة
5- سعد الله كاظم الزبيدي مهندس ميكانيك ... انكلترا
6- سامي حسين محمد ملحن وفنان موسيقي ... بغداد
7- فلاح افراسياب كاظم مهندس مدني يعيش ويعمل في... هولندة
8- عامر ابوطالب مهندس مدني يعمل ويعيش في.. السويد...

في أحدى المرات تجرأت بعد أضناني عذاب الشقاء ومرارة اليأس لاًسال ضابط الاستخبارات الذي جمعنا لسبب لااذكره قائلاً له لماذا تعاملونا بهذه القسوة وهذا الظلم السنا عراقيين.. ؟اجاب نعم انتم عراقيون ونص لكن هذه شوية أجراءات أحترازية أتحملوها...! صدقوني عندما طلب مني الكاتب سرد التفاصيل تطافر الدمع من عيني وأستغرقت في كأبة وحزن رغم مرور ثلاثة عقود على تلك المأساة للجروح التي حفرتها في نفوسنا دون مغادرة ذاكرتنا أطلاقاً... وهنا لابد أن أذكر انصافا للتاريخ الموقف الشهم والانساني الذي وقفه النقيب المهندسً أنذاك حامد عاشور النجار رغم وضعه الدقيق أذ سعى الى تخيف معاناتنا والتضامن معنا بنقل المهندسين الى وحدة الاشغال الهندسية في الموقع رغم وجود فائض كبير في وحدته وقد جوبه بمعارضة شديدة من قبل الاستخبارات التي رأت في عمله هذا تعاطفاً مع هولاء المجندين التعساء وهي مالاتسمح به اطلاقاً وقد تحمل نتائج موقفه بكل رجولة وضمير.. وأشير هنا الى الوضع الدقيق والحساس الذي أحاط بملف هولاء المجندين المضطهدين.. أذ عجز مدير التبعئة والاحصاء في وزارة الدفاع وهو فريق ركن ويملك من السلطات والنفوذ الكثير في نقل عنصراً من هولاء المجندين الى مكان أخر بعد ان توسط لديه أحد أقربائه وهو صديق له متراجعاً عن وعده الذي قطعه بعد ان ادرك جسامة الامر وحساسيته فتصوروا في اي مخطط رهيب وضعنا فيه واي مصير أسود ينتظرنا...؟! وللعلم توجد في العراق أنذاك ثلاثة مستعمرات للمستعبدين واحدة في تكريت.. والاخرى في الرمادي.. والثالثة في الناصرية ويجري أرسال المجندين المشكوك بهم أو المغضوب عليهم الى تلك المستعمرات فأبن الشمال يذهب الى الجنوب وابن بغداد الى الناصرية وأبن البصرة الى المناطق الغربية أيغالاً في تعذيبهم وأذيتهم.... أنتهى .

عندما يتأمل العراقي أوأي أنسان أخر هذه الوقائع المستلة من تاريخ دامي أستمر لخمسة وثلاثين سنة في ظل ثقافة ورؤى مصممة لتحطيم ألاخر وهي لاتكتفي بسحقه وتدميره جسدياً بل بأذلالة روحياً ومعنوياً بسلب كرامته وتحطيم كل قيمه الانسانية في منهجية بالغة القسوة مفرطة ومتناهية في وحشيتها وهمجيتها لصنع ضحية بمواصفات غير نمطية، سيغوص في عمق الصدمة والشرود ويتساءل لماذا كل هذه التناهي في منحدرات التوحش والهمجية، وهل يعقل أن مشروعاً قومياً كما يزعم صدام وبعثه لايقوم الافي ظل تدمير الانسان العراقي بتلك الوسائل المفزعة...؟ ويترادف هنا سؤال أخر هل كان النظام الدكتاتوري البعثي يجد في هذه الوسائل الهمجية لتحطيم العراقي الاخر وترويعه ضربة أستباقية ورسالة ترهيب لمن يشتبه به أويشك في ولائه ام هي نزعة مركبة صنعها المشروع القومي وهو في أوج تعصبه وأنفلات نزعات ثقافته الكارهة والمزدرية للاخر..؟ لاشك أن المشروع القومي السلطوي الذي نشأ في العراق كان يستند الى خطاب وثقافة مركبة جمعت كل مساوئ القيم المشوهة تلاقحت مع رؤى عقائدية وسياسية متطرفة لم تستثن أية وسائل أو اساليب في التجارب الشمولية المتشددة التي تتقن وتفنن بسحق الاخر وأنهائه دون رأفة أو مراجعة، حتى وهو مستسلماً أوخارج محتملات الخطر اوحتى متوادعاً مع النظام والامثلة والشواهد كثير في التجربة التاريخية المعاصرة.. أن أحد الاسباب التي حملتني على الكتابة في هذا الموضوع هو حول فكرة اشراك البعثيين السابقين في السلطة الجديدة وكما تجري في الوقت نفسه محاولات تبدو في الظاهربريئة كسعي عادل لالغاء قانون اجتثاث البعث المسائلة والعدالة أوتصحيح المواقف بحق البعض من كان بعثياً.. لااعتراض على أي موقف قانوني يعيد النظر بأية أجراءات أو احكام من باب الا نصاف والعدل جرى بحق بعثيين ظلموا... لكن القضية ابعد من ذلك فالبعثيون بمختلف تكويناتهم لم يلتفتوا الى الماضي الا بوصفه فخراً وأزدهاراً ووطنية وقائدهم صدام حسن الا (بطلاً وشهيدا) متجاوزين مأسي ذلك الزمن الداميً الذي حكموا فيه العراق بالحديد والدم خارج معايير الحزم أومتطلبات الدفاع عن سلطة تواجه تحديات أسقاطها .. فكل الانتهاكات والقتل والتدمير الذي جرى بحق العراقيين تم في سياق اخر مختلف ووفق تراكم منهجي مدروس وهو ينشئ ثقافة الغاء الاخر وموجبات سحقه وتحطيم كرامته وأسترقاقه وفرض فكر البعث عليه عنوة وقسراً في مفاصل المجتمع والدولة، وفي الحصيلة أنتاج ضحية مستسلمة خانعة مكسورة داخلياً فاقدة لشعور الانتماء الوطني شخصية هامشية مستلبة بمافيهم البعثيين. لم يستطع البعثيون طيلة تاريخهم الاقتراب من ثقافة المراجعة والنقد الذاتي ولم ينظروا الى عواقب أخطائهم بعقل منفتح أو رؤية واقعية ولم تهزضمائرهم ثقل الجرائم التي ارتكبوها بحق العراقيين ولم يقدموا رسالة اعتذار واحدة لشعب أدموه ونكلوا به طويلاً. وبدلاً من ذلك يتحدثون عن مقاومة واحتلال ووطن محتل متبجحين بتاريخ غير مشرف ابداً....ودون أن يسألوا أنفسهم مرة واحدة عن دورهم ومسؤوليتهم فيما جرى للعراق طيلة الخمسة والثلاثين سنة التي حكموا فيها العراق وماوصل اليه. عندما نعيد فتح تلك الملفات السوداء من ذلك التاريخ المؤلم والمأساوي فذلك يجري في نطاق سرد الحقيقة وتقديمها لاجيال مختلفة من العراقيين بوصفها درساً وعبرة أنسانية لكل عراقي ,واشعار لكل من تسول له نفسه في المراهنة على اخفاء الحقيقة ولفلفتهاعندما يتعلق الا مر بأنتهاك حقوق العراقيين وكرامتهم ..انها رسالة انصاف للضحايا واهلهم وكل مظلوم أياً كان انتماؤه ومنحدره وأن لاتضيع الاستحقاقات التاريخية للضحايا سدى يطويها النسيان وتحتويها التبريرات والتخريجات المخزية من مذنبين يصرون على الكذب والانكار للتنصل من القصاص العادل الذي ينتظرهم.. ان الاعتراف بالخطأ والذنب وطلب العفو والتسامح من الشعب العراقي هي ثقافة نبيلة وسمو أخلاقي قبل أن تكون مراجعة نقدية سياسية، وهي عودة للكرامة الانسانية في جل معانيها التي يفتقدها الجلاد والمستبد حين يتوحل في مستنقع الجريمة وحضيض العار، أنها فرصة تاريخية لوضع مفهوم المصالحة والتصالح في سياقه الصحيح ...ان التمسك بذلك التاريخ المخزي والافتخار به يثير أشكالية مركبة عصية على الحل فهو يعطي الفرصة للقوى الطائفية المتعصبة ان تتمادى في دكتاتوريتها وسلوكها المعادي للحياة المدنية لاتخاذ ملف البعث كقميص عثمان لتخويف العراقيين دون ان تظهر في خطابها وسلوكها مايشير الى التخلي عن اساليب البعث وقيمه في القمع والمصادرة والفساد والقسوة وهي تتحكم بالسلطة، وبنفس الوقت يجد العراقيون المخلصون لوطنهم مقدراتهم بين ناريين.. فهم مازالوا يعيشون عقد الماضي و ومأسي استبداد البعث ومن يسانده وهم يشاركون في العملية السياسية بثقل كبير وبخطاب أنقسامي بمفردات وأدوات سقيمة ومتخلفة لايطمئن لها العراقي وبين الخطاب الاسلاموي الطائفي الشيعي المتخلف الذي ينذر باسوء العواقب ،بينما تجري المراهنة من قبل القوى الحية على توازن ومعادلة سياسية تكسر اسقاطات ذلك الماضي الاسود وادواته وتردع تفرد القوى الطائفية المتخلفة من الاستفراد بحكم العراق أسلامويا طائفياً ،متأملين قيام حكم مدني ديمقراطي مؤسساتي ،من خلال بناء لغة تفاهم مع الذين يؤمنون بعراق موحد وبهويه وطنية واحدة رغم تحفظاتنا الجدية على البعض منهم، انها حيرة ومأزق وضعنا فيه رغم عنا.. لعلي في هذه المقالة بعثت برسالتي وهي مفعمة بالقلق والخوف على مستقبل العراق واللبيب يفهم ويدرك ما أقول وأعني....؟ في الختام أوجه تحية خاصة الى المهندس عامر أبو طالب في السويد موصولة الى الاخ المهندس فلاح افراسيام كاظم في هولندة وكذلك المهندس الاخ ايسر الحسني الذي يعيش في كندا لما قدموه من معلومات وتفصيلات ساعدت في أظهار هذا المقال بصورته المتوازنة و هو يحاول بناء غايته النبيلة من أجل العراق وشعبه.....

طلال شاكر كاتب وسياسي عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماوراء البعث
سعد مهدي ( 2010 / 12 / 20 - 18:47 )
اشعر بالاسئ تماما لماعانيت وادرك تماما مقدار التمزق الذي اجتاحك وقتها لاني لست غريبا عن هكذا مواقف.البعث فكرة بسيطة انتجها وطورها المجتمع لتصبح وحش يفتك بكل شي مااعنيه البعث هي اخلاق العوام وغرائز الجموع التي هي هي لاتتغير عبر التاريخ.كانت تحالفات البعث كل الاخلاق الفاسدة والفكر الديني والمذهبي والقومي كل هذا هو الوعاء الحقيقي للبعث .والا ماذا تفسر هولاء اليوم الذين سيطروا على البلاد وفتكوا به باسم الدين.مالفرق البعث سرق وقتل هم ايضا سرقوا وقتلوا . انها حلقة مفرغة لن تزول ابدا مرتبطة بالتاريخ وقيمه واخلاقه التي صممت كل هذه النماذج.البعث لم يكن طارئا بل هو نتاج المجتمع الحقيقي الذي يرفض المخلصين ويقبل بالاواغاد لسبب ان الاوغاد يجيدون خطاب العموام وترضيتهم بالفكر الفاسد


