الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قريبا من المتنبي

حاتم جعفر

2010 / 12 / 26
الادب والفن


قريبا من المتنبي

معركة بدأت نذرها تتضح شيئا فشيئا, ربما تأخرت قليلا غير انها أتت على كل حال, رآها البعض بأنها معركة أصحاب الخمر ومعارضيها ورآها البعض الآخر معركة بين الديمقراطية وأعدائها, غير ان الطرفين نسيا أو تناسيا عن قصد أو دونه انهما خرجا من ذات المعطف وذات المنحى والوجهة التي صفقت للاحتلال وباركته حين داس بدباباته شوارع بغداد المقدسة ورفعا سوية راية الترحيب بالفاتح الجديد بذريعة الخلاص من فاشية بالغة القوة والبطش, وسوف نعبر ونتجاوز الآن المبررات التي ساقتها وسوقتها المعارضة, كان من بينها المشروع وغيره, الاّ انها لم تقنع قطاعات واسعة من الشعب العراقي حين وقفت مع المحتل, غير ان الحقيقة الاسطع والتي سكتت عنها ولا زالت هو غضهم الطرف عن تدمير وطن بالكاد يقف على رجلين كسيحتين بفعل الرعونة والحروب, وتم سحق شعب كان يأمل الخلاص من ديكتاتورية غاشمة, الا انه يزداد الما ووجعا كلما مرّ يوم جديد عليه.
وعن ذات المكان الذي انطلقت منه مظاهرة الاحتجاج نقول انه قد شهد أكبر عملية تفريط بالثقافة العراقية والمثقف العراقي على حد سواء وذلك حين غطت ارصفة شارع المتنبي امهات الكتب العراقية والعربية والعالمية لتباع بسوق النخاسة. وفي عودة سريعة لتلك الحقبة الزمنية فقد كانت على الجانب الاخر اطراف المعارضة العراقية تجوب كبريات العواصم العربية والعالمية استجداءا لموقف سياسي او بحثا عن دعم مادي يساعدها على تنفيذ أجندتها, وقد تحقق لها ذلك فعلا, وعلى الرغم من ذلك ومما يؤسف له فان المواطن العراقي والمثقف على وجه الخصوص والذي هو موضوع حديثنا, ظل يأن تحت وطئة القرارات الدولية الظالمة من جهة وتحت سطوة الديكتاتورية الحاكمة من جهة اخرى ولم ير من تلك ( النعم ) التي تحققت للمعارضة وقتذاك أي صدى سوى جملة بيانات تضامنية, لا تغني ولا تسمن من جوع .
وان خانت الذاكرة احيانا صاحبها فأن التأريخ المكتوب غير قابل للطعن الا من اراد حرفه ومال به صوب أهداف وأغراض لاتمت للحقيقة بصلة, والسبي الذي تتعرض له بغداد ليس جديدا ولا أعتقد ان عاصمة أخرى تعرضت كما تتعرض له عاصمة الرشيد من تخريب وتدمير منظمين وفي مختلف الحقب التأريخية, ان كان على يد ابنائه أو على يد الغزاة القادمين من الشرق أو من الغرب فكلاهما يضمران السوء فينا, وكلنا قرأ سيرة تلك المدينة التي استباحها هولاكو وتيمورلنك والجنرال مود واشتداد المعارك على ساحاتها بين الفرس والترك لتدفع ولندفع اثمانها باهضة حتى يومنا هذا.
وبشهادة مدوني العصر الحديث والمؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان وحرمة الثقافة الانسانية وقدسيتها فأن ماتعرضت له حضارة وادي الرافدين من انتهاك صارخ, شكّل أكبر ادانة للمحتل الامريكي حين غض الطرف أو تظاهر بالجهل عن عصابات منفلتة هوجاء, قامت بالانتشار طولا وعرضا وبطريقة منظمة, ومنذ أن وطأت اقدام المحتل أرض العراق عام ألفين وثلاثة وهي ماضية بالانقضاض على مقدرات الثقافة العراقية وتأريخه, التي لم تعد ملكا بحسب الهيئات المعنية للشعب العراقي وحسب بل تعتبر شأنا يخص كل شعوب العالم المتحضر.
والحديث عن الثقافة العراقية والدفاع عنها وعن الحريات المشروعة بشكل عام لايقبل التجزأة أو النظر اليها من زاويتين مختلفتين. واذا ما دار الحديث عن الانحياز فلا بد من الذهاب مع حرية الكلمة وحرية التعبير دون قيد أو شرط, وثباتها على الارض يرتبط بدرجة الالتزام والارتباط بحقوق العراق أرضا وشعبا, ولا يمكن النظر الى موضوع الحريات من زاوية ضيقة جدا أو يجري وفق أجندة خاصة يرتضيها هذا الطرف أو ذاك بل هي معركة شاملة عامة ينبغي لها أن تبدأ منذ عاث الاحتلال فسادا في مقدراتنا الثقافية, ابتداءا بالنهب والسلب الذي تعرض له المتحف الوطني العراقي وانتهاءا بسرقة الارشيف العراقي مرورا بالتخريب الذي طال المؤسسات الثقافية العراقية الاخرى.
فكان الواجب الوطني يستدعي الوقوف بوجه العبث الذي لحق بالحاضر العراقي وتأريخه ومستقبله كان ينبغي له أن يبدأ في ذات اللحظة التي شعرنا بها وشعر معنا كل أحرار العالم بأن ما يحصل في العراق هو تحطيم لذاكرتنا ولكل أسباب الجمال التي صنعها الفرد العراقي على مر العصور والتي أهداها بدوره الى الانسانية جمعاء, فالموضوع الاساسي ليس في غلق اتحاد الادباء العراقيين بذريعة أو بأخرى كما يحرص البعض على تصويره واذا ما استمر قراءة الامر وفق مايجري فذلك يعد تقزيما ومجافاة للحقيقة ولايستبعد أن يكون هدفها الايحاء وبقصد بأن مايحدث في العراق من مظاهرات واحتجاجات بين فترة واخرى لهي الديمقراطية بعينها.
ولكي لا تأخذنا حسن النية كيفما يشائها القيمون على العملية السياسية منذ الاحتلال وحتى الان فالواضح للعيان بأن الراعي الامريكي يحاول التظاهر بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع, قد يبدو الامر من الناحية الشكلية صحيحا, غير انه في المنعطفات الحادة التي تستدعي وقفة حقيقية وحين تتهدد مصالحهم وخططهم الاستراتيجية تراهم يدخلون بقوة ( لتعديل الاعوجاج ) ان حصل, وكلنا يعرف جيدا الى من سلمت مقاليد الحكم بعيد الاحتلال, والتناقض واضحا, صريحا في سياساتهم بين دعواتهم للتصدي لما يسمونه هم بالقوى الظلامية في أطراف أخرى من العالم وبين اعطائهم الدور الحقيقي في ادارة دفة الامور في العراق لهذه القوى, القادمة من دهاليز التأريخ والمعتقة بالتخلف.
فيا شاعرنا المتنبي الكبير قل للقريبين منك أو اهمس بأذنهم أن يرفعوا رايات الاحتجاج ضد من اتى بالذي منع الخمر و الكلمة الحرة وعزف الموسيقى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب