الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسويات عراقية

ساطع راجي

2010 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا يعجز العراقيون وتحديدا الساسة، عن ايجاد تسوية لأشد العقد التي تواجههم مهما استنفذت من وقت وجهد، وحتى لو شارفت الامور على الانهيار او حتى لو اريقت بعض الدماء هنا او هناك او تأثرت مصالح عامة او خرقت نصوص.
العراقيون، وعبر عدد من التسويات التي انجزوها خلال الاعوام القليلة الماضية، انتجوا اسلوبا خاصا في تجاوز الازمات، وهو اسلوب يقوم على عدة أسس، فالتسوية اولا تكاد تسمح لجميع الاطراف المشتركة فيها ان تتملص منها، وهي تتيح ايضا لكل طرف ان يتقمص دور الكريم الذي يتنازل للاخرين عن حقوقه من اجل الوطن والمواطنين كما تتيح له ادعاء عدم التنازل، والتسويات العراقية ايضا تتيح لكل طرف ان يدعي احراز النصر عبرها، كما ان هذه التسويات تقفز حدود المشكلة الواحدة لتربط دائما بين مشكلتين في حل واحد وهو ما تمثل بعبارات مثل "صفقة واحدة" او "سلة واحدة"، فقد تمرر الموازنة وقانون الانتخابات بصفقة واحدة رغم عدم وجود رابط بين الاثنين مثلا.
التسويات العراقية تبدو في نصوصها لاول وهلة، حاسمة وحازمة ومحددة بمواعيد، لكن ما ان يأتي موعد تنفيذ التسويات حتى نكتشف ان كل كلمة بل كل حرف في التسوية يرقد على قنبلة تقود الى سلسلة لا متناهية من التأويلات والثغرات، التي تسمح لكل طرف بالتملص من التزاماته، ونكتشف ان السقوف الزمنية هي حدود مطاطية يمكن طيها في حقيبة صغيرة يحملها سياسي عابر يوفر عذرا تلفزيونيا لتجاوز ما كان يعد مقدسا.
العراقيون يفخرون بانهم اول من وضع القوانين، واذا كان هذا يعني بانهم يجيدون وضع النصوص فهو يعني ايضا بانهم بدأوا مبكرا في التفكير بالتملص من تلك النصوص واكتشاف ثغراتها، والعراقيون ايضا هم مؤسسو علم الكلام الاسلامي الذي وضعه المعتزلة مع فكرة واصل بن عطاء عن المنزلة بين المنزلتين وهي فكرة مريحة لاول وهلة لكنها زرعت اللاوضوح والضبابية في الفكر الاسلامي برمته، ومثلت نموذجا للتسوية المريحة وغير الحاسمة في نفس الوقت، لكن هذا لا يعني ان الامتدادات الارثية والثقافية لنموذج التسويات المعاصرة تستمر الى تلك الجذور فهناك ما هو اقرب، مثل التسويات التي تنتجها مضايف شيوخ العشائر، ومساومات البيع والشراء في الاسواق الشعبية، وهاتان المؤسستان (العشيرة والسوق) لهما تأثير كبير في صياغة العقل السياسي.
التسويات العراقية تقف دائما في منزلة بين منزلتين وهي على ما توفره من راحة فإنها غش للذات وللجماهير، وهي في كل الاحوال لا تؤسس لحلول ولا تضع طرقا للتخلص من المشاكل، وبهذه الصيغة جاءت الكثير من النصوص الدستورية التي تفجرت عن تأويلات وازمات عدة، وبهذه الصيغة جاءت الاتفاقات السياسية والقوانين والموازنات وبرامج القوائم الانتخابية، وبهذه الصيغة وضعت بعض القوى قدما مع العملية السياسية وقدما ضدها، وبعقلية التسويات هذه هناك تعداد عام لا ينفذ، وتعديلات دستورية، وعملية مصالحة، واقتصاد سوق وتدخل دولة، وبهذه العقلية ايضا هناك حقوق مدنية لا تتناقض مع الشريعة ولا تتناقض مع الديمقراطية وحقوق الانسان، انها باختصار عقلية الضباب والهروب والتملص من كل التزام، عقلية التعادل فلا رابح ولا خاسر، وهي في النهاية تسويات اللاشيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تسوية
مازن البلداوي ( 2010 / 12 / 28 - 06:29 )
الأخ ساطع المحترم
تشخيص صحيح وان كنا لانستطيع تعميمه،وهو ليس بجديد،فهو خلاصة التعايش لزمن طويل بين موجبات الرفض العلني والموافقة السرية او العكس وحسب متطلبات الموقف،وبسبب طول التعايش مع هذه الحالة، فقد اصبحت موروثا اجتماعيا، وقد نجده عند الكثير من الشعوب الأخرى في حالات مماثلة،الا ان الأمر يكمن في كيفية جعل الأفراد يميزون بين ضرورات اللجوء الى هذه الحالة وبين ضرورات الغائها، وكما تعلم فأن من اساسيات الغاءه،هو التثقيف على هذا الأتجاه، وهنا نجد ان حيثيات كثيرة ستقف بوجه الطريقة البسيطة او المحاولات الفردية التي قد تقوم على الرغم من مساهمة مثل هذه الخطوات الا ان الجهد الأكبر للتثقيف والوعي يحتاج الى امكانات اعلامية كبيرة على مستوى المجتمع،وهنا يأتي دور المتنورين من الناس لأزاحة هذه الضبابية، لأن المجتمع لايزال متخوفا ومترددا في اتخاذ قرارته الحقيقية بسبب عدم ثقته بما حوله وخاصة النتائج السلبية التي حصل عليها خلال الفترة الماضية.

شكرا لك على هذا المقال
تحياتي

اخر الافلام

.. العاهل الأردني يستل سيفه تحية للأجهزة الأمنية والعسكرية


.. غانتس: يجب أن نعمل معا من أجل الوصول إلى انتخابات نشكل بعدها




.. وزير الخارجية الأميركي يبدأ جولة جديدة في المنطقة لبحث سبل ا


.. مصادر يمنية: مهمة إيصال الأسلحة إلى الحوثيين تنفذ عبر جماعات




.. تحقيق أمريكي يفضح فظائع الاحتلال في معتقل سدي تيمان