الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في فكر وسياسة المعارضة 1 - 4

بدر الدين شنن

2010 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تمهيــد :
------
من حق الكثيرين أن يكون لهم تحفظات .. وأكثر من تحفظات ، حول عدد من مضامين وممارسات المعارضة . لكن ذلك لايمنع ، بل ربما يستدعي ، اعتبار أن تجربة المعارضة في مختلف مراحلها ، تستحق أن تقرأ من جديد ، وأن يجري البحث في خلفياتها ، التي لعبت دوراً كبيراً في المآلات التي وصلت إليها ، إن فيما يتعلق بالخلفيات الاجتماعيية السياسية لمكوناتها ، أو في العلاقة مابين الفكر والسياسة في بنائها ، أو في ممارساتها فيما سمي ( داخل - خارج ) إبان حراكها . الأمر الذي يتطلب عند قراءتها ، عدم الاكتفاء بالسرد " التارخي " لنشأتها وسيرورتها .. التي امتدت على مدى عمر النظام ، من 8 آذار 1963 إلى الآن ، بل الدخول إلى أعماق هذه التجربة ، التي باتت بأمس الحاجة إلى إضاءتها ، للتمكن من الإجابة على سؤال المآلات البائسة ، ولفتح آفاق تغيير يضع حداً أبدياً للاستبداد والقهر والفقر ، ويوفر مقومات بناء نظام بديل مغاير ديمقراطي عادل يعمل لصالح المجتمع بعامة والطبقات الشعبية بخاصة . بمعنى ، بناء معارضة جديدة لها برنامجها الوطني الديمقراطي الاجتماعي العادل .. ولها جماهيرها الواسعة .. ولهـا المستقبل .

وما نقصده بالفكر هنا ، ليس هو أيديولوجيا تقولب الأشياء حسب معايير جامدة ، بل هو الفكر الإنساني العلمي المتجدد مع مستجدات احتياجات الحياة وإ شراقاتها الحضارية ، الذي يحدد الاتجاه الأكثر عدالة وإنسانية وعلمانية للحراك المعارض ، ويوفر مقومات الإمساك بالخيارات الأكثر بعداً عن كافة أشكال الاستبداد والاستغلال والقمع ، سواء السلطوية أو الاقتصادية أو المحددات الدينية المفوتة ، وهو توثيق علاقة ما نفكر به علمياً من خيارات بالسياسة الواجب اتباعها بقناعة ديمقراطية ، إن في حالة المعارضة الآن .. أو عند بناء النظام البديل غداً .. الذي نخطط له .. ونحلم به ..

بإيجاز شديد ، إن تجديد الكلام بالعمق حول المعارضة ، والبحث عن معارضة شعبية جديدة ، تسترشد بقوانين تطور المجتمع العلمية فكراً وسياسة وممارسة ، وتستنهض قوى الشعب الخلاقة على خلفية الالتزام الشفاف بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ليس ثرثة عبثية ، وإنما لما يشكله حضور معارضة وطنية ديمقراطية علمانية مطابقة لضرورة وا ستحقاقات اجتماعية سياسية ، من أهمية ، لإنقاذ البلاد من الحالة اللاعقلانية التي نكابد منها منذ نحو نصف قرن ، والتي تزداد تردياً ، في المجال الاقتصادي والمعيشي ، نحو الأسوأ ، وخاصة بعد أن أكدت تجربة المعارضة التقليدية ذاتها ، أنه ، ليس بالعرائض والتصريحات العالية النبرة ، والجولات الاعلامية والسياسية في الخارج ، وليس بعقد المؤتمرات والتحالفات النخبوية ، التي تعتمد على " أهواء ونزعات أهلية ونزوات وشائجية بديلاً للنضال الطبقي " ، وليس بطرح ديمقراطية وبيانات توافقية غيرمشروطة بمضامين وطنية واجتماعية ، وليس بإقامة الصلات الحقوقية الدولية وغيرها والرهان على دور وازن للخارج ، وعلى أحداث إقليمية لتعديل موازين الداخل لصالح المعارضة ، ليس بكل ذلك ا ستطاعت .. أو تستطيع معارضة في صراعها مع نظام شمولي ، مبني على قاعدة دستورية تكرس تفرده بالسلطة ، ويمتلك القوة العسكرية والأمنية المدعمة بحالة الطواريء والأحكام العرفية ، ويحتكر آليات السياسة والتعليم والثقافة والاعلام وكافة الهيئات التمثيلية ، ويقبض على أهم مستويات الاقتصاد ، ويصنع بدأب التشكيل الطبقي الاجتماعي الموائم لتوجهاته لخلق قاعدته الاجتماعية - السياسية المرتبطة به وباستدامته ، وبحوزته فوق ذلك ، إقليمياً ومحلياً ، مايساوم عليه ، ويغري به ، قوى الخارج ، ويبرهن به ، على أنه الطرف المطلق الصلاحية الضامن لمصالح هذه القوى ، ا ستطاعت .. أو تستطيع أن تحقق فوزاً على النظام المعارضة له ، وأن تحقق ما تطرحه من شعارات وأهداف .

وبناء على توافق التزامن مع التمايز ، الذي حدث موضوعياً ، إبان حراك المعارضة ، يمكن تقسيم ما نحن بصدده إلى أربع مراحل . ثلاث منها مرت في القرن الماضي وهي :
1 - مرحلة الستينات ( 1963 - 1970 )
2 - مرحلة السبعينات ( 1970 - 1980 )
3 - مرحلة الثمانينات والتسعينات ( 19980 - 2001 )
والمرحلة الرابعة مرت وماتزال تمر في القرن الحالي ( 2001 - إلى الآن )

مرحلة الستينات ( 1963 - 1970 )
-----------------------
في الشكل جاء انقلاب 8 آذار 1963 لإسقاط عهد " انفصال " سوريا عن مصر ، وإعادة الوحدة القومية بين البلدين . وفي المضمون جاء الانقلاب بشعارات " الوحدة والحرية والاشتراكية " ، تعبيراً عن ا ستمرارية التحولات الاجتماعية التي بدأت في عهد الوحدة مع مصر ، وتعبيراً عن " طموحات " العهد الجديد الاجتماعية السياسية . وإذا تجاوزنا ما يتعلق بالإجراءات الفاشلة أو التي أفشلت عودة الوحدة مع مصر ، فإن المضمون " الاجتماعي الطبقي " الذي عبرت عنه شعارات الانقلاب ، قد أحدث ارتباكاً سياسياً وأيديولوجياً لدى القوى السياسية عامة في البلاد ، لاسيما وأن صراعاً دموياً بين شركاء الانقلاب البعثيين والناصريين قد وتر الأجواء الأمنية وأثار الترقب الملتبس ، وأن نزعة العداء .. أو الحساسية الكيدية التاريخية بين البعثيين والشيوعيين ، وبعض الملاحقات الأمنية للشيوعيين ، أدت إلى تخوف الشيوعيين من العهد الجديد ، وإلى نزول الكثير من كوادر الحزب تحت الأرض .

على أنه بعد أن هدأت التوترات الرئيسية ، وا ستقر الأمر إلى حد كبير للعهد الجديد ، بدأت معطيات جديدة تبرز في المشهد السياسي . أهمها تبلور طرفي المشهد السياسي ونشوء معادلة ( نظام / معارضة ) .
ضمن طرف المعارضة ، كان هناك تيارات متعددة تحمل خلفيات متناقضة . كان الناصريون المبعدون عن السلطة الذين يحملون نفس شعارات النظام القومية والاشتراكية ، وخلافهم معه يدور فقط حول عودة الوحدة مع مصر . وكان أيضاً القوى الاسلامية ، التي رأت ، منذ تموز 1960، في قرارات عبد الناصر " الاشتراكية " خروجاً على الشريعة الاسلامية ، ورفضت حكم البعث الجديد لحيث أنه حزب " اشتراكي " علماني ، ولحيث أنه يؤسس لحكم ديكتاتوري . وكان أيضاً البرجوازية السورية ، التي أ سقط النظام الجديد عهدها المسمى ب " الانفصال " ، وهدد بإجراءاته المعلنة بقطع طريق سيطرتها على السوق والاقتصاد وقيادة الدولة .
أما الشيوعيون فقد أنهوا معارضتهم بعدما تم تعيين عضو من الحزب الشيوعي ( نجاح ساعاتي ) عضواً في المجلس الوطني ، وأنهوا مخاوفهم .. وما لبثوا بعد ( 23 شباط 1966 ) أن دخلوا في تحالف رمزي بوزير ( سميح عطية ) في الحكومة .

الملاحظ في مكونات المعارضة في الستينات من القرن الماضي ، أن " الأخوان المسلمين " هم وحدهم الذين كان لهم خلفية فكرية معارضة للنظام ، تتمحور حول الإجراءات " الاشتراكية ، التي يعلن النظام على السيرقدماً بها ، والتي تمثلت في حينه بمواصلة التأميم للشركات والملكيات الزراعية الكبيرة والنفط ، وتوسيع القطاع العام الانتاجي والخدمي . بينما الناصريون يفتقدون لأي خلفية فكرية في معارضتهم للنظام ، وذلك كما أ سلفنا لتبنيهم نفس الشعارات والمضامين الاجتماعية التي يعلنها النظام ، وهذا ما شكل الخلفية الأساس لإلتحاقهم بالنظام في بداية السبعينات . وإذا ما دققنا في طروحات المعارضة البرجوازية فإننا لانجد شيئاً يتصل بالفكر ، سوى اعتبار النظام البرجوازي السابق ، هو ما يجب ان يعود إلى البلا د . وعند احتدام الصراعات الداخلية ، تلطت البرجوازية خلف " الأخوان المسلمين وبعض الرموز الدينية ، التي أ شهرت عداءها للنظام ، وأهمها حركة الشيخ " مروان حديد " المسلحة بحماة عام 1964 ، ، الذي له علاقات وطيدة مع " الأخوان المسلمين " وحركة الشيخ " حبنكة " الاحتجاجية بدمشق عام 1968 . ولما وجدت " البرجوازية " ما يحقق مصالحها من خلال نظام جديد ، شاهدنا كيف رحبت واندمجت بسهولة انسيابية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد .. ورفعت لافتات في الأسواق الكبيرة والساحات كتبت عليها " ياحافظ احفظ حافظ "

مامفاده ، أن الصراع بين النظام والمعارضة ، كان يحمل مضامين متباينة متناقضة ، وذلك حسب الأهداف الاجتماعية - السياسية لهذا الفريق المعارض أو ذاك . فمن جهة الناصريين ومن ثم البعثيين " القوميين " الذين انقلب عليهم " الشباطيون 1966 " ، كان همهم المعارض قومياً ، لم يبرز عندهم أي عمل معارض للإجراءت الاجتماعية الجارية في العهد الشباطي ( 1966 - 1970 ) ، بل كان همهم كما أسلفنا عودة الوحدة مع مصر أو بناء وحدة مع العراق ، وكلا البلدين تحدث فيهما نفس الإجراءات الاجتماعية تقريباً .، أما من جهة البرجوازية و" الأخوان المسلمين " ، فإن معارضتهم للنظام تحمل مضموناً طبقياً اجتماعياً وإن لم يكن ذلك ظاهراً بصيغة مباشرة دائماً . على أن تشديد العداء من قبل مختلف قوى المعارضة آنذاك لإسقاط النظام ، الذي كان يقود مرحلة تحولات اجتماعية " تقدمية " ، وإن شابتها اللاديمقراطية في العلاقة مع الآخر ، يحمل مضموناً طبقياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .

وفي هذا السياق يأتي عدوان إسرائيل على سوريا في الخا مس من حزيران 1967 ، ليضيف عاملاً خطيراً في العملية الاجتماعية السياسية في البلاد . فعدوان حزيران 1967 ، لم يكن عدواناً صهيونياً توسعياً وحسب ، وإنما كان أيضاً لوقف نمو عوامل القوة في الدولة في كل من سوريا ومصر ، التي تتمثل في بناء قطاع اقتصادي تقوده الدولة ، وتسليح الجيش المتزايد بأ سلحة سوفييتية ، وانتهاج سياسة معادية للإمبريالية وشركاتها الاحتكارية العالمية ، وبناء المجتمع من خلال تحولات سياسية وعقيدية ذات معايير متزامنة مع ما يشابهها من تحولات عربية أخرى لاسيما في مصر ، تؤدي إلى قيام مشروع عربي يهدد جدياً المشروع الصهيوني في فلسطين .

ومن قال في حينه ، أن عدوان حزيران على سوريا كان يستهدف النظام " التقدمي " فيها قبل الأرض ، لم يكن بعيداً عن الصواب . فالتداعيات الداخلية التي تلت عدوان حزيران ، قد أكدت على ذلك . أولى هذه التداعيات هي انقسام الجيش والحزب ومراكز القوى المقررة في البلاد . وبدء هجوم يميني مكشوف على القطاع العام وعلى السلاح السوفييتي . وحدث الاشتباك السياسي داخل النظام ، بين تيار يدعو للقبول بقرار مجلس الأمن الدولي ( 242 / 1967 ) لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي ، وتيار يرفض القرار المذكور ويدو للكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية . ومنذ بدايات هذا الاشتباك لتحديد الخيارات الاستراتيجية المصيرية ، كان مستبطناً لدى تيار " إزالة آثار العدوان عبر القرار ( 242 ) ، الموقف العدائي من القطاع العام وكافة برامج التحولات الاجتماعية . وهذا ما سنجده يتجسد في مرحلة السبعينات على أرض الواقع لما تمكن هذا التيار من الاستحواذ على السلطة . وهذا ما أ سس لبروز فكر آخر في قيادة الحزب الحاكم ، وفي قيادة الدولة ، ولدى الحلفاء الذين انضووا تحت قيادة " الجبهة الوطنية التقدمية " لاحقاً أيضاً .

ومن أسف القول ، أن إسرائيل دخلت كلاعب هام في المتغيرات الاجتماعية في البلاد . فهي لم تؤثر في هذا الصدد ، من خلال الضغط لتوفير إنفاق عسكري هو فوق طاقة اقتصاد البلاد ويتجاوز مدى مساعدة الأصدقاء على حساب الإنفاق التنموي وحسب ، وإنما من خلال الضفط لترجيح فريق ضد آخر في الجيش والحزب والدولة .. ولترجيح تحولات اجتماعية مغايرة .

من أكبر نواقص النظام القاتلة السائد آنذاك ، هي ، قصوره الفكري ، الذي عجز عن الإحاطة بمقومات نظام " ثوري " جديد الذي كان يعلن بلسان رموزه وقادته عن عزمه على بنائه ، الأمر الذي كان يتطلب إشاعة الديمقراطية وإقامة تحالف وثيق مع كافة القوى التي تحمل طموحات مماثلة لما تضمنه برنامجه الاجتماعي السياسي . قابله للأسف قصور فكري لدى الشيوعيين في فهم حقيقة وطبيعة المرحلة ، وذلك بانحيازهم إلى وزير الدفاع ، على خلفية مزعومة هي إرضاء السوفييت ، الذين قيل أنهم يؤثرون التهدئة في الشرق الأوسط ، من خلال القبول بالقرار( 242 ) ودبلوماسية إزالة آثار العدوان ، متجاوزين المضامين الاجتماعية فيما حدث .. وفيما سيحدث .

وقد نهجت المعارضة المكونة حينئذ من الناصريين ( الاتحاد الاشتراكي - الوحدويون الاشتراكيون - الاشتراكيون العرب ) من جهة ، ومن " الأخوان المسلمين " وشرائح البرجوازية العريضة ، من جهة أخرى ، نهجت سياسة التواطؤ مع انقلاب الحركة التصحيحية ( 16 تشرين ثاني 1970 )، الذي قام به وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد ، والذي زج قيادته الحزبية في السجون ، وأدخل سوريا بمتاهة اجتماعية سياسية اقتصادية ، ووضع المجتمع بصورة أكثر إيلاماً وتشدداً تحت سطوة الأجهزة القمعية المسلحة بحالة الطواريء والأحكام العرفية .

ومن الجدير التأكيد عليه ، هو أن مرحلة الستينات من القرن الماضي ، كانت هي بانقلاباتها داخل النظام . إنقلاب البعثيين على الناصريين 1963 .. انقلاب ماسمي بيسار البعث ( 23 شباط 1966 ) على " القيادة اليمينية القومية " .. والعدوان الآسرائيلي عام 1967 .. وانقلاب الحركة التصحيحية 1970 ، كانت هي التي أ سست فكرياً وسياسياً للمراحل اللاحقة في سيرورة العملية الاجتماعية السياسية في البلاد ، وفي بنية ومضامين جدلية ( نظام / معارضة ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان