الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حائط برلين لا يزال قائماً!

سعد هجرس

2010 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


منذ شهرين تقريبا، و بالتحديد في الثالث من أكتوبر الماضي، احتفلت ألمانيا بمرور عشرين عاماً على إعادة توحيد البلاد وسقوط حائط برلين الذي كان أكثر من "حائط" يقسم المدينة، بل كان في الحقيقة "رمزا" لتقسيم الدولة و الأمة، بل تقسيم أوروبا القارة الأوروبية بأسرها إلى "شرق" و"غرب".
لكن فرصة الاحتفال بالذكرى العشرين لهذا الحدث التاريخي جاءت مشوبة بقلق شديد لم يحاول الألمان دفن الرءوس أمامه فى الرمال أو التهوين من مخاطره.
حيث اكتشفوا أن حائط برلين الذي سقطت أحجاره منذ عشرين عاماً ما يزال قائماً بصورة أخرى ويقسم ألمانيا – حتى الآن - مهدداً " الاندماج" الوطني.
وهو الأمر الذى لم تحاول المستشارة الالمانية أنجيلا مركل إخفاءه بل اعترفت به بصراحة فى اجتماع أخير لحزبها المسيحي الديموقراطي قائلة دون لف أو دوران أن محاولة ألمانيا إقامة مجتمع متعدد الثقافات قد انتهت الى " إخفاق كامل و شامل" وأن "هذا النهج الثقافي التعددى – الذي يقضي ببساطة أن نعيش جنباً إلى جنب وأن نسعد ببعضنا البعض – قد فشل تماماً"
ولم تنبع اعترافات السيدة مركل من فراغ، بل إنها جاءت فى الحقيقة في أعقاب سلسلة من التصريحات و التعليقات و الكتابات المعادية للمهاجرين على لسان كتلة معتبرة من الساسة الألمان المنتمين إلى تيارات متعددة.
هذا الجدل المحتدم فى ألمانيا حول وضع المهاجرين ازداد سخونة منذ أغسطس الماضي، عندما صدر كتاب تيلو سارازن Thilo Sarrazin المدير التنفيذي للبنك المركزي الالمانى، والفكرة الرئيسية فى هذا الكتاب هى أن "ألمانيا تصبح أكثر غباء" بفضل المهاجرين المسلمين الجهلة والمفتقرين الى التعليم الجيد" والذين لا يضيفون شيئا إلى المجتمع الامانى والاقتصاد الالمانى سوى "بيع الخضروات و الفاكهة ". وأن هؤلاء المهاجرين.. و بالذات من الأتراك و العرب – سيصيبون ألمانيا بـ" الغباء" لو تركوا يتناسلون ويتكاثرون بالمعدلات الحالية التى ستجعلهم يشكلون أغلبية السكان بعد عدة سنوات حيث سيصبح 70% من سكان ألمانيا مكونا من هؤلاء المهاجرين فى غضون 120 عاماً حسب تقديره.
وليست المشكلة أن يوجد في ألمانيا شخص عنصري مثل سارازن، فوجود مثل هذا الشخص وارد في أي مجتمع، لكن المشكلة الحقيقية هي ان كتابه أصبح الأكثر مبيعاً فى طول البلاد و عرضها ووزع فى غضون أسابيع معدودات أكثر من مليون و 200 ألف نسخة و ما يزال محط إقبال شديد من القراء، الأمر الذي يعنى أن هناك قبولاً "شعبياً" للأفكار الواردة به وتهافتاً عليها. وهو ما يجعل محللين مهمين – مثل هيذر هورن heather horn - يتساءلون عما إذا كانت توجد بألمانيا أرض خصبة لنمو ذلك النوع من الأحزاب اليمينية الشعبوية التي تتغلغل بالفعل فى الفضاء السياسي بالعديد من البلدان الأوروبية مروجة لمثل هذه الأفكار "الداروينية الاجتماعية"، والتي كانت بدورها "ملهمة" للايديولوجية النازية من قبل.
و مع ذلك فأنه ما من أحد فى ألمانيا – بما فى ذلك "سارزان" نفسه – يدعو الى طرد المهاجرين من بلادهم. وعلى عكس فرنسا و النمسا يظل اليمين المتطرف فى ألمانيا هامشياً جدا فى الوقت الراهن، و لا تبدو أمامه فرص كبيرة للإزدهار فى المستقبل المنظور. لكن الكتلة الرئيسية من الساسة فى ألمانيا – مثلهم مثل نظرائهم في سائر أنحاء أوربا – لا تتورع عن مغازلة مشاعر معاداة المهاجرين" الأجانب" واستغلال مخاوف الأغلبية و بالذات في أوقات تصاعد الضغوط الاقتصادية واتساع نطاق موجة عاتية من الأنانية والاستعداد للوم الآخرين فيما يتعلق بتصاعد هذه الضغوط الاقتصادية في سائر أنحاء أوروبا.
و لذلك فان " التحالف الأخضر و الأحمر" – أي تحالف حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديموقراطي كان الأكثر دفاعاً على المهاجرين و الأكثر تعاطفاً معهم أثناء توليه الحكم، لكن التحالف المحافظ بقيادة الديموقراطيين المسيحيين الحاكم الآن لم ينزلق إلى الاتجاة المعاكس – رغم اختلافه عن التحالف الأحمر والأخضر بالطبع – و بالنتيجة ظلت ألمانيا – حتى هذه اللحظة- منفتحاً ومتفتح العقل إزاء استيعاب المهاجرين.
وليست المسألة مسألة عواطف أو أخلاق. بل إن هناك فى ألمانيا التى يبلغ تعداد سكانها نحو 82 مليون نسمة ما يقرب من 15 مليون شخص ينتمون إلى أسر المهاجرين، أى نجو 18% من إجمالى عدد السكان. وهذه نسبة كبيرة تفرض نفسها على جدول أعمال كل ألوان الطيف السياسى الألمانى، خاصة وأن دراسات اتحادات غرف الصناعة والتجارة ترجح أنه يمكن لألمانيا أن تعانى من نقص فى الأيدى العاملة يصل إلى ما لا يقل عن 6 مليون شخص عام 2030.
من هنا .. تدفع هذه الاعتبارات "الموضوعية" معظم التيارات السياسية والاجتماعية إلى الدفاع عن فكرة "الاندماج" الوطنى فى مواجهة "حائط برلين" الجديد الذى يحاول البعض الابقاء عليه وتقسيم الألمان مرة أخرى إلى "أصحاب بيت" و "غرباء".
وفى الحقيقة فإن ما يبعث على الاعجاب هو اعتراف الألمان بأن هناك مشكلة بهذا الصدد، وعدم دفن رءوسهم فى الرمال أمام هذه المشكلة أو تجاهلها أو التهوين منها.
وما يبعث على الاعجاب أيضاً أن ابتعاد الألمان عن ثقافة "الإنكار" هو جزء من سياسة عملية وجادة لا تكتفى بتشخيص المرض وإنما تتطلع إلى وضع خطة علمية للعلاج أيضاً.
وعلى هذا الطريق تم عقد "مؤتمر قمة" لأول مرة عام 2006 بناء على دعوة من المستشارة الفيدرالية. وكان الهدف الرئيسى من هذه "القمة" إعداد استراتيجية مشتركة. وعدم ترك هذا الهدف مطروحاً لأجل غير مسمى بل تم وضع جدول زمنى للانتهاء منه فى صيف 2007. وقد قامت المستشارة الألمانية بتقديم هذه الاستراتيجية بالفعل فى القمة الثانية للاندماج الوطنى التى عقدت فى يوليه 2007.
وتبلورت هذه الخطة الشاملة فى محورين:
الأول – "الحوار" مع المهاجرين.. مع التشديد على الحديث "معهم" وليس الحديث "عنهم".
الثانى – مطالبة كل طرف بالتزام محدد ليبدأ الجميع العمل يداً بيد على كافة المستويات السياسية والمجتمعية والحكومية الفيدرالية والاقليمية والمهاجرين والمؤسسات والمنظمات العلمية والاعلامية والثقافية والنقابية والصناعية والتجارية والدينية.
***
وكانت المسائل الأساسية التى استهدفتها خطة الاندماج الوطنى هى:
• تحسين مناهج الاندماج.
• تطوير تعليم اللغة الألمانية للجميع.
• ضمان تعليم جيد وتدريب مهنى متميز وتحسين فرص العمل للمهاجرين.
• تحسين الأوضاع المعيشية للنساء والبنات وتحقيق مساواة الجنسين.
• تعزيز الاندماج فى المجتمعات المحلية.
• تعزيز التنوع الثقافى.
• تعزيز الاندماج من خلال الرياضة.
• الاستفادة من تنوع وسائل الاعلام.
• تعزيز الاندماج من خلال التزام المجتمع المدنى والمشاركة المتكافئة.
• تشجيع العلم والانفتاح العقلى.
***
لكن بعد مرور من يقرب من ثلاث سنوات على تبنى هذه الخطة وتلك الأهداف.. تمخض الجبل الألمانى فولد "سارازن" بكل ما تحمله صفحات كتابه من ثقافة كراهية وعنصرية بغيضة.
فماذا حدث بعد هذه النتيجة المروعة؟!
للحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية