الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيدة النثر من اين؟! والى اين؟؟!!

شاكر الخياط
كاتب ناقد وشاعر

(Shakir Al Khaiatt)

2010 / 12 / 25
الادب والفن


عرف الشعر في العربية منذ انبثاق اللغة واول الناطقين بها..وكلما مرت العصور ازدادت هذه اللغة ترسخا ورصانة حتى قوي عودها وتعمق جذرها ضاربة في اعماق الارض الصلبة التي تقف عليها اكثر فاكثر الى ان وصلت الى ما استقرت عليه.. لكل لغة روح وروح اللغة هي الشعر..وهذا متفق عليه اذ هو قاسم مشترك لكل الاقوام والشعوب اضافة الى فنون لغوية اخرى تختلف في مدى الاهتمام بها من لغة الى اخرى..الذي اريد هنا ان اسلط الضوء عليه هو الفرق بين النثر والشعر وان لايتجاوز احدهما على الاخر لانهما محكومين بنظامين مختلفين بينهما فوارق..وليس هناك من مرتبة يعتلي بها احدهما على الاخر..انما يفضل اللون بناءا على مدى اتقان صاحب هذا اللون لمفردات هي اسس وثوابت لايمكن الحياد عنها سواءا في الشعر او النثر..ولست ضد او مع احدهما فهما فنّان قائمان بحد ذاتهما وهما كيانان يحظى كل واحد منهما بما يحظى به الاخر دون تمييز او انتقاص.. وانا وكثيرون ممن يعنيهم الشان الادبي يناوبون في اجادتهم بين النثر تارة والشعر تارة اخرى، دون القفز على مباديء اي منهما..
الشعر في اللغة تحكمه قواعد يعرفها الكل في جانب منها ومنها ما لايعرفه الا ذوي الشان والذي يعد في جانب اخر اشبه بالاختصاص ان لم يكن هو الاختصاص بعينه.. واحد من تلك الانظمة والقوانين والقواعد والذي لا يختلف عليه اثنان، ان مايكتب من شعر محكوم بشكل يدعى ( قصيدة ) والقصيدة تلك محكومة باشكال اخرى هي البيت والذي يتكون من صدر وعجز،والوزن وهو مايخضع لعلم العروض الذي اوجده الخليل بن احمد الفراهيدي منظما فيه ماكتب العرب في شكل تفعيلات وبحور اجملها ذلك اللغوي العظيم بستة عشر بحرا لكل منها تفعيلاته الخاصة به والتي يختلف فيها عن البحر الاخر بما يحتويه من عدد تفعيلات وزحافات وجوازات الى ما شاكل ذلك..والقافية وهي بلا شك ،وكما يقول الرصافي في كتابه ( الادب الرفيع في ميزان الشعر وقوافيه) وابن رشيق في كتاب ( العمدة ) شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر، ولا يسمى شعرا حتى يكون له وزن وقافية، هذا على راي من راى ان الشعر ماجاوز بيتا واتفقت اوزانه وقوافيه، ولما كان الشعر قد وجد في الاصل للغناء اي للتلحين واللحن فيه نقرات موسيقية او نغمات متكررة، كان من الضروري وجود مثل هذه النقرات في الشعر، وما هذه النقرات سوى القوافي المتكررة، فوجود القافية ضروري لوجود شعر دقيق في تكوينه الموسيقي، لذلك بوسعنا ان نعتبر الشعر العربي ادق اشعار الدنيا من حيث الروعة الموسيقية، لما يلتزمه الشاعر من قواعد في اجزاء القافية فضلا عن تفاعيل البحر الذي ينظم فيه وهو ما لاتجده في عروض كثير من اللغات الاخرى.
وللقصيدة انواع وتعاريف على ان الاغلب الاعم هو ماتناقلته العرب وماورد الينا من الخبر ان القصيدة تصبح قصيدة بعد ان تجتاز البيت الخامس او السادس او السابع في عدد الابيات وشكل القصائد وطريقة نظمها عديدة ومنها المزدوج، المربعات(دوبيت)، المربعات الاعتيادية( الرباعيات)، المخمسات، المسمطات، والبند والموشح وهو انواع كذلك.. وهذان النوعان الاخيران(البند والموشح) هما من فتح الباب على حالات التخلص او التحرر قليلا من قوالب القريض التي ذكرنا اجزاء منها لكن الاساس في هذا التطور كان مستندا استنادا وثيقا الى ماجاء به الفراهيدي مع كل ما ابدع هؤلاء المحدثون الذين كان جلهم او كلهم يجيدون فن القريض ولا مناص عن ذلك.. وخير مثال امامنا جلي واضح لايمكن الزوغان عنه او انكاره ما جاء به العملاق بدر شاكر السياب من فن جميل وابداع برهافة حس وسلاسة انغام وايقاعات محافظا في هذا الفن الجميل الذي اسماه ( الشعر الحر ) على مادرسه من ابداعات الخليل، وما كان للسياب ان ينحى هذا المنحى ويخترع لنا هذه الرحبة الواسعة من حرية الابداع هو واخرون قبله حاولوا مثلما حاول هو لولا انه اتقن هذا الفن من قبل ونحن قد قرانا للسياب قصائد جميلة من الشعر العربي ( القريض )..
الموضوع يكمن هنا، وفي الحقيقة هذا ما اردت ان اناقشه في هذا المقال واتمنى على المعنيين رفدنا بارائهم تعضيدا وتواصلا خدمة للادب والفن العربي الذي نحن جزء منه..بما اننا نعرف ان القصيدة هي من الشعر وصلب بنائه..والنثر فن اخر قائم بذاته منفصل في حيثياته عن الشعر اي ان الجوازات في الضرورات الشعرية اعطيت للشاعر ولم تعط للناثر، والنثر لايقترب من الشعربشيء، والا لماذا نقول ( مايجوز للشاعر ولا يجوز للناثر)؟ اذن هناك فرق مضاف الى جملة فروق اساسية في البناء والصياغة وما الى ذلك..
ما يسمى ( قصيدة النثر) لست متقاطعا مع من يكتب هذا النوع من الكتابات الا ان الملاحظة التي اريد ان اسوقها للبحث هنا كيف اجتمع النقيضان وعلى رؤوس الاشهاد، وكيف يطالب مثقفون يدعون الخبرة في الادب والفن او حتى كيف يقبلون بالاستمرار في تسمية ما يكتب على هذا النمط بالشعر؟! ان كانت الفوارق بين النثر والشعر فيما يحمله كل منهما معروفة ونحن الكل يقر بهذا، فكيف نجمع بين الشعر والنثر في ( قصيدة النثر ) في شكل واحد؟ اليس من الاجدر ان نعود بالتسمية الى مااصطلح عليه قديما لهكذا نوع بتسمية جميلة ليس فيها لبس ولا تنازل او قصور ولا حتى ابتعاد عن الادب لان هذا شكل وطراز ونوع وذاك كذلك شكل وطراز ونوع ولكل ادبياته وما يحكمه على انفصال لكنهما يصبان في بحر واحد ومصب واحد هو الادب؟ لقد تعارف القدماء من العرب على تسمية ما نحن بصدده ( النثر الايقاعي ) او ما يعرف لدى الانكليز بنفس التسمية
وهو لم يكن حكرا على العرب (للاشارة فقط)..
انما ارسطو هو الذي قد اكتشفه قبل اي باحث سواه وذكره في الكتاب الثالث من مؤلفه الخالد ( الخطابة ) وعدّه هو والبند نوع من ( النثر الايقاعي ) المتطور الذي هو اقرب الى الشعر منه الى النثر ذاته...
وقد درس اللاتين هذا الضرب من النثر كما درسه الاغريق وكان نتاج دراستهم انهم وجدوا ان التفعيلة التي تسيطر على خطب (شيشرون) هي (– ب - - ب)" فاعلاتان " وهي التفعيلة التي كثيرا ما نجدها في خطب الامام علي مما يدل على ان هناك وجه شبه ايقاعي بين خطيب روما وخطيب المسلمين..
يقول ارسطو في الفصل الثامن من الكتاب الثالث من مؤلفه الموسوم ( الخطابة ) وتحت عنوان " تركيب الاسلوب ":
(- يجب ان لا يكون تركيب الاسلوب موزونا ولا خاليا من الايقاع بالمرة، فاذا كان الاول اعوزه قوة الاقناع بسبب مظهره الاصطناعي وصرفه اذهان الجمهور المستمع عن الموضوع بتركيز انتباهه على تكرر "الهبوط" الصوتي المتماثل، فيتوقع عودته كما يتوقع المتلقي بناءا على سجية مايمتلك وما كوّن من فكرة ايقاعية عن القصيدة ، وعلى العكس من ذلك اذا كان الانشاء خاليا من الايقاع تماما لم يعد له تحديد، في حين انه ينبغي ان يكون محدودا بالتاكيد، وان لم يكن بالبحور والاوزان، لان ماهو غير محدود غير مستساغ ولا يمكن معرفته..
ومهما يكن من امر فنحن نرحب بكل حركة تجديدية في العروض على ان توضع لها قواعد وقوانين وعلى ان لا يتصور كل ناشيء يريد ان يكون شاعرا انه فوق القواعد العروضية والقوانين. وهذا التساهل ادى الى ظهور هذه الحركة التي تدعى ( حركة قصيدة النثر ) وانها ليست بقصيدة ولا نثر وانما هي سمادير وهذرمات تقرؤها فتجدها كلمات مرصوفة لاتخرج منها بطائل ابدا.. واني لاتحدى اي شخص يقول بانه يستطيع ان يعبر بالنثر الشعري او قصيدة النثر مالايمكن التعبير عنه بالشعر العمودي او بالشعر الحر وبشكل اروع واقوى ، او انه يستطيع ان يستشهد من الذاكرة ببعض منظومات (قصيدة النثر) على نحو مانستشهد نحن بالشعر العمودي او بالشعر الحر بالوصف والحكمة والغزل والرثاء والوجدانيات....وينال استحسانا!
وليس وجود مايماثل موضوع البحث في اللغات الاوربية مبررا كافيا لنقله الى العربية، فلكل لغة مزاجها الخاص بها وعبقريتها الخاصة بها التي لايمكن الخروج عليها، فالكثير من المستشرقين ان لم يكن كلهم لا يستسيغون الشعر العربي ذا الشطرين ولا يتذوقونه اطلاقا، وقد طلب فريق منهم من كثير من فحولنا وعمالقة ادبنا ومنهم الاستاذ الدكتور صفاء خلوصي ان يكتب بحوثا يبين فيها للاوربيين ولا سيما الانكليز منهم كيف يتذوقون الشعر العربي العمودي، وقد اجابهم في حينه ان تذوق اي لون من الوان الشعر كتذوق الوان الموسيقى المختلفة، فالاذن العربية تتطلب زمنا طويلا لتعتاد ضربات الموسيقى الغربية ونقراتها كما ان الاذن الاوروبية التي اعتادت سماع السيمفونيات لا تتذوق سماع المقامات العربية مباشرة حين ادائها مثلا..وقد حاول مستشرقون امثال اللورد تنيسون في نقل البحور العربية ولا سيما البحر الطويل الى العروض الانكليزي لكنه اخفق..
وخلاصة القول انني لست متقاطعا مع من يكتب ما يريد وليس لي سلطان على احد انما سلطاني على نفسي فقط في هذا الخصوص واتمنى ان يكتب الاخرون مايشاؤون الا ان الاعتراض المثبت لدي والذي لايمكن ان يقبل من المعنيين بالادب العربي والمتبحرين في فنونه هو التسمية ( قصيدة النثر ) لانها تفضي الى حقيقة لاجدال فيها وهي احتواؤها على نقيضين كبيرين عملاقين قائمين بذاتهما دون الحاجة الى لصق الاسم الاول بالثاني او العكس، وهما لونان احدهما اجمل من الثاني ان اجيد استغلال مافيه من مساحات شاسعة للابداع والتعبير..
ومن يظن انني اريد من مقالتي هذه ان اقف خصما لكثير من الذين يعجبهم هذا اللون فهو واهم انما الامانة الادبية والحب كل الحب للشعر خصوصا وباقي فنون الادب عموما هو الذي دفعني الى ذلك بل سيدفعني ربما الى ان اخاطب كل زميل او زميلة بما تمليه علي علاقتي الطيبة معهم ومع الجميع دون استثناء ان من يريد التعرف على الشعر العمودي وفنونه او الشعر الحر وتجلياته فالامر بسيط وشيق للغاية، ويجافي الحقيقة من يروج ان العمود او الحر ( كلاسيك او اصبح عتيقا) وما يكتبون هو (المودرن) وانا ساكون امينا ان اساعد من يطلب مني ذلك..واعتقد ان المتتبع لردودي على بعض من الاخوة والاخوات الزملاء والزميلات عما يكتبون لهو خير دليل على الود والمحبة ومثلما احب ان اكون انا، احب ان يكون الاخرون كذلك.. وهذا ليس مبررا لكي لا تتناولني بعض الاقلام بما تشاء لانها لم تفهم ما اعنيه، انما هي دعوة ايضا للحوار فمن تكن حجته اقوى فهو المنتصر.. هذا ما اراه في هذا الجانب واتمنى ان يكون ما ذهبت اليه قد وصل المعنيين..
مودتي للجميع دون استثناء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي الحارّه
فاهم إيدام ( 2010 / 12 / 27 - 01:31 )
هل الشعر هو الوزن والقافية، أم الكلام الجميل المختزل الذي يوحي بأكثر مما تعطيه الجمل العادية؟؟ الذي يحرّك الجوف كما يقول إليوت، أو الذي يمنحك الجناح كما يقول سعدي يوسف

أليس هذا ما جعل أسلافنا الأدباء يُعدّون قول أحدهم ( إنّي أرى الشمس على منزلها أجمل من سواها ) شعراً؟؟

قد تكون تسمية ـ قصيده ـ مختصّة بالعمودي والحر، لكنّ الشعر شعر... موزون كان أم غير موزون، وكما تعلم فإن الكثير ممّن يكتبونه يفضّلون تسمية ـ نص شعري ـ أونثر شعري ـ لأنّهم يتّفقون معك أن كلمة قصيدة عليها أن تبقى لِما يُكتب على الوزن

ليس الوزن والقافيةهما الشعر، بل ثوب جميل يمكن للشعر أن يرتديه إن رغِب الشاعر، أو إن استطاع. إنّ هذا ما أفهم الشعر عليه شخصيّاً، وللآخرين فهمه كيف ما يرون

تحياتي مرّة أخرى


2 - تعقيب
شاكر الخياط ( 2010 / 12 / 27 - 06:00 )
الاستاذ فاهم
شكرا على ماطرحت..الحبيب انا لم اتجاوز حدود الفهم العام ولو انني ذهبت قليلا الى الفهم الخاص لامانة المعلومة ولغرض الافادة..الذي اعترض عليه انا هو ليس الوزن او القافية ولزام توفرها انما المهم عندي انه لايمكن جمع كلمة ( قصيدة ) مع كلمة (نثر ) لانهما وكما اسلفت لا يجتمعان فكل منهما له كيان مستقل تحكمه ظروف بنيوية خاصة...سم ما تقول عنه اية تسمية ساكون اول المنتصرين لما يكتب اي من زملائنا وستجدني عونا لمن يريد العون..المهم ان نفهم ان النثر شيء والشعر شيء وكلاهما جميل كما قلت..اتمنى ان اقرا لك ايها الزميل الطيب
مودتي

اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية