الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتب قديمة مستعملة

سعد محمد رحيم

2010 / 12 / 20
الادب والفن


هل تشبه حال الكتب المستعملة حال الملابس المستعملة ( البالات )؟. في جيوب الملابس المستعملة قد تجد قصاصات ورق عليها ملاحظات بلغات غريبة. وأحياناً تشم في قماشها روائح غبار مدن بعيدة، وعرق أناس ربما يكونون قد رحلوا عن عالمنا منذ سنين، وعطور عشّاق شابت رؤوسهم الآن. قد تستنشق في قميص رجالي بقايا عطر امرأة لا تدري من أي البلاد هي. ولك أن تتخيل عمرها وطبيعة شخصيتها، ملامحها تسريحة شعرها وطولها.. في كل قطعة ملابس مستعملة يحضر شخص ما، لن تتعرف عليه أبداً، لكنك قد تعرف عنه بضعة أشياء.
وأيضاً، يثير الكتاب القديم المستعمل الخيال.. يجعلك تطل على تفاصيل يتهيأ لك أنها حدثت فعلاً لمن كان، في وقت ما، يمتلك ذلك الكتاب. وبذا فإن للكتب القديمة المستعملة سير حياتها الخاصة، وهي سير مرمّزة في الغالب.. إنها مسكونة بالأطراس. مملوءة بشفرات حيوات من اقتنوها وقرأوها ودونوا هوامشهم على حوافها وفراغاتها.. تركوا بصماتهم وشيئاً من أنفاسهم على جلودها وبين سطورها. وبذا فإن الكتاب القديم المستعمل يقترح، في الأقل، قراءتين؛ قراءة أولى لمحتوى النص، وقراءة ثانية لآثار القارئ السابق ( أو القراء السابقين ) للكتاب.. إن استهوى كتاب مستعمل قارئاً فضولياً فإن عليه أن يكون سيميائياً بطريقة ما، يتقن كيفية تعقب آثار أسلافه من القراء.
تكتشف عبر ملاحظة مكتوبة، بالقلم الرصاص، أو خط دقيق متعرج تحت عبارة، شيئاً من مزاج ذلك القارئ المجهول.. شيئاً من طريقة تفكيره، ربما إيديولوجيته التي يعتنقها والاتجاه السياسي الذي ينتمي إليه.. تدرك إن كان قارئاً ذكياً أو لا. أكان يتحلى، ساعة القراءة، بالهدوء أم كان غاضباً.. مستمتعاً أو برماً أو ضجراً؟.
بين طيات كل كتاب قديم مستعمل كتاب آخر يحمل إشارات لا تعد تنبئك عن شخصية من قرأه. حتى الكتاب الفارغ من أية إشارة ظاهرة له إيحاءاته السرية.. تعرف أن هذه النسخة من الكتاب تداولتها أيادٍ كثيرة.. الغلاف المتغضن والأوراق التي بليت والحواف المثلومة والكلمات والإشارات التي كتبت والصور التي رُسمت.. وليس من الغريب أن تكون هناك شخابيط أطفال عبثوا بأقلامهم على بعض الصفحات وخرّبوا سطورها.
يعبِّر العاشق، حامل الكتاب، عن يوم جميل قضاه مع حبيبته بجملة شعرية دافئة يخطّها على الصفحة الأخيرة.. يعكس القارئ المهموم أو المحبط مشاعره برسم أشكال غامضة، خطوطها وزواياها حادة، على الجلد الداخلي.. وغالباً ما تجد رقم هاتف شخص مجهول، حسابات ميزانية عائلة، ملاحظة لتذكّر موعد هام ، وردة يابسة قدّمها شاب، في يوم بعيد، لفتاة. تعثر على ورقة وصفة طبية، بطاقة سفر إلى البصرة أو الموصل بالقطار، أو إحدى بطاقات مصلحة نقل الركاب، تعود لسبعينيات القرن المنصرم فيها عبارة ( درجة أولى 15 فلس ).. الخ.
تُفاجأ بتوقيعات مؤلفين في أعلى الصفحة الأولى لكتبهم وكلمات إهداءاتهم لأصدقائهم أو لقراء عابرين.. تصدمك واقعة أن يكون كتاب مهدى من كاتب معروف لآخر ما زال على قيد الحياة بين أكوام الكتب في سوق المتنبي. وتتساءل إن كان صاحبنا المهدى إليه قد باع الكتاب/ الهدية، أو أن أحدهم استعاره منه وقام ببيعه. ( لا تستغربوا، أعرف قصصاً من هذا القبيل ).
يفقد الكتاب براءته الأولى وعذريته مع القراءة، وبهذا يكتسب شرف وجوده.. إن قيمته تكبر كلما وهب نفسه بسخاء لقرائه. وكلما خلّف أولئك القراء آثاراً أكثر على جسده دلّ ذلك على عِظم غوايته وقوة إغرائه، كذلك على رفعة مكانته، على درجة الاحترام العالية التي حظي ويحظى بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-