الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى الخطط وغياب الهدف

سعد تركي

2010 / 12 / 22
الادارة و الاقتصاد


عملَ البنك المركزي، طوال أعوام مضت، على تثبيت سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار، في مسعى معلن يهدف إلى بث الاستقرار الذي غاب طويلاً عن الاقتصاد العراقي وامتصاص التضخم الفاحش في أسعار السلع والخدمات. وعلى الرغم من أن كثيراً من هذه الأهداف لم تتحقق، فقد تواصل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، إلا أن سعر صرف الدينار بقي ثابتاً إلى حد ما أمام الدولار.
منذ أشهر عديدة كان المركزي يعلن أنه وضع خطة لمعالجة التضخم المهول الذي ينهش جسد الاقتصاد عن طريق رفع أصفار من العملة. ومع أن هذه الخطة لاقت اعتراضات من بعض الخبراء الاقتصاديين إلا أن مستشاري البنك أصروا على الدعوة إليها والترويج لها باعتبارها حلاً مثالياً لمعالجة التضخم، خصوصاً وإن وزارة المالية أيدت هذه الخطة.
المفاجأة المدهشة لما سبق هي في إعلان المركزي يوم الاثنين 20/12 عن سعيه لإصدار عملة جديدة فئة مئة ألف دينار. الغريب إن هذا الإعلان عن هذا المسعى صدر عن نفس المسؤول الذي روج كثيراً لرفع الأصفار، ولا نعرف كيف يمكن التوفيق بين مسعيين ومنهجين وخطتين تتناقضان تماماً، فحيث يُراد ـ بحسب تصريحات المسؤولين الماليين من رفع أصفار من العملة ـ التأثير نفسياً في المواطن وإشعاره بقوة عملته وصولاً إلى امتصاص التضخم واستقرار أسعار السلع والخدمات، جاءت الخطة الثانية بديلاً مناقضاً تماماً سيؤدي حتماً إلى فقدان الثقة بقيمة العملة وزيادة التضخم بشكل كبير كما حصل أثناء سنوات الحصار الاقتصادي حين كان النظام السابق يعمد بين آونة وأخرى لإصدار فئات أعلى!!
يشير هذان التصريحان المتناقضان اللذان يصدران من نفس الجهة إلى غياب واضح في الرؤية وغياب لمنهج أو خطة وسياسة أو إستراتيجية عامة ينبغي السير عليها للوصول إلى الأهداف المتوخاة.. يثير هذان التصريحان خوفاً ورعباً مما سيكون الحال في سائر المؤسسات والوزارات الحكومية خصوصاً ونحن مقبلون على تشكيلة حكومية جديدة ووزراء ووكلاء ومديرين عامين جدد يختلفون عن سابقيهم في رؤاهم ومناهجهم وخلفياتهم السياسية.. يثير هذان التصريحان المتناقضان والمتعاكسان تماماً سؤالاً مريراً: هل سنشهد كل دورة انتخابية انقلابا تاماً في عمل كل وزارة ومؤسسة، بحيث أن كل واحدة ستجبّ ما قبلها وتلغي قراراتها وسياستها وبرامجها ومشاريعها؟
عمدت وزارة التربية خلال حكومة المالكي المنتهية إلى تغيير جميع المناهج المدرسية وأنفقت ملايين الدولارات على هذا التغيير، ومن المرجح أن الوزير الجديد في حكومة المالكي المقبلة سيعمد هو أيضاً إلى إلغاء هذه المناهج لاختلاف اللاحق عن السابق في الرؤية والمنهج والانتماء السياسي وسيصرف ملايين الدولارات أيضاً!! هذه وزارة واحدة فقط من بين أكثر من أربعين وزارة سيستبدل مسؤولها الأول، فهل يمكن تخيل حجم الأموال التي ستهدر؟، وقبل ذلك حجم التأخر والاضطراب الذي سينشأ؟
يفترض أن كل مسؤول يتسنم منصباً يسير على منهج واستراتيجية عامة فيضع لبنة أو لبنات ـ بحسب كفاءته ونشاطه ومقدرته ـ وعلى اللاحق أن يكمل ما بدأه السابق، لا أن يهدم ويبني شيئاً مختلفاً تماماً.. إلى أن نصل ذلك سيستمر نزيف الثروة والوقت والجهد، سنتوقف في مكاننا ـ في أفضل الأحوال ـ إن لم نتراجع خطوات كبيرة في كل شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة شي جينبينغ إلى فرنسا: تعاون اقتصادي مع باريس وبحث التو


.. إلى أي درجة يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تحمل تكاليف الحرب؟




.. هل يواجه الاقتصاد الإسرائيلي مخاطر الركود التضخمي؟ وما معنى


.. تعمير -هاني العسال وكيل غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة بعد