الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الاحتفاء بالشخصية في المجموعة القصصية- الأب دحمان- للقاص المغربي شكيب عبد الحميد
مصطفى لغتيري
2010 / 12 / 23الادب والفن
![](https://www.ahewar.org//debat/images/fpage/art/8.jpg)
يتفق معظم النقاد و المهتمين بالإبداع السردي أن ما يترسخ في الذهن بعد قراءة نص قصصي هو الشخصية ، و قليلة هي النصوص التي تولي اهتماما بالغا لهذا العنصر الهام في البناء القصصي ، فتأتي الشخصية - نتيجة لذلك- باهتة ، لا يمكن للمتلقي أن يتذكرها بعد انتهائه من قراءة النص الأدبي إلا كأشباح تتراقص دون ملامح واضحة ، ثم سرعان ما تعزب عن الذهن و كأنها و العدم سواء ، بيد أن كتابا بعينهم يجدون و يجتهدون في رسم شخصياتهم القصصية بكثير من التفاني و الصبر ، متأثرين في ذلك بالمدرسة الكلاسيكية ، التي وطدت دعائم الفني القصصي ، و خاصة مع الرواد كموباسان و تشيخوف و يوسف إدريس و غيرهم.. هؤلاء الكتاب الذين منحوا الشخصية أدوار محورية في إبداعاتهم القصصية ، و بقضل ذلك جاءت قوية و متألقة و فاعلة و ذات معنى. و هم بذلك قد ضمنوا لها الخلود في المخيلة الجمعية لمتلقي الأدب.
و من هؤلاء الكتاب القاص المغربي شكيب عبد الحميد ، الذي ما إن يقرأ المرء إحدى قصصه ، حتى تترسخ في الذهن شخصيته الرئيسية ، التي يكد الكاتب في رسمها بملاحها الجسدية و النفسية .. و مما يثيلر الانتباه في تعاطي شكيب عبد الحميد مع شخصياته أنه رسمها لا يأتي مباشرا و متكلفا ، و إنما يتخذ له بعدا متناميا ، يتطور عبر مساحات القص و التخييل ، و الشخصية عنده لا تقدم دفعة و احدة ، و إنما تتشكل بتأن و صبر ، و ينتهي رسمها بنهاية القصة ، فإذا هي حية تسعى ، ترى و تسمع و تتحرك في فضاء محدد ، تناقش و تدلي برأيها ، وتفرح و تحزن و كأنها شخصيات حقيقية.
و إذا كان الكاتب قد اختار أن يسم مجموعته ب"الأب دحمان " ، فإن هذا الاختيار غير بريء ، و هو يشي بالاهتمام الذي يوليه للشخصية ، فلا يمكن أن يمر هذا الاسم -أعني اسم الشخصية - مرور الكرام على القارئ ، و يترسخ هذا الاعتقاد أكثر عندما نطالع القصة التي تحمل هذا العنوان في طيات المجموعة و التي جاءت في الصفحة الرابعة و الأربعين ، فيقول السارد : " مستهل القرن العشرين و بالضبط في السنة الأولى منه أبصر النور ، صاح صيحته الأولى إيذانا بقدومه إلى هذا العالم من أم عراقية الأصل و أب دكالي من قبيلة الدحمانة بأولاد عزوز . عشت معه ثلاثين سنة من عمري . تربيت في كنفه . إذا رأيته رأيت رجلا ربعة القوام يميل إلى القصر ، ضخم البنية ، أسود البشرة ، غليظ الأنف كبير العين ، أصلع الرأس ، جهوري الصوت ، إذا مشى قصد في مشيته ، و إذا تحدث صدق " ص44.
و من المؤشرات الدالة التي تؤكد اهتمام الكاتب بالشخصية اختياره لعناوين القص التي تحمل أسماء شخصياتها و منها : العجوز ، و كازيمودو و الكاتب و بياتريس و الأب دحمان.
و ما أن أتيح لي الاطلاع على المجموعة القصصية "الأب دحمان "حتى علقت بذهني شخصيتان لم أستطع منهما فكاكا ، و هما شخصية الكاتب و شخصية العجوز.
ففي قصة "الكاتب " التي احتلت الصفحات 29 و 30 و 31 و 32 و 33 و 34 تهيمن على العقل و الوجدان شخصية ذلك الكاتب الذي يتقلب في جحيم الوحدة و المرض ، و هو يسترجع بأسف شريط ذكرياته ، و حين يمل من لعبة الذاكرة تعمد يده نحو خزانة كتبه ، يسحب كتابا " يطوي الصفحات طيا ن يدخل غمار السباق مع أجود الفرسان ، كافكا ، إيكو ، ابن المقفع ، أبو حيان التوحيدي ، بلزاك ، هوجو ، شاطوبريان ، زولا ، المتنبي ، نزار ، بودزاتي ، ساغان... يركض حتى العطش ، يستريح أمام الوحات الوارفة الظلال ، يعب الماء الزلال ، ثم يواصل الركض كمجنون فر من معزله ".ص 31.
كما تستولي على النفس تلك المتع الصغيرة التي يجنيها الكاتب من استقباله للأدباء الشباب ، فينتشي أيما انتشاء بقراءة أحدهم لنصوصه على مسمعه ، فيعبر لصاحب النص عن إعجابه بالنص ، لدرجة أنه يتمنى لو كان هو كاتب النص المقروء، بل و تساعد متعة النص في شفائه من أمراضه النفسية و العضوية ، التي كاد الأطباء ييأسون من علاجها.
قصة "العجوز " تأسرنا بتلك اللعبة السردية المحكمة التي ارتضاها الكاتب لبناء نصه و رسم شخصياته ، و تتمثل في توظيفه لفيلم يعرض على شاشة التلفاز ، كمعطى محوري في بناء القصة ، كما ينتقل السارد إلى خارج الغرفة بين لحظة و أخرى من خلال اتصاله بفتاة تطلب مساعدته في مذاكرة دروسها ، فضلا عن تواصله بالهاتف مع عشيقته ، لنجد أنفسنا في الأخير أمام تخييل مضاعف ، يخدم القصة بشكل بارع ، يقول السارد " يرشف . يتلذذ. الفيلم ابتدأ. أطفأ ضوء الغرفة ليركز أكثر. جميل أن يغمرك الظلام وجها لوجه مع النور المربع القادم من جهاز التلفاز ، قرر متابعة الفيلم لأنه معجب بصاحب الرواية المأخوذ عنها الشريط".
و تبقى في الأخير "الأب دحمان " من المجاميع القصصية المغربية الجديرة بالاحترام و التي تستحق المزيد من الاهتمام ، لما تقدمه للمتلقي من قص مؤسس على أصول الفن القصصي كما ترسخ في الذهن و الوجدان من خلال الاطلاع نصوص رواد الفن القصصي الناجح ، بعيدا عن الانبهار بالتقنييات السردية الجديدة التي غالبا ما تكون مقصودة لذاته عند الكثير من القصاصين ، دون أن تؤدي وظيفة عميقة في بناء القصة .
الأب دحمان- شكيب عبد الحميد- مؤسسة الديوان 2007 للنشر و التوزيع
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. «بوحه الصباح» رجع تاني.. «إبراهيم» جزار يبهر الزبائن والمارة
![](https://i4.ytimg.com/vi/7-Y46hcvDDQ/default.jpg)
.. مختار نوح يرجح وضع سيد قطب في خانة الأدباء بعيدا عن مساحات ا
![](https://i4.ytimg.com/vi/_OQna2JE-Jc/default.jpg)
.. -فيلم يحاكي الأفلام الأجنبية-.. ناقد فني يتحدث عن أهم ما يمي
![](https://i4.ytimg.com/vi/G0SiA3p5XS8/default.jpg)
.. بميزانية حوالي 12 مليون دولار.. الناقد الفني عمرو صحصاح يتحد
![](https://i4.ytimg.com/vi/GjgaRxwUozM/default.jpg)
.. ما رأيك في فيلم ولاد رزق 3؟.. الجمهور المصري يجيب
![](https://i4.ytimg.com/vi/NEQSMVXMVk0/default.jpg)