الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحريات والمعارك الثانوية

ساطع راجي

2010 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


مهما طال الوقت أو قصر في العراق ستجد القوى السياسية الدينية نفسها أمام استحقاق التعبير عن هويتها وافكارها وبرامجها الحقيقية الخاصة، وهي بحصولها المتواصل على قصب السبق في الانتخابات المتوالية منذ 2003 لن تجد مبررا في عدم الكشف عن طموحاتها في الصورة الاجتماعية التي تريدها للعراق، ولذلك فان المعارك العابرة التي تجري حول موضوع الحريات راهنا ليست الا تمارين على معارك حامية ستخاض لفرض نموذج تربوي واعلامي وسلوكي ونفسي محدد على المجتمع.
معارك الخمور والفن والفصل بين الجنسين في المدارس، هي مجرد معارك ثانوية تجد بعض القوى المدنية فيها متنفسا للتعبير عن طموحاتها التي خسرتها في الميدان الحقيقي أي الانتخابات، واذا ارادت القوى المدنية وتيارات التحديث في المجتمع العراقي المحافظة على هوامش الحرية والتمسك بحقوق الانسان وتحقيق قيم الديمقراطية والمساواة بين المواطنين فعليها الاستعداد منذ الآن لخوض المعارك السياسية الحقيقية سواء عبر الاعلام المهني او عبر الانتخابات، اما الاستمرار بفعاليات مظهرية سريعة الاختفاء وقليلة الاثر فهو ليس الا تعبير عن الضعف وانعدام التنظيم وسيطرة الهاجس الدعائي.
من الخطأ ايهام النفس بوجود حزب ديني في العراق لا يريد فرض التعاليم الدينية بمعناها الحرفي مهما تمحك او تشدق بمفاهيم حقوق الانسان والديمقراطية والعصرنة والانفتاح على متغيرات الحياة والتطلع الى التنوير، ونظلم الحزب الديني عندما نطالبه او نتوقع منه ان لا ينفذ مشروعه الاساسي عندما يتسنم السلطة او ان لايعبر عن افكاره الحقيقية حينما يكون ذلك متاحا له، لاننا بذلك نريد حرمانه من التمتع بفوزه السياسي او اننا نريد دفعه الى ممارسة النفاق.
قد تدعي الاحزاب الدينية انها ليست ذلك البعبع الذي يخشى منه على الحريات المدنية والقيم الديمقراطية لكنها بذلك اما تخدع نفسها او تخدع الجمهور، وقد وصلنا الى مرحلة الاعتراف القاسية بوجود تناقضات صغيرة او كبيرة بين قيم الدين وقيم الحريات المدنية ونحن ندفن رؤوسنا في الرمال عندما نتجاهل او لا نعترف بوجود هذه التناقضات، وتكون غفلتنا أشد اذا لم نأخذ بالحسبان ضعف شعبية قيم الحريات بالمقارنة مع قيم الدين في مجتمعنا، ويمكن للمدافعين عن الحريات الاستمرار بالدوران حول انفسهم لكنهم في النهاية لن يحققوا شيئا ما لم تأخذ احتجاجاتهم بعدا شعبيا حقيقيا يتجاوز الشخصنة الاشهارية.
يمكن للحزب الديني ان يبرر الكثير من اخفاقات ادائه للجماهير وبشتى الاعذار والحجج لكنه لن يجد مبررا يتذرع به امام جماهيره لعدم فرض المنظومة السلوكية التي يتبناها فعليا ويجذب بها الانصار والاصوات الانتخابية، واذا كان النظام السياسي العراقي لا يفسح مجالا لتنفيذ الاحكام الدينية والفتاوى الفقهية بالمطلق، فان اللعبة الديمقراطية تتيح اسلحة تمكن الاحزاب الدينية من تحويل الاحكام والفتاوى الى قوانين عبر المؤسسة التشريعية (البرلمان) وحينها لن تنفع المظاهرات والاحتجاجات في تغيير المسار.
المدافعون عن الحريات المدنية اما ان يقرروا خوض المعركة في سياقها الحقيقي، اي عبر السياسة والانتخابات والحشد الجماهيري الفعلي ونشر القيم المدنية بثقافة حقيقية تتجاوز نشاط المنظمات الوهمية، او ان يلتزم هؤلاء المدافعون الصمت حتى لا يدفعوا بالمتشددين الى مزيد من التعنت ولا يسمحوا لهم باستعراض قوتهم واستخدام الدين للتغطية على فشلهم الذي سيكون هو وحده عامل التغيير السياسي المهم اذا ما تمت الاستفادة منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل