الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون السوريون وملابس الإمبرطور الجديدة

فراس المصري

2010 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تقول القصة المعروفة عن الإمبرطور الذي استعرض أمام الجماهير ملابسه الجديدة التي لاتستر شيئاً أنه لم يجرأ أحدعلى قول الحقيقة و هي أن الإمبرطور عريان سوى طفل برئ شجع الجموع الصامتة على التصريح بما تراه بأم أعينها. السكوت عن قول الحق و كشف الأخطاء يمكن أن يأخذ أبعاداً سريالية و مأساوية إذا تخلى المصلحون والمثقفون عن دورهم. و في ثقافتنا الإسلامية نجد قوله تعالى:"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون",والمقصود بالأمة هنا المصلحون و أهل الرأي والعلم. فالنخبة المثقفة تتحمل مسؤولية النهوض أو السقوط خاصة في المنعطفات المهمة والمراحل الحرجة في تاريخ الأمم, وقديماً كانت هذه النخبة تسير في كثير من الأحيان في ركاب النخبة الطبيعية من امراء وأعيان, ومنذ نشوء الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر بدأ المثقفون يستقلون عن النخبة الطبيعية ليندمجوا غالباً على شكل موظفين في مؤسسات الدولة.
وفي حين كانت أدوات الدولة ومهماتها محدودة قديماً, تضخمت هذه المهمات في الدولة الحديثة لتطال حياة الأفراد في جل تفاصيلها. وهذا الامر يحتم وجود دور فاعل للمثقفين و المفكرين و المؤسسات الأهلية والمعارضة السياسية للحد من السيطرة المطلقة للطبقة الحاكمة, وبدون هذا الدور تتراكم الأخطاء وتتفاقم المشكلات وينتهي مصير المجتمع والبلاد إلى هاوية سحيقة.
في الفترة الأخيرة من عمر الخلافة العثمانية وضع الشيخ عبدالرحمن الكواكبي يده على الداء الذي يردي بالمجتمعات والدول ألا وهو الاستبداد وكأنه يتنبأ بزوال الخلافة. وفي نفس الفترة اعتبر الشيخ رشيد رضا أن الإسلام يشكل سبيلاً لنهضة المجتمع وخير البشرية, ليكون بذلك الأب الروحي لدعوة الشيخ حسن البنا ومصطفى السباعي حيث مبدأ الحرية ركن من أركان هذه الدعوة.
وفي عهد الفرنسي نجد انخراطاً واسعاً للمفكرين والعلماء والزعماء المحليين في النضال من أجل استقلال سوريا. أما في الفترة التي أعقبت خروج المستعمر في نهاية الأربعينيات وفي الخمسينيات فنجد تبلور أفكار عن القومية العربية والاشتراكية ودور الإسلام سياسياً لدى المثقفين ونرى أن كل فريق أصبح يقدم مشروعه للمجتمع والدولة, ولكننا نلاحظ في نفس الوقت وعياً وإحساساً بالمسؤولية لإنجاح تجربة النظام البرلماني توج ذلك بوضع دستور يكفل الحريات الأساسية.
ولكن الضرة القاصمة التي مني بها النظام البرلماتي حصلت عندما أصيبت النخبة السياسية بغيبوبة في سياق الوحدة مع مصر وتخلي الأحزاب والقادة السياسيين عن دورهم بحل أحزابهم وإلغاء النظام البرلماني, وكأن دولة الوحدة تمثل نهاية المطاف و لا تستدعي معها وجود ديمقراطية أو حريات لحمايتها من الفردية الديكتاتورية والفساد.
ونتيجة لتسييس الجيش من خلال وجود ضباط لهم ولاءات حزبية أصبحت هذه الأحزاب وقادتها أسرى لتعطش هؤلاء الضباط للسلطة وتحينهم الفرصة للإنقضاض عليها, كما حصل في 8 آذار عام 1963 ليتسلم حزب البعث مقاليد الحكم ويعلن حالة الطوارئ.
وعندما يتسلم العسكر السلطة كما هو الحال بعد الحركة التصحيحية التي قام بها حافظ الأسد فإن الأفكار و المبادئ حول الوحدة والحرية والاشتراكية تصبح في مرتبة ثانوية مقارنة بأولوية الحفاظ على السلطة بواسطة أجهزة أمنية لا ترعى حرمة لحقوق الإنسان, وأصبح حزب البعث واجهة لحكم اسستبدادي عائلي يعتبر سوريا كلها مزرعة خاصة له يرتع فيها بلا حسيب ولا رقيب.
كانت الفكرة المركزية التي استولت على ذهن حافظ الأسد هي القضاء على النخبة المثقفة بتدجينها وتأميمها تماماً كما أممت وسائل الإعلام لأن القضاء على هذه النخبة يعني استفراده التام دون إزعاج من نقد أو رأي حر. ولم يتورع حافظ الأسد عن استخدام السجون والتصفية الجسدية لقمع المثقفين, وقد ترتب على غياب دور المثقفين الذين لا يسيرون في ركاب السلطة آثار كارثية على مجمل الأوضاع في سوريا.
وقد استغل حافظ الأسد صراعه الدموي مع الإخوان المسلمين للإجهاز النهائي على أصحاب الفكر وناشطي المجتمع المدني وخاصة بعد أن دعا قادة المجتمع المدني النظام إلى الإصلاح في مطلع الثمانينات.
أما الرئيس بشار الأسد فقد سار على نهج والده في قمع الرأي الآخر وإيداع دعاة الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان في السجون, بل امتد هذا القمع ليطال المدونين الشباب و كأن بشار الأسد يريد أن يقول أن لا مكان في سوريا للعقل والفكر الحر. وتضخمت في نفس الوقت فئة من المثقفين العلمانيين المتطرفين الذين يغردون بعيداً عن هموم الوطن و المواطن. كما انتعشت نزعات ماقبل الدولة الوطنية من مذهبية و قبلية و نمت ظواهر دينية إنعزالية لا تعير اهتماماً لقضايا الإنسان والمجتمع.
والآن بعد أن حول الاستبداد خلال عقود عديدة سوريا إلى بيت خرب سيسقط على رؤوس الجميع أما آن للمثقفين أن يقولوا كلمتهم في ملابس الإمبرطور الجديدة, أم أن عليهم أن ينتظروا طفلاً أو طفلة كالمدونة المعتقلة طل الملوحي لتفجر عودة الوعي و الحياة في عقولنا وإرادتنا.
د.فراس المصري
ناشط سوري - السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا لم تذكر أن العسكر تلقوا دعما خارجيا
مجبر الساعدي ( 2010 / 12 / 23 - 09:23 )
لماذا لم يذكر الكاتب بأن العسكر خططوا للقضاء على الحياة البرلمانية و استبعاد المتنويرين من تسيير دفة البلد سواءً منهم العلمانيين او الاسلاميين بمساعدة تخطيطية و تنظيمية من الخارج لانها وجدت فيهم ضالتها لابقاء البلاد و العباد تحت حكم هؤلاء المتسلطين العسكر اضافة الى وضع الناس تحت قوانين الطوارئ حتى اشعار اخر

اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال