الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفحات من عطر الشيوعيات

غسان عصام

2010 / 12 / 25
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في 11 من نونبر المنصرم تكون قد مرت 33 سنة على إستشهاد الرفيقة الغالية والشيوعية البطلة، نبراس المناضلين والثوار في المغرب وفي العالم، ورمز المرأة المغربية.
تلك المرأة التي كانت تفيض ثورية وقوة وحبا في نفس الوقت، ذلك القنديل الذي أنار دروب السجن وتحدى سوط الجلاد وقهر آلهة الظلم والإستغلال، سعيدة التي رفضت الظلم والإضطهاد، سعيدة التي قالت لنا :
" تذكروني بفرح فأنا وان كان جسدي بين القضبان الموحشة فان روحي العاتية مخترقة لأسوار السجن العالية وبواباته الموصدة وأصفاده وسياط الجلادين الذين أهدوني إلى الموت. أما جراحي فباسمة، محلقة بحرية، بحب متناه، تضحية فريدة، وبذل مستميت... ".

إن هذه الأسطر هي جزء من رسالة خطتها سعيدة في غياهب السجن وتحث لهيب سوط الجلاد، وكانت تستمد قوتها من حبها للوطن وللإنسان وللإنسان الذي أحبته " عزيز العرايشي "، سعيدة وإن اغتيلت قبل الأوان، إلا أنها ظلت رمزا للحياة النابعة من الموت ... هي سعيدة المنبهي أو التضحية الخالدة.
تؤرخ سعيدة المنبهي عبر أشعارها و رسائلها لذا كرة المضطهدين، لذاكرة السجن والسجان و آلهة القهر والموت. تؤرخ سعيدة في قصائدها دروب الآلام والأمل في غد مشرق غد الوطن الحر.

إن كتابات سعيدة كانت تحكي كل مشهد من حياة هذه البطلة بدءا من الاختطاف في مساء أحد الأيام من شهر يناير حين داهم بيتها البوليس الذين كانت سعيدة تنعثهما بالوحشيين السود، إلى معتقلات التعذيب، إلى المحاكمات الصورية، إلى الحياة/ الموت بين جدران السجن القاسية.
وللنظر إلى هذه الرفيقة/الفنانة التي لم يؤلمها إعتقالها وتعذيبها بل تألمت كذلك إلى حال كرسيها الذي لم يسلم من بطش الوحشيين السود، وربما نلمس إحساسها هذا في أحد قصائدها وهي تخاطب حبيبها:
الوحشان الأسودان
عذبا كثيرا كرسينا
حيث أنت وانأ
كثيرا ما جلسنا
أتذكر؟
كنت تناديني جميلتي
ونبدأ عملنا
وقراءة الجريدة

إن للحب حضور لافت على مدار القصائد والرسائل , فبه قاومت وتماسكت إلى أن رحلت. فحبها لكل أفراد عائلتها، كان متفجرا في الرسائل وتفاصيل أحاديث هذه الرسائل. ولا ننكر أن دور العائلة جلي في مد جسور الرسالة، الشيء الوحيد الذي يصبر المعتقلين ويشد أزرهم، هذه السجينة / الحرة ذات القلب الوارف قاومت غلظة السجن بحبها لحبيبها، وأقسمت بمشاعرها في كل أشعارها أنها مواصلة المعركة حتى" يحيى الإنسان ويموت الوحش"- كما قالت-. كل هذه التضحية لأنها أحبت وطنها حبا اعتبرت الموت لأجله واجبا مقدسا لا يقل عن حبها لوالدتها , تقول لامها في إحدى القصائد :
أماه لقد أنجبتني
وكذا وطني
ولا نقاده
أنا عنك بعيدة
أنا سجينة

لقد كان عشقها للام والوطن والغد الجميل وافرا وارفا، فبه أقدمت بجسارة، إذ لم تتورع عن مجابهة جلاديها، وهي ولم تتردد هنيهة عن إعلان عقيدتها الماركسية- اللينينية في تحد وإيمان راسخين، وهي قيمة لا نلامسها إلا عند أولئك الذين مزجوا دمهم بعقيدتهم. سعيدة التي لم تتاجر بعقيدتها بل آمنت بها كمنهاج لتغيير أوضاع المجتمع، ولإحداث الثورة على النظام الرجعي القائم بالمغرب.

ولعل هذا الإيمان ما نلمسه في إحدى قصائدها حيث تقول:

في بيتنا , أتذكر
كنا نستنشق المستقبل الأمر
نحلم به
نناضل من اجله
قاوم , واصل المعركة
قاوم و إلى الأبد
لأجل الفلاح والعامل
لأجل حب الوطن

سعيدة التي لم تتوانى في الدفاع عن هوتها و تشهر عقيدتها وتصر عليها , تتشبث بها حتى الموت، فتقول بتحد وإيمان مطلق:
" سأموت ماركسية- لينينية "
تقسم سعيدة أمام السوط والجلاد والموت أنها مواصلة النضال , وأنها لن تتنازل عن حلمها وحلم رفاقها وحلم كل الأخيار وكل الثوار، حلما بوطن حر ومجتمع إنساني عادل، وتعلن عن عزمها وصمودها في أحد قصائدها الرائعة:
لن نتنازل
ولو تحت الأرض
سنشق طريقا صوب
النور
ففي القلب زروال
إن سعيدة رحال و زروال... ورفاقهم بذلوا ذواتهم من اجل الآخرين من اجل الشعب المغربي فنضالهم، وتحملهم التعذيب، وإضرابهم عن الطعام رحيلهم قبل الأوان هو رمز للحب الصادق للوطن القاد.
وهاهي البطلة الخالدة التي يقف لها الكل إجلالا وإحتراما تآزر رفيقاتها في السجن بكلمات التحدي والصمود فتقول لهم في إحدى قصائدها :
لا تبكي يا رفيقة
لا تذرفي الدموع
على وجهك الشاحب.
غدا يا رفيقة
سنرى أبعد
صوب الأفق،
صوب الشمس المولودة.
عذابك
بأحشائي استشعره،
وقلبي يتمزق.
قاومي يا رفيقة،
يا رفيقة المعركة
فالجبل في انتظارنا
وكل الثوار
وكل الأبرياء
وكل الذين يريدون
إشهار المواجهة

ولم تهتم سعيدة بآلام الأم و الرفيقة فقط، بل تعدى إهتمامها ليشمل كل النساء حتى " العاهرات " التي سمتهم في إحدى قصائدها " بفتيات اللذة"، فهي لم تحتقرهن بل كانت تحترمهن كما باقي النساء المناضلات، حيت اعتبرتهن نساء مضطهدات على مستويين أولا من محيطهن والرجال المستغلين لأجسادهن، وثانيا من قبل النظام السياسي الذي ألقى بالمجتمع في أحضان البؤس والفقر و بالتالي من الطبيعي أن تكون هناك دعارة، مادامت هناك أزمة سياسية واقتصادية وأخلاقية أي أزمة اجتماعية على كافة الأصعدة، ومادام هناك مجتمع مأزوم إلا وتفجرت جميع مظاهر الخلل الاجتماعي والاستغلال بصوره كافة (الاستغلال الطبقي، استغلال الثروات من فبل القلة القليلة، استغلال جهد البائسين، وكذلك الاستغلال الجسدي الذي تعاني منه المرأة.

إن تفكير سعيدة لم يكن يشمل الجيل الحالي وفقط، بل تعداه إلى الأجيال القادمة وربما ذلك كان يتجلى في رسائلها إلى "فدوى" إبنت أختها "خديجة" تحدثها عن السجن وعن نزلائه، الذين ليسوا دائما مجرمين بل سجناء أحرار رفضوا تزيين جرائم النظام والانخراط فيها فزج بهم في السجن لأنهم أرادوا سطوع شمس وطن جميل، تقو ل في إحدى قصائدها الموجهة للطفولة في صورة "فدوى".

صغيرتي
ربما حدثتك المعلمة
عن السجن المريب
عن دور الإصلاح
حيث نضع الأشرار
الذين يسرقون الأطفال
ولكن براسك الصغيرة يدور سؤال
كيف ولماذا
أنا الممتلئة حبا لك ولباقي
الأطفال
موجودة هناك
لأني أريد في الغد
ألا يكون سجن هناك
وتضيف في قصيدة أخرى :
سبق ان شرحت لك
يا صغيرتي
-ليس كما شرحت لك ذلك المعلمة-
انهم لا يضعون في السجن اللصوص فقط
انهم يسجنون ايضا الذين يرفضون
الرشوة
السرقة والعهارة
اؤلائك الذين يصرخون
كي تصبح الارض لمن يحرثونها
اولائك الذين يصهرون الفولاذ
ليصنعوا منه السكة..والمحراث الذي سيشق الارض
حيث يزرع الحب لاطعام كل الاطفال..
لقد التقيت(هنا) ايضا
بانسانة طاعنة في السن
انهكها البؤس
هذه المرأة الامية
ذات اليدين الشاحبتين الموشومتين
كانت تغزل الصوف
وتبصق حقدها الدفين
في وجه من ارغموها على هجر "براكتها"
االتي اشترتها بدمها
في حي"مبروك" القصديري
كانت تقاسيمها محفورة بالغضب
لانهم حكموا عليها بسنة
كانت مجبرة على قضائها في السجن
دون ان تدرك السبب

إن سعيدة وزروال ورحال وكل الشهداء الذين جعلوا من أرواحهم ومن أجسادهم جسورا نعبر بها نحن الماضون في طريقهم وعلى دربهم إلى الوطن المنشود الوطن الشيوعي، هم أحرار كما البحر لا ينضبون، وكما قال شارل بودلير في قصيدة "الإنسان والبحر" :
أيها الإنسان الحر، ستعز دوما البحر
البحر مرآتك عبرها تتأمل روحك
يعجبك الغوص في أعماق صورتك
تقبلها بعينيك وساعديك
أنتما الاثنان عاصفان وكتومان
وعلى مدار القرون التي لا تحصى
تحاربان بلا رحمة ولا ندم
فكم تحبان المعركة والموت
إن سعيدة كانت تذرك أنها لن تعود بعد موتها، بل ستموت وتوارى التراب ولكنها كانت تذرك أنها ستبقى خالدة إسما وتضحية في قلوب وعقول رفاقها وكل الأحرار فوق الأرض وتحثها.
رفاقي ورفيقاتي دعونا نسمع لحفيف قلم سعيدة وهو يخط على ورقة داخل السجن وأمام رهيب الجلاد فيبدع لنا أروع الأشعار الثورية :
وأنا قبل أن أغادر
نظرت إلى الجدران
لوحاتنا
تترنح على الأرض
تتعذب لأجل الشهيد
لرؤيتها رحيلنا
فلربما لن نعود
أما أنا فقد أقسمت
أن أواصل المعركة
من دا الذي يخون العهد من بعدك يا رفيقة سوى نذل وجبان، سوى فاقد للإنسانية، ولحب الوطن.
فلتحيا سعيدة وزروال و رحال وشباضة والمعطي والحسناوي وزبيدة وعبد الرزاق... في ذاكرة الاحرار..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احييك
هاجر المغربي ( 2010 / 12 / 25 - 16:12 )
تحية لك رفيق على هدا العمل قرات بعض ابداعاتك واعجبتني


2 - نحن لا نبكي شهدائنا....وإنما نغني لهم
سلام شاوي ( 2010 / 12 / 25 - 16:26 )
كان الشيوعيون مشروع شهادة وثقافة وبناء ، لم تتورع قوى الظلام والتخلف والرجعية في ملاحقة الشيوعيين قتلا واعتقالا وتعذيبا ، هذا الظلام تملكه الخوف من وميض فكرة كانت نوراٌ في هذا الظلام المتوارث الكئيب . تحية لكل الشهداء الشيوعيين الذين سطروا اروع سطور من البطولة والتضحية من فهد الى حازم الى شهدي عطية الى فرج الله الحلو الى محجوب الى مهدي عامل ، وجميلا ان نتذكر شهدائنا ...ونغني لهم


3 - المعركة مستمرة
فهد محمود ( 2010 / 12 / 25 - 23:41 )
الشيوعي لن يموت طالما المعركة مستمرة وطالما اقسمت الشهيدة سعيدة بانها ستواصل المعركة كقريناتها واقرانها , المجد لذكراها .

اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا