الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين هنا وهناك

مصطفى الحاج صالح

2010 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


هل تصح المقارنة بين هنا وهناك؛ أقصد بين وطني الجديد ( هولندا ) وبين ( وطني) القديم سوريا؛ لطالما خطرت هذه المقارنة في بالي خصوصا وأنا سائر أو وأنا ماض مع عجلتي الهوائية في أمر من الأمور وهو ـ أقصد هنا ركوب العجلة " البسكليت" يعني ! ـ يتيح أمرين لا تتيحهما واسطة نقل أخرى؛ تتيح المشاهدة والتفكير على حد سواء. تشاهد العين ويسجل الذهن الفروق بين "هنا" و" هناك". بغض النظر عن الفصول من جهة وعن الطبيعة؛ ستلتقط العيون مشاهدا لا يمكن ردها إلى الموقع الجغرافي ولا أيضا إلى الموقع الحضاري والسياسي وبالقطع ستبدو مقارنة من هذا النوع ظالمة إلى حد ما؛ ظالمة للشعب السوري الذي لم يشهد طوال فترة قيام دولته الوطنية ضمن الحدود السورية الحالية المقررة وفق اتفاقيات ( سايكس ـ بيكو) فترة استقرار طبيعية في ظل حكم راشد؛ فما عاشه بعد الاستقلال وإلى الآن لا يعدو كونه أحد أمرين؛ إما انقلابات وتغيرات سياسة متعاقبة لا تخلو من الفوضى وانعدام الاستقرار بمعناه الشامل[فترة الإنقلابات بعد النكبة؛ الوحدة والانفصال ] أو استبداد معطل؛ تخللته حرب أهلية ـ طائفية، رسخت ميول الاستبداد والطغيان عند الحاكمين.

لكن المقارنة ستكون أقل ظلما لو نحينا جانبا أمر الشعبين" هنا" و" هناك" ولا أظنها ستكون متحاملة أو مبنية على رأي مسبق جاهز كما ستشير إليه بعض الحساسيات الوطنية، إذا اعتمدت السياسة والاقتصاد معيارا، إذا كان المعيار الأول إشكاليا وأقرب ما يكون إلى الذاتية منه إلى الموضوعية إلا أنّ المعيار الثاني ـ الاقتصاد ـ يظل أكثر موضوعية وأدعى للتعقل من أمر تختلط فيه عوامل عدة( دولية وداخلية بتشعباتها العديدة من جهة وبارتباطاتها الشعورية والقيمية من جهة ثانية).

" هولندا" وطني الجديد أو كما تسمى "هنا" ( ندرلاند) بلد صغير في غربي أوربا لا يتجاوز عدد سكانه17مليون فيما لا تكاد مساحته تبلغ ربع مساحة سوريا بل هي أقل من ذلك بكثير؛ أرضها مسطحة مستوية وأقل انخفاضا من مستوى البحر في كثير من مناطقها وكما يعتبر الماء مشكلة من مشاكل سوريا في الوقت الحاضر كذلك هو مشكلة بالنسبة لهولندا، مشكلة معكوسة فكما ندرة الشيء مشكلة كذلك كثرته والماء الكثير في هولندا؛ سواء كان مياه الأمطار أو مياه الأنهار بل وكذلك مياه البحر، يعد مشكلة وتحديا طبيعيا وإقتصاديا دائما، تحد يحتاج إلى حلول متجددة وإلى تقنيات عدة متطورة و" هنا" مملكة دستورية ونظام الحكم فيها ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية وعلى مبدأ الانتخابات في كل المستويات الإدارية والسياسية( انتخابات بلدية وانتخابات نيابية ) والنشاط السياسي الحزبي غير مقيد . الحرية مكفولة دستوريا فيما الفصل بين السلطات الثلاث حقيقي وليس وهميا؛ يتكون الشعب الهولندي من قسمين أساسيين؛ سكان البلاد الأصليين وهؤلاء ينتمون إلى مذهبين أو إذا شئتم طائفتين من طوائف المسيحية/ كاثوليك وبروستانت أم القسم الآخر فهم الوافدون والوفدون يتنمون إلى إصول تركية ومغربية / مسلمين / وسورينامين والجميع متساوون دستوريا وقانونيا .

تعتبر هولندا من البلدان التي تعرضت لدمار واسع أبان الحرب العالمية الثانية وكان الفقر في هذه البلاد إلى أواسط الستينات من التحديات الكبيرة ، قسم كبير من الشعب لم يكن يجد ما يقتات عليه غير البطاطا وكانت البلاد باستمرار عرضة للفيضانات المدمرة إلى نلك الفترة؛ فترة الستينات التي يقابلها في سوريا قيام حزب البعث باستلام السلطة بواسطة انقلاب عسكري والبنية التحتية في هولندا متخلفة وضعيفة تعاني من مشاكل كثيرة منها نقص اليد العاملة وتخلف شبكات الطرق والمواصلات ولا تملك" هنا" ثروات طبيعية متميزة ففيما عدا غاز بحر الشمال لا شيء آخر .... سوى نظام ديمقراطي تعددي قائم على العقلانية الاقتصادية وعلى نظام الحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة، بالإضافة إلى إرادة سياسية واضحة لدى كل الفئات وكل الأحزاب لبلوغ مكانة متقدمة على الصعيد الأوربي والعالمي وهذا لن يكون دون بناء بنية تحتية، تعد حقا عملاقة فإلى جانب شبكة القطارات الواصلة بين كل مناطق هولندا؛ هناك شبكة طرق دولية متقدمة ولا يسع المرء وهو يمضي في أرجاء هذا البلد من مكان إلى آخر كبت دهشته من جهة وحزنه من جهة أخرى ؛ حزن على بلاده وعلى أهل بلاده .

بين عام 1963، عام استيلاء البعث على السلطة وهذا العام 2010 نصف قرن من الزمن وبين لحظتنا هذه، حيث الشعب السوري يعيش أسوأ أزمنته وحالاته على جميع الصعد وعام قيام الحركة التصحيحية 40 عاما وأربعون عاما ليس زمنا هينا في كل المقاييس. أربعون عاما تكفي لبناء الكثير ليس في مجال تطوير البلاد وفي تعزيز إمكانيات تقدمها بل أولا وقبل كل شئ آخر في بناء إنسان جديد كفوء قادر على الابتكار وعلى حل مشاكله، إنسان أكثر وعيا لظروفه ولمحيطه؛ إنسان قادر على التقدم والتطوير فما الذي حصلنا عليه بعد ما يقارب نصف قرن من امتلاك البعث التقدمي للسلطة في البلاد؛ بنية تحتية متخلفة لا يمكن مقارنتها بدول كانت قبل الستينات تعاني من مشاكل التخلف والفقر وانعدام اي بنية تحتية ، إلى جانب هذه البنية المتعثرة الهزيلة نجد اقتصادا لا يقل تعثرا واهتراءا لا من حيث فاعلية القطاعات ولا من حيث معدلات النمو التي تعاني من الفساد والبيروقراطية وسيادة قيم الولاء غير الإنتاجية في محل قيم العمل المولدة للتراكم وللتطور في آن معا ولم يقتصر مفعول التدهور والخراب على الجوانب الاقتصادية والمادية؛ سواء تعلق الأمر بحالة البلد ذاته أو بحالة الفرد الإنسان فإلى جانب الاختلال الكبير في الدخل الفردي والفقر غير المسبوق نجد تدهورا عاما في مجال الثقافة والقيم فلم تعد الحصانة ذاتية مستمدة من قيم المجتمع ومن تفضيلاته ولم يعد الضمير هو الوازع للعمل أو الترك بل أمست مستمدة من الخوف بالنسبة لفقراء الناس وبسطائهم ومن الولاء بالنسبة لأتباع السلطة وهذه الحصانة الأخيرة هي حصانة ضد القانون أو حصانة منه بحيث يستطيع الموالي فعل ما يشاء لأنّه موالي ليس أكثر.

ولعل الولاء أو مبدأ الولاء الناظم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم هو من كرس حالة العطالة والتخلف التي تعيشها البلاد وهو من جعل سوريا تصطف في مؤخرة الدول بمجالات شتى وهذا سبب آخر مانع للمقارنة بين " هنا " و" هناك" ، هنا لا دور للولاء في اختيار الأشخاص والإدارت ؛ المعيار الأساسي في مثل تلك الخيارات هو الكفاءة أولا والشعب ثانيا والولاء كما عاشته بلادنا لم يكن سياسيا، ولاء لعقيدة سياسية مانعة شاملة كما في الصين حاليا وكما في الاتحاد السوفياتي سابقا فبعد مجموعة التطورات بعد حرب تشرين ودخول الجيش السوري إلى لبنان ومن ثم الحرب الأهلية تحول الولاء العقائدي إلى ولاء شخصي تعززه الطائفية ويجد صداه في فساد غير مسبوق وفق كل المعدلات سواء من حيث الأعداد أو الانتشار في كل المجالات أو من حيث تبرير الفساد فإلى أي معيار اقتصادي ينظم شق طريق من أجل مسئول بعينه أو من أجل مناسبة بذاتها !!. كيف يفسر بناء مشاريع عديمة الجدوى ألغيت أو عطلت فيما بعد وبم يبرر هدر المليارات على القصور وعلى الاحتفالات ..؟. الفساد ورغبات الفاسدين لا تكفي وحدها لتفسير تلك الإجراءات والخيارات .

ما سمي بخيار التقدم يقع في أساس نشوء وتعميم مبدأ الولاء الملبي بدوره لأمرين إثتين لايجب إغفالهما بسبب حساسيات وطنية معينة وهما الميل الشخصي للاستئثار والتفرد بالسلطة وتغليب طائفة على بقية الطوائف في المجال العملي وهذا التقدم مقروء بعثيا وشيوعيا أيضا؛ قراءة أيدلوجية تضع الأفكار في مقدمة الركب فتفرز على أساسها وتتخذ القرارات في ضوءها وهو ما قاد أو أكد الوجه الآخر لهذه التقدمية، الوجه التقني والتقدمية التقنية لم تكتفي باستيراد الآلات والأجهزة بل واستوردت النظم والخبراء؛ مدمرة بذلك الكثير من البنى الاقتصادية الناشئة في المدن والأرياف؛ دمرت الفلاحة وتربية المواشي ودمرت المهن والحرف ولم تبقي منها إلا الثانوي الاستهلاكي ألم يكن الفلاح والحرفي القديم بل والعامل الأجير أكثر تقدمية من هذه التقدمية وهل التقدم فكرة تملي خيارتها عبر السياسة ومبدأ القوة أم فعل وممارسة بعيدة كل البعد عن الشعارات وعن الآراء الصورية. كيف يتجلى ذلك وهل من سبل عملية تتجاوز الراهن نحو الأحسن ..؟ بالقطع نعم ..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -