الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة الاستبداد

ساطع راجي

2010 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



خلف هذا الضجيج الذي يملأ مؤسسات السلطة والقضاء والاعلام في العراق، هناك معركة حقيقية واحدة، معركة تمتد ربما الى منطقة الشرق الاوسط برمتها، انها تحديدا معركة الاستبداد، وهي ليست معركة بين قوى استبدادية واخرى غير استبدادية، بل هي معركة بين المستبدين بتعدد زعاماتهم وتنظيماتهم وهوياتهم، معركة تدار احيانا بديمقراطية كارتونية تتجه دائما الى انتاج تسويات تهدئة وترضية وتخدير بانتظار جولات اخرى من الصراع.
لا نكاد نجد حزبا ديمقراطيا واحدا في العراق رغم كل هذا الضجيج الديمقراطي ورغم كثرة الاحزاب، وبعيدا عن الاسماء والافكار والهويات والتاريخ، فان كل حزب او تنظيم يؤمن بمفهوم القيادة التاريخية والزعيم التاريخي هو حزب استبدادي، وكل حزب يرى ان ماضيه يعطيه حقوقا تتجاوز الدستور والقوانين ومصالح البلاد وأطر الدولة وصناديق الاقتراع هو حزب استبدادي، وكل حزب او تنظيم يغطي فيه نور الزعيم على بقية اعضائه هو حزب او تنظيم استبدادي، وكل حزب لا يحاسب ويغير قيادته عندما تصيبه نكسة هو حزب استبدادي، وكل حزب يخفي وجوها للقيام بالممارسات غير القانونية او المشبوهة هو حزب استبدادي، والعملية السياسية التي تشترك فيها عدة احزاب وتنظيمات على هذه الشاكلة لن تكون ابدا عملية سياسية ديمقراطية.
هناك مستبدون يتصارعون فيما بينهم في المنطقة بانتظار الملل الامريكي من دفع غيمة الديمقراطية العابرة وكل واحد من هؤلاء المستبدين يحلم بان تشرق شمسه هو وحده على بلاده بعد انقشاع الغيمة الديمقراطية، وهم يستندون الى آلاف السنين من الاستبداد، والى فكر ضخم مليء بالاستبداد بتعدد هوياته، فكر لا توجد فيه عبارة واحدة عن حق الشعب وحرية المجتمع والافراد، هو فكر الحكام الآلهة وانصاف الآلهة وأبناء الآلهة وظلال الآلهة، والحكام الملهمون وابناء القدر التاريخي للامة.
استبداديو اليوم يعرفون ويتقنون اللعبة الديمقراطية وهم يقلمون اظافرها وينزعون اسلحتها ويستولون على مؤسساتها وثمارها، فهم من جهة يؤسسون وسائل اعلامية ضخمة ويقمعون كل ما هو خارج سيطرتهم، ويؤسسون منظمات مجتمع مدني ويديرون الحراكات الشعبية بمهارة، وفي مقابل هؤلاء لا يوجد الا حالمين بالديمقراطية وهم لا يشتركون في اللعبة الا بقدر ما يسمح الاستبداديون الذين فهموا اعماق اللاشعور الجمعي للشعوب ولعبوا بآمال الناس عبر ثنائيات، الامن والارهاب، الاستقرار والفوضى، الدين ومنكريه، الطائفة وخصومها، القومية واعدائها، وهي ثنائيات تبسط الخيار السياسي للمواطن، وتجعله يختار اهون الضررين بين خيارين احلاهما مر، والمواطن يتقبل هذا المر في غياب فكر وتنظيم ديمقراطي يطرح حلا ثالثا، يتجاوز المر الذي يكون اختياره انحيازا نهائيا وليس ضرورة مرحلية يمكن تغييرها فيما بعد، بتغير الحاجات والقناعات.
الاستبداد فكرا وتنظيما ليسا جريمة بالمعنى الاخلاقي والسياسي ولكنه طريق مشرع نحو بناء نظام اجرامي قد ينجح في اخفاء وجهه لفترة تطول او تقصر لكنه وجه لا بد من انكشافه يوما ما، وحينها لن يرحم أحدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت