الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الوطنية ( الحلقة الثانية )

الاء حامد

2010 / 12 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما عرفنا في الحلقة السابقة (الأولى) من موضوعنا الذي حمل عنوان ( الهوية الوطنية ) بأن الهوية الوطنية هي عقد بين فرد ودولة يحددها قانون تلك الدولة , فعلينا هنا إن نعرف المبادئ التي تقوم عليه مفهوم تلك الهوية فنعتقد أنها تقوم على مبدأين أساسيين : الأول هو الانتماء , حيث يجب إن يكون هنالك شعور بالانتماء إلى شيء ما ,أو إلى المجتمع تحميه دولة ما , فمتى ما تحقق لنا هذا الانتماء تحقق لنا البعد الثاني للهوية الوطنية , إلا وهو الولاء , حيث تشعر انك تنتمي إلى المجتمع كان من الواجب والمفترض عنده إن تمنح ولاءك له , وعليه لا حديث عن الهوية الوطنية من دون الحديث عن هذين المبدأين المتوافقين والمتكاملين معا , ولا يكفي الانتماء وحدة لتشكل الهوية , لان الكثيرين من الإفراد ينتمون أو يحملون هوية دولة ما , ولكنهم لا يدينون بالولاء لهذه الدولة.

والحقيقة ان سؤال الهوية الوطنية في العراق لم يستكمل جوانبه لأسباب عديدة ومعروفة وسبق وان نقلنا جز منها في تعليقات لنا سابقة في الحلقة الأولى من الموضوع ولا ضير في إعادتها لاستبيان الأسباب التي وقفت وراء ذلك.
قد يكون هنالك منشأ إيديولوجي أحاط بالحالة دون إن تكون هنالك هوية, وقد قلنا إن الدولة العراقية الحديثة التي تأسست عام 1921 دخلت في إشكالية حينما وجه الملك فيصل الأول عام 1931 رسالة إلى الحكومة العراقية , استغرب فيها عدم وجود شعب اسمه الشعب العراقي ,, وان ألولاءات الضيقة الفرعية هي الغالبة , حيث تعلو قوة العشائر على قوة الدولة , هذا بالتأكيد مبررا يدفعنا لتساؤل عن أسباب انتكاسة الهوية الوطنية وعدم اكتمالها؟ ,,

فبتقديرنا من قراءة تاريخ ومحصلة الدولة العراقية ونحن نتحدث عن أكثر من 80 عاما منذ تأسيس هذه الدولة , نلاحظ إن هناك أسبابا كثيرة تقف وراء أزمة الهوية الوطنية العراقية , منها كما نقلنا في الحلقة السابقة ما هو ذو منشأ إيديولوجي والمدارس الإيديولوجية لم تعمل على صناعة هوية وطنية عراقية , بل إن كلا منها حاول إن يمارس عملية شد الهوية الوطنية إلى النسق الايدولوجي الذي يحمله , بدليل أم المدارس الإيديولوجية التي هيمنت أو تحكمت بتاريخ العراق ثلاثة. (1)

1- المدرسة اليسارية أو المدرسة الاشتراكية, وهذه كانت قد ارتكبت خطأ حين حاولت إن تأتي بهوية مستوردة من الخارج, وبالتالي تسقط نمطا من الفكر والممارسة كان بعيدا عن الأنساق الاجتماعية العراقية, أو خارج الفضاءات الفكرية لهذه الأنساق.
2- المدرسة أو المدارس الإسلامية, وهذه أيضا حاولت أن تأتي بخطاب لم تراع فيه مسألة التجديد ومسألة التطور حيث كنا نبحث في إطار سياقات فكرية بعيدة عن مواكبة التطور النسبي الذي شهده المجتمع العراقي , ولم يكن خطابها يرقى إلى مستوى حالة الثقافة المتحركة في الشارع العراقي.
3- المدرسة القومية , وهذه ربما كان لها النصيب الأكبر والمساحة الأوسع بما لحق بالعراق , أو لنقل أنها السبب الأهم في غياب أو عدم تشكل هوية وطنية عراقية واحدة , فقد حاولت الاتجاهات القومية إن تفرض إيديولوجيتها وأنساقها الفكرية بالقوة, وكانت النتيجة انتقالنا من مفهوم الولاء للوطن , وهو ما كنا نبحث عنه إلى الولاء للحزب الواحد بحيث تتماهى مفهوم الدولة بمفهوم السلطة ولأول مرة يتم ربط المؤسسات الأمنية والمؤسسات العسكرية بالمؤسسة القرابية ( العائلة ) وهذه بحد ذاتها تشكل خرقا كبيرا لمفهوم الهوية الوطنية , ولم يتوقف الأمر عند ذلك وحسب , بل تجاوز مفهوم الولاء للعائلة والعشيرة إلى مفهوم الولاء للفرد الواحد وتحديدا في عقد التسعينات.

ولو عدنا إلى الوراء ليقودنا سؤال هنا يفرض نفسه فيها" هل تشكلت الهوية العراقية قبل ذلك ؟ فمنطقيا إن الجواب يكون في عهد الملكية لم تشكل هوية وطنية وفق رؤية محددة , وإنما تأسست على تركيبة طائفية مجحفة, مما شكل أساسا في العرقية والترابط بين الدولة والخارج, وإذا سألنا سؤالا أخر: من كان العامل المؤثر في تأسيس هذه الدولة؟ الداخل أم الخارج ؟ فأن الجواب بالتأكيد هو إن الإرادة البريطانية التي تعبر عن الخارج كانت الأكبر والأقوى والأكثر تأثيرا. ولو استعرضنا تاريخ العراق الملكي في ذلك الوقت , سنلاحظ إن تمذهب السلطة كان واضحا, وبالتأكيد ان هذا التمذهب اثر بشكل أساسي وكبير على مفهوم الهوية الوطنية العراقية, لكن ذلك ومع حالة التقدم الاجتماعي في عقدي الأربعينيات والخمسينيات مع تشكل طبقة وسطى تمثل الحاضن وتمثل الأساس في مسألة الهوية الوطنية أولا وفي إطار الأساس الديمقراطي ثانيا, نلاحظ انه بدأت تتشكل لدينا بوادر طبقة وسطى وهذه لا غنى عنها في الحديث عن الهوية الوطنية لان الطبقة الوسطى هي الرافعة الأمتن في هذا الإطار.

لما تقدم أعلاه برز معطى إن السلطة في العراق تم استيرادها , وبالتالي حملت إشكالات للهوية برزت لاحقا, فهل يمكن استيراد الهوية؟ أليست الهوية واقعا اجتماعيا داخليا ينبغي إن تفرزه إرهاصات المجتمع ؟ هل كان استيراد السلطة سببا في الخلل الذي وقع فيه العراق لاحقا؟ ومن هي الطبقة التي تحتضن الهوية وتبلورها؟ كل تلك الأسئلة سنناقشها في الحلقة القادمة قريبا. تحياتي


الإحالات
1- د حميد فاضل في محاور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخت العزيزة الاء حامد
سرحان الركابي ( 2010 / 12 / 22 - 17:20 )
تحية لك عزيزتي
في العهد الملكي لم تتبلور هوية وطنية , السبب الاول واوافقك الراي , حيث تم استيراد سلطة من الخارج بكل كادرها , من الملك الى الحاشية والوزراء ورؤساء الوزراء الذين كان اغلبهم من خريجي المدرسة لعثمانية لتركية
الثاني ان نظام الحكم والادارة كان قائما على الاقطاعيين وطبقة قليلة اخذت تتوارث الحكم والادارة في البلاد , وهمشت الاغلبية تماما ومن كل الطوائف , الاكراد والشيعة وبعض المناطق السنية وهذا بدوره لم يفضي الى دمج المجتمع وصهره في بوتقة واحدة هي بوتقة الدولة التي لم يشعر المواطن البسيط انها دولته
اما في العهد الجمهوري , فقد كان بالامكان خلق هوية وطنية في تجربة الزعيم عبد الكريم قاسم , فعهده هو العهد الوحيد الذي خلا من الطائفية وتمذهب الدولة , لكن التيار القومي الشوفيني قضى على هذه التجربة الوليدة واعاد العراق الى تمذهب الدولة اولا وثانيا الغى الهوية الوطنية واحل محلها الهوية القومية , بل ان الحجة التي قتل بسببها الزعيم هو انه كان انعزاليا اي ان لم يطرح شعار القومية العربية , وهو شي غريب ان يقتل زعيم لانه وطني
تحياتي عزيزتي ومزيد من التوفيق


2 - الكريمه آلاء حامد
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 12 / 22 - 18:47 )
تحيه وتثمين وتقدير
انا اقراء ما تتفضلين به علينا من اجتهاد ولم يفوتني شيء ولكن تعرفين ايتها الكريمه ان الوقت والرد
من هو العراق او ما هو العراق وماهي الهويه
الهويه ترتبط في بعض معانيها بالجغرافيه وترتبط عند البعض بالتاريخ وترتبط عند الأخر بالقوم وعند الأصغر با الأصغر الى ان تصل الى العشيره والعائله عندما تتحطم الحلقات الأكبر
صار المفهوم في العالم الحديث تفتيت القائم وتمزيق الممزق وعندما تختل الأمور الى تلك الحدود لن يجد المراء البسيط ما يحترمه الا الهويه السانده له
وهذا المفهوم الذي ابتدعته امريكا في نهاية القرن الماضي وهو تحطيم القائم الساتر الملم ليتفرق الجميع ويبحث عن الأقرب اليه ليحميه..فتلاعبوا بالهويه التي تحددت بضوابط اوجدتها الجغرافيه ليجدوا ضوابط اعادوها الى حتى ما قبل الديانات وهذه جريمه بحق البشريه تسير بها وعليها امريكا ولن تكون بدون حساب او رد فعل
تحيه لك ايتها الشجاعه المتمكنه وانا اكرر لم افوت سطر مما كتبتي


3 - الى الامام
فاضل رمو ( 2010 / 12 / 22 - 20:24 )
ان ما تطرحينه من اجتهاد يعتبر من اهم المواضيع واكثر الحاحا في هذا المرحلة بحيث يسعى ويتأمل الكثير الى تعزيز الهوية الوطنية التي يحاربها تجار السلطة الجدد الذين وأن أختلفوا عن رموز السلطة في بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة كونهم ليسوا مستوردين كما كانت السلطة في 1920 لكنهم وجودوا في الهويات الثانوية مبررا لبقاءهم في السلطة خادعين العامة بتلك الهويات والانتماءات الثانوية كي يشرعنوا تحكمهم بالدولة ، ارجو ان تركزي على النهج الذي تبناه الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم مؤيدا ما جاء به الاخ سرحان الركابي من كون فترته برزت بها بعض التوجهات نحو تبلور هوية وطنية عن طريق بناء طبقة وسطى وتطور بعض الفئات ، لكني اريد ان الفت لانتباهك ان تطور تلك الفئات ونمو الطبقات الوسطى والمتعلمة كان بجهود التيارات الاشتراكية واليسارية .... مع تقديري الشديد لفكرك واجتهادك


4 - شكرا جزيلا على المقالة
داني وصفي دنخا ( 2010 / 12 / 23 - 10:12 )
بصراحة احب مقلاتج واحب طريقة تفكيرج اتمنالج كل الموفقسية بحياتج


5 - يسعد مساءك اخ سرحان الركابي
الاء حامد ( 2010 / 12 / 23 - 11:20 )
كل الشكر والتقدير للاخ العزيز والكاتب سرحان الركابي حضوره موضوعنا واضافاته القيمة في الموضوع وهي مكمله لجوهر الموضوع ايضا . طبعا هنا اتفق فيما نقله لنا الاخ الركابي بأن في العهد الجمهوري كان من المؤمل ان تشكل الهوية الوطنيه في تجربة الزعيم عبد الكريم قاسم لولا شوفينيه التيارات القوميه التي اضرت بمفهوم الهوية الوطنية,وكما ايضا نعتقد ان الاشكاليه التي ساعدت في انتكاسة الهوية الوطنية هي غياب النخب الثقافية وكذلك تغييب الثقافة الوطنية العراقية ومحاولات التيارات القومية تهميش والالغاء الطبقة الوسطى التي يمكنها ان تكون الحاظنة الاساس لمفهوم الهوية وكذلك غياب مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الديمقراطية وكذلك الغاء مفاهيم الحرية والعدالة كلها تزامنت ولحقت في غيابها ضررا بمفهوم الهوية الوطنية.شكرا مرة اخرى. تحياتي


6 - الاخ العزيز عبد الرضا حمد جاسم
الاء حامد ( 2010 / 12 / 23 - 11:56 )
الأخ العزيز عبد الرضا حمد جاسم يسعد مساءك. طبعا مما لاشك فيه.إن مفهوم الهوية يرتبط ارتباط عام وبشكل كبير بالقيم السائدة والحاكمة للمجتمع وهذه القيم هي نتاج السلطة السياسية السائدة في البلد. فبقدر ما تتغير السلطة تتغير تلك القيم.وبالتالي تتغير مكونات الهوية. ومثالا لذلك كما نقل لنا الأخ والكاتب سرحان ألركابي حينما سعى التيار ألقاسمي إلى تشكيل الهوية الوطنية وفق معايير وطنيه بينما التيارات القومية عمدت في بناءها للهوية على أسس واطر قوميه شوفينية. كما إننا لم نغفل عن اعتبار الهوية مرتبطة بالأرض والجغرافيا.ولكن أليست الحدود الإدارية هي حدود مولدة بمعنى أنها جاءت متأخرة ولكن ضمن غطاء دستوري, لذا لا يمكن تجاوزها وتعقيبا على كلامك حول الأممية . قطعا هذا ممكنا مادامت الفطرة الإنسانية نزاعة بأتجاه الأممية والعولمة والتماهي مع الآخرين, فأن تتقوقع ضمن إطارها البيئي التي نمت وترعرعت فيه فذلك لم يعد ممكنا.عموما لا أريد إن أزج بأميركا بأزمة الهوية الوطنية العراقية كون الحديث عنها يسبق أوانه. إلف شكر وتقدير لك وكم سعيدة بحضورك ومتابعتك لما اكتبه من كتابات. تحياتي


7 - الاخ العزيز فاضل رمو
الاء حامد ( 2010 / 12 / 23 - 14:57 )
يسعد مساءك-اخ فاضل رمو وشكرا لك على حضورك موضوعنا. طبعا مداخلتك ادخلتنا في اشكالية الاستقطاب الجماهيري وكيف سخرت السلطة الشارع لصالحها كي تبقى في سدة الحكم اطول فترة ممكنة. لذلك اصبح التركيز على العشيرة من جانب والتركيز على الطائفة من جانب ثان, ثم على المفهوم القومي من جانب ثالث. وبالتالي تم اختزال مفهوم الهوية الوطنية تحت هذه المسميات مثل مسميات الامة الاسلامية والامة العربية وحتى الاممية وهولاء عرب وهولاء كورد , واولئك سنة وهولاء شيعة واولئك قوميات اخرى وهكذا اختزلت السلطة مفهوم الهوية العراقية وركزت على القيم السائدة في المجتمع العراقي وهذا ما سنمر عليه في الحلقات القادمة . شكرا لك. تحياتي


8 - العزيز داني وصفي دنخا
الاء حامد ( 2010 / 12 / 23 - 15:06 )

داني كل الشكر لك حضورك ومرورك في موضوعي . طبعا سعادة لا توصف غمرتني حينما وجدت اسمك بين المعلقين .وكم سعيدة بهذا الحضور البسيط المفعم بالكلمة الصادقة تجاهي فأنت صديقي المقرب والعزيز علي قلبي. فلك اجمل تحياتي واعذبها بمناسبة العيد .فكل سنة وانت بالف خير ..شكرا

اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة