الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل الجسد والعدم في موت التاريخ

بشير ونيسي

2010 / 12 / 28
الادب والفن


جدل الجسد والعدم في موت التاريخ عند الكاتب الجزائري أحمد دلباني موت التاريخ منحى العدمية في أعمال محمود درويش الأخيرة

بقلم الشاعر بشير ونيسي
مقام الوصل /
التاريخ يوميات
أسلحة مدونة على أجسادنا
يواصل أحمد دلباني مشروعه النقدي الثقافي التفكيكي في كتاب موت التاريخ منحى العدمية في اعمال محمود درويش الأخيرة فيقرأ الخطاب الابداعي ويأوله يأثله من خلال طقس الصحو وجنائز المحو لا النحو ..الكتاب يطرحه دلباني للمتلقي ليقدم له بعدا معرفيا يكشفه في شعرية محمود درويش وبيبن جماليات الموت الطافحة بعدمية اللحظة المتوهجة بالكينونة عبر وجودها ..والمتلقي حين يقرأ هذا الكتاب لأحمد دلباني يعرف فكرتين الأولى شعرية الكينونة المتشظية بالوجود / الموت وشعرية الموت المنبثقة من دبيب الكينونة فبين الكينونة والموت تظهر ذات محمود درويش الهدهد المتلبس بطوفان الوجود الذي يبشر بموت التاريخ هذا التاريخ الذي يمحو الانسان وهو بدوره يصحو أمام حقيقة الموت فيعرف الجسد وجهه الغائب الشاهد عبر بلاد الموت وخيمته .
انه طقس الصحو والمحو لا النحو كما يتجلى في خطاب محمود درويش .
ان الكتاب يقرأ فيه أحمد دلباني شعرية محمود درويش وهوعلى عتبة الموت ويكشف من خلال لغة القصيدة تجليات الكينونة في اللحظة المتوهجة بالموت انه يقرأ شعر محمود درويش ليبين توازي المعرفة مع الموت ويبرهن بنقده الثقافي التفكيكي الدلالي كيف يتحول الشعر الى معرفة تلمس سر الموت الملتبس بالحياة ومايثير الدهشة في تأويل أحمد دلباني حسب نظرنا يرجع الى نظريتين نظرية الوجود المنفتح على نداء الكينونة وتشظيات المعنى عبر طقس الجسد المقترب من يوتوبيا الموت أما النظرية الثانية نظرية اللغة المنفتحة على الشعور الكوني وذوبان الذات في اشراق النور وبين النظريتين يقرأ أحمد دلباني قصائد محمود درويش ما بعد الأيدولوجي الجماهيري ويحلل انزياحات الأشياء أمام حضرة الوقت المخضب بالوجود وجها لوجه أنا/ لاأنا أنا /آخر ويفسر نسق المعرفة في سياق الموت ونسق الموت في سياق الكينونة ونسق الكينونة في سياق الوجود .
2
دلباني يقرأ غربة القمر في الليل وتيه الكينونة في شتات الوجود يقرأ مقام الحيرة وحال التجلي بين القبض والبسط ويعلن عن عدمية سزيف في تكراره الأبدي لحمل الحجر وألم نار بروميثيوس واغتراب الجسد في شجن الروح وغياب الروح في تلاشي الجسد يقرأ سفر الخروج والعروج الذي يجعل الكينونة تعود الى نورها الأبدي لتبدأ عنقاء من رماد حنينها وورقاء من أنينها ..دلباني يدشن تأويلا جديدا يتطابق ابستمولوجيا وفينومولوجيا مع الشعر كمتخيل يخلق ديمومة تجل تشكل راهن اللحظة المنفلتة من أبلسة الأشياء ودجل الوقت الذي دمر وحي الكينونة الدرويشية التي أسقطت قناع الزمن وكشفت سراب المسخ والنسخ في الكينونة عبر هويتها وحريتها
أحمد دلباني يفتح الخطاب الابداعي عند درويش أمام المعرفة والموت لتظهر الكينونة المختفي / المتجلي فالكينونة في أنسنتها وألسنتها وأرخنتها تريد تعرية تخوم أنا / أنا عبر الوجود وأنا / لا أنا عبر كل شيء والآخر فهذه الكينونة الممطرة من سحابة الموت هي كينونة بيضاء تأتي من وحدة جسدين في ليل عميق الكينونة الوردة التي أحرقها جحيم العدم الكينونة الفراشة التي التصقت أجنحتها بجدران الفردوس المفقود الكينونة العصفور الذي حبس في قفص الوجود المزيف هذه الكينونة تريد وجها ملائكيا نوارنيا يغرقها في الفناء وجها يسمي الوجود تجليا للروح المحترقة بمنطق الطير لا منطق الحجر وجها يشكل جسدا يريد أن يكون مايرى ويرى ما يتجلى وجها يقلع طحالب الأشياء من الجسد ويقتنص النجوم ليرصع بها جدران الجسد وجها اذا سجى الليل صار قمرا واذا تجلى النهار صار شمسا تمسح زغب العتمة على الوجود .
3
أحمد دلباني يكشف الجسد في شعر درويش وما يحكيه عن سيرة الحب والحيرة والتوهج بالموت الأبيض الذي يدل على قسوة الأشياء أمام قشعريرة الكينونة الموت الأسود الذي يدل تيه الذات وسط محيط الآخر المرعب الروؤم الموت الأحمر الذي يدل بدء التكوين في لحظة العدم والموت الأخضر الذي يدل على تشجر الكينونة الناطح لأبراج السماء .
هذا الجسد الذي يتبدد ويتعدد ويتوحد ويتمدد ليعرف شكله وغوايته في عالم يطفيء قناديله ويبدلها بشموع تذوب فينسحب الوجود ويحجب في مرآته ليغترب ويغيب .
نريد في هذا المقام أن نقرأ كتاب دلباني أحمد منحى العدمية في شعرية محمود درويش ونقيم القراءة كنص على نص في
1/ الشعر تراجيديا الجسد والوجود
2/ الشعر معرفة الموت
3/ لغة الكينونة عبر العدم
1/ الشعر تراجيديا الجسد والوجود
الشعر هو الجسد المتخيل الذي يريد أن يعرف الوجود من خلال الكلمات ايقاعا وصورة الشعر هو ذلك الوعي الكوني بكل شيء والعودة الى لحظة البدء للخلق من جديد بايحاء الكلمات ..أحمد دلباني يربط الشعر في أنفاس محمود درويش الأخيرة بالكينونة المتصدعة بصاعقة الوجود ويتبن ذلك في
الكينونة ترى فيتعرى الوجود ويظهر وجه الموت الآتي فيسمي الشاعر جسده
الكينونة تريد فيغيب الوجود وينسج العدم خيوط عناكبه عبر زوايا الجسد التائه .
الكينونة تصطدم بالمتجلي فتفنى في لحظة الخلاص والفناء لعلها تذوق خبز البقاء في جوع العالم .
الكينونة تعرف وتكشف ارادة الحياة بقطيعة الجسد وفجيعة الروح أسئلة الكينونة من أنا هل أكون يوما ما أريد دبيب الكينونة الخفي يمحو الوجود ليثبت الوجود بها شبق الى ما ليست تعرف وقد يكون الآن أبعد والأمس أقرب درويش يفتح سؤال الوجود مثلما فعل أندريه بريتون في نادجا من أنا وكان يمكن ألاأكون أنا أو لاأكون هنا الكينونة هدهد شاهد عن الطوفان انه الصحو القاسي أمام وردة الهباء كما يفكك أحمد دلباني هذا الصحو هو المحو الطري هذه الكينونة يمر بها الزمان أو تمر به وهي تتشظى تتلظى في لحظة مابين بين انه عبء المسافة والجسد له طوق الحمامة ونجمة مهجورة فوق السطوح أنا درويش كما يقرأ دلباني أنا الغياب أنا السماوي الطريد يبين للمتلقي لحظة المحو الهش والصحو القاسي لحظة تتلاشى فيها الحدود وفيها تصل الكينونة الى سر العلو الذي يزول فيه التناقض انه الجدل العاشق بين الجسد والوجود بين الصحو والمحو بين البهاء والهباء . دلباني الشعر الخالص يمنح للكينونة فردوسها المفقود لأن الجسد حين ينظر في المرايا هل يعرف وجهه الطحلبي الشعر الخالص يظهر المحجوب الآتي ويجيء الحب من ايقاع وحدة الجسدين في ليل طويل بالحب يعود درويش الى العدم أحبك حتى أعود الى عدمي أحمد دلباني يفكك شفرات الخطاب الدرويشي للعثور على شمس آفلة لحظة تكشف الجسد على الوجود هذا ما يعادله موضوعيا نيتشه في هكذا تكلم زاردشت حين يقول منذ بدأت أعرف حقيقة الجسد لم تعد الروح روحا في نظري الا على أصيق مقياس انه الجسد في طقوس ألمه يخلق اللذة واللعنة بركة والليل شمس مشرقة اللذة تطلب الخلود لجميع الأشياء خلودا لا نهاية له..هذا الشيء يوميء بالخلاص من داء الغياب درويش لا يريد الرجوع الى أحد ولا الى البلد يريد الرجوع فقط الى أقاصي الهديل في لغته تلك هي تراجيديا الجسد المنسابة في سقوط التاريخ وموته وجنائز العبث التي تجتث بعث اللامسمى الذي يراه الشاعر دروش عبر اشراقات احتضاره
الشعر مرآة الجسد التي تعيد للأشياء شغفها الأول تتوحد الكينونة بكل شيء
فتعيده للبراءة الأولى ولا تتم هذه البراءة الا بايحاء الانزياح فكأن الشاعر يرجع للطفولة ليعلن عن فوضى وابداع يشكل الوجود ما يشتهيه ويريده .
ان تجليات الوجود التي يفسر أحمد دلباني أنساقها وسياقاته في شعرية درويش يمكن نرصدها في
الوجود كينونة تتشظى بوهج عذري يخرج اللغة من رتابة الهوية المستنسخة الى الحرية المتجاوزة .
الوجود معرفة الموت وعودة الجسد الى فنائه ليعرف وجهه الغائب في الأشياء التائه في الغيب .
الوجود ارادة الحياة بالتوحد توحد الكينونة بالوجود الأصيل توحد اللغة بالجسد .
2/ الشعر معرفة الموت
الشعر متخيل لكل شيء وهذا المتخيل يكشف بمعرفته وحضوره عتمات الموت الشعر صورة الجسد بالكلمات فماذا لوكان هذا الجسد يشهد عدميته وموته الموت في جوهره تحول ومقام تصله الكينونة حين تنفتح على الوجود ونلمس ذلك في فلسفة الجسد التي طرحها نيتشه في هكذا تكلم زاردشت ما أجمل ميتتي اذا أنا تخيرتها فجاءتني لأنني أطلبها ان نيتشه يعطي وصفا فينومولوجيا للجسد يجعله يشعر بحريته للموت وهنا يقف درويش امام سر الموت مسسترا ظاهرا
أيها الموت أنتظرني خارج
انتظرني في بلادك ريثما أنهي
حديثا عابرا مع ما تبقى من حياتي
قرب خيمتك أنتظرني
هنا نقرأ لفظة خيمتك التي تدل على الحركية والتحول والعبور للموت قبل أن يرتد اليك طرفك والشاعر يخاطب الموت بموقف الانتظار حتى ينهي حديثا مع ما تبقى من حياته ليصير بعد ذلك الموت بعد الخيمة بلادا لسكنى الكينونة فموت التاريخ الذي يطرحه أحمد دلباني ينبيء بموت الانسان الذي أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا فالتبادل بين الموت الفردي وموت التاريخ يدشن حالة العدم التي تتوهج بها الكينونة في زمن يمحوها بصحو قاسي تذروه سردية القوة فلغة الجسد تفقد ذاكرتها ونعاس الكلام السائد وتسرجع حدسها وكشفها في اللحظة فيسقط قناع الجسد فيرى وجه الموت المضيء لظلمة الكينونة وبذلك تشرق شعرية الفضاء لتبشر بنبوءة الكينونة ويقف الهدهد فوق الطوفان ويسري لا تكتب التاريخ شعرا بل أكتب الشعر موتا أكتب الموت شعرا الموت في المنحى الدرويشي يتأنسن فيصبغ كل شيء بغسق الكينونة وشبقها .
حين تكتب الموت شعرا
تعرف وجهك الغائب تعرف جسدك الطوفان
حين تكتب الموت شعرا
ترى الوجود وتلتصق فراشة الكينونة بوردة النور
حين تكتب الموت شعرا
تبدأ لحظة خلقك الأولى وتشهد فردوسك المشتهى
حين تكتب الموت شعرا
تخلص كينونتك من جحيم العدم وتحل في جنة وجودك
حين تكتب الموت شعرا
تتوحد بسرك الغيبي
حين تكتب الموت شعرا
يتعادل عندك البقاء والفناء
حين تكتب الموت شعرا
تتجاوز عتمة الوجود وتتشظى على عتبة العدم
لكن حين تكتب الشعر موتا فيعنى هذا أن تعرف شكل الجسد عبر الموت فتتخلص اللغة أمسها المزركش بهوية وثنية والموشح بحرية وهمية حين يكتب الشعر موتا يدل هذا على مقام الشهيد الذي وصله درويش حين كشف له الحجاب وبدأ يعلو ليرى ويرى مايتجلى فيختفي ليظهر ويمكن نشير هنا الى نظرية تجمع الحب بالموت يبقى الشعر كما يقول أدونيس فتوحد الحب