2 - إنه غيض من فيض
أمير أمين ( 2010 / 12 / 21 - 09:32 )
أخي كاتب المقال..تحية لك وحمداً لله على سلامتك..هذا هو غيض من فيض الجرائم المروعة التي قام بها حزب البعث ولم يستنكرها أي فرد من قادته أو من قواعده حتى اللحظة !! بل نراهم يتبجحون بأن نظام حكمهم هو أفضل من الحكم الحالي ويقوم عدد منهم بمقارنة الأمان المفقود حالياً ولأسباب إستثنائية قاهرة.. بالفترة السابقة..على أنها كانت فترة سلام ورخاء وأمان !!.على بنات وأبناء شعبنا توثيق جرائم حزب البعث وتدريسها في المناهج الدراسية لكي تدرك الأجيال الحالية والقادمة بشاعة هذه الجرائم ومواقف الضحايا والشهداء وإستبسالهم في الدفاع عن شرفهم ومبادئهم وعن مصالح شعبهم ووطنهم..ولو تسنى لكل ضحية ومعذب في المواقف والسجون وغيرها أن يكتب مذكراته الأليمة لإحتجنا لمئات السنين للإلمام بكل تلك الحقبة البعثية والجرائم المرتكبة بحق شعبنا وفي جميع المحافظات..تحية للأبطال الذين قاوموا بضراوة أو بإمكانياتهم المتواضعة شرور حزب البعث والمجد لكل الشهداء الميامين...


3 - المحترم طلال شاكر
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 12 / 21 - 17:04 )
تحيه وشكر
مع كل ما مر بكم انتم النبلاء بقيمكم وعلمكم واخلاصكم..اجدك كبيراً عندما تريد الصفاء والنقاء والوضوح والتسامح
انها رساله بليغه وصفحه ارادوها مطوبه مندثره وانت فتحتها باسلوب راقي ..اكيد هناك الكثير مما عايشتموه مكرهين وعشتوه صابرين
تحيه لك وكل من كان هناك


4 - كشف لصورة البعث
شكر البابلي ( 2010 / 12 / 21 - 18:41 )
احيك يا ابو ميلاد المحترم ماده جيدة لقد اصبت كبد الحقيقة في كشفت صورة البعث والبعثيين على اختلاف نوعيهما الصدامي والعفلقي . ان الاسا ليب الهمجية والا نسانية التى مر بها هوءلاء العراقيين النجباء توءكد انهم العراقيين المخلصين الذين نعتهم النظام بالتبعية كانوا ولا زالوا مخلصيين لبلدهم في الوقت الذي كان يفترض عليه قاءداً مثل صدام كما ادعى ذلك ان يكون مخلص ومدافعاً عن بغداد كونها العاصمة على الاقل . احببت ان ضيف شيىء مشابه لما فعل العباسيين في سحق حركة القرامطة وكذلك مثل ما فعل جيوش الجزيرة عند غزوها للعراق حيث مورست نفس الاساليب و ربما لم تتفق معي بذلك.
مع تحياتي


5 - الشجرة ترمي ثمر عند ضربها بالحجر
طالب طالب ( 2011 / 2 / 12 - 05:32 )
ليس عندي تعليق اكثر من العنوان بل عندي الم ومعاناة مما رويته لنا عن ماقاسيتوه انتم وغيركم من هذا الوباء الاجرب لكن مهما طال الظلم فلابد ان يذهب صانعوه الى بالوعة الزمن الى غير رجعة هم ومن يترحم عليهم او يؤيدهم فهم جربوع مثلهم قلوبنا معكم استاذ شاكر ونحن ماعانيناه لايكون حبة رز بجانب معاناتكم لكن لحد الان كوابيسه تطاردنا حتى بعد مرور 20 سنة عليه وكما قال المتنبي(نظام البعث راح الى غير رجعة في البالوع--مايترحم عليه غير السافل والاجرب والجربوع)والعاقل يفهم!!


6 - لكنكم انتصرتم...
سالم الحمداني ( 2011 / 2 / 12 - 18:31 )
لا شك في ان مجرد ذكرى لمثل هذه الاحداث هي كافية لتدمر لمحتوى الانساني للفرد , فما بالك اذا كانت هذه الذكريات تلاحقه كابوساً لايكل ولايمل ,وبعدها يتهافت المدافعيين عن ذكرى الطاغية ويعتبرونه نبراساً لعدوانيتهم ... الا سحقاً لمن اختار البعث قدوةً له ومصيره جهنم ولبئس المصير.

اخر الافلام

.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ


.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا




.. مجلس الشيوخ الأميركي يرفض مقترح بايدن باستقبال اللاجئين الفل


.. موريتانيا الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الصحافة | الأخبار




.. الأمم المتحدة تحذر من وقوع -مذبحة- جراء أي توغل إسرائيلي برف