الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان إذ يصبح رقما

أحمد عدلي أحمد

2004 / 9 / 25
حقوق الانسان


المستمع إلى نشرات الأخبار في القنوات الإخبارية ، والقارئ لمانشيتات الصحف يلاحظ ذلك الاختزال المخجل للبشر في هيئة رؤوس يتم تعدادها كقتلى أو مصابين في الصراعات المحلية والعالمية فمثلا يقولون :
• استشهاد 13 فلسطينيا في هجوم إسرائيلي
• مقتل 7 جنود أمريكيين في كمين
• مقتل ما يقرب من 400 شخص في عملية اختطاف رهائن في أوسيتيا الشمالية
لا يلتفت المستمع والقارئ لهذه الأحداث باعتبارها مآس إنسانية { فهؤلاء القتلى خرجوا صباحا تاركين أبناءهم ينتظرون عودتهم ، أو حملوا عبر البحار تاركين ذويهم يترقبون أخبارهم ، أو انطلقوا إلى مدارسهم بعد أن طبعوا قبلة الوداع على جبين أمهاتهم } بل يعتبرها سطرا في صراع سياسي ، وتراه يستجيب بالفرح أو الحزن فقط بناء على مواقفه السياسية ، فهو يفرح لموت عدد من الأشخاص لا يعرفهم ، ولكنه يعتبرهم أعداء رغم أنه لو التقى بهم لربما صاروا أصدقاء ، ويحزن لموت آخرين يعتبرهم إخوة وقد يكونون من أعدى أعدائه لو قدر له التعامل معهم
الإعلام الأيدلوجي يصنف البشر إلى عدو وصديق .....فاضل ومجرم بالجملة ،فأن تكون عربيا فهذا يعني أنك عدو للإسرائيلي ديفيد إليعازر الذي يعمل نجارا ويعيش في حي متوسط من أحياء تل أبيب دون أن تلتقي بالسيد شمعون هذا ، ودون أن تعرف أصلا بمشاركته لك الحياة فوق سطح هذا الكوكب ،وبالمثل فإن اليهودي المتطرف يعتبر السيد "أحمد آل سعدة" الذي يعمل بالتجارة ويعيش في جدة عدوا دون أن يعرف بوجوده كذلك، فأيدلوجية الصراعات تنزع عن الإنسان إنسانيته .....تعتبره جزء من فكرة ...جزء من جماعة معادية يجب أن يموت حتى ينقص عددها واحدا وتصبح أضعف ، وفي سبيل هذه الغاية يحول الإعلام الأيدلوجي البشر إلى أرقام ؛ موت 13 شخص...400 ...ألف من الجماعة المعادية أمر يفرح ، وموت عدد من الجماعة الصديقة أمر يحزن ، ويؤجج مشاعر الانتقام.
الاستثناء الوحيد يحدث في حالة الاغتيالات حيث يتم التركيز على الزعامة المغتالة في العناوين:
• اغتيال الشيخ أحمد ياسين و عدد من رفاقه
المهم هو الشيخ ياسين ،أما الباقي فهم مجرد عدد لم يهتم قاتلوا ياسين بسقوطه ، ولا الرأي العام والإعلام العربي بهم على الأقل بالقدر الذي يجعله يذكر أسماءهم ، فالمصاب بموت ياسين أعظم من أن ينشغل الفكر بغيره
قد تكون حياة الزعيم عامرة ،وهامة {على الأقل من وجهة نظر أنصاره } ، ولكن حياة المواطن العادي لا تعتبر كذلك ، فليس له أنصار و حياته تافهة لا تجاوز الذهاب إلى العمل والعودة منه ، والتهام الطعام والتغوط والجنس ، وغير ذلك من تافه الأمور التي لا تشغل الأيدولوجيا ولا أصحاب الكلمات الكبيرة.، ولكنها بالطبع هامة بالنسبة لأولئك الذين كانت حياة ذلك الشخص تمثل دعما ماديا ومعنويا لهم ، والأهم أنها كانت هامة من وجهة نظره هو ، وقد آن الأوان لأن يسترد الإنسان اعتباره ككائن بشري فرد لا كرقم في تعداد .إن ذلك جزء أساسي من حقوق الإنسان ...أن ينظر له ككائن متفرد ، كحالة متفردة تندمج في واقع اجتماعي ما ، ولكنه ليس حجرا في جدار كبير.
إن هذا هو الأمل الوحيد لإنتاج خطاب إنساني يسمح بحل الصراعات لا رهنها بشعارات أيدلوجية مشوهة للوعي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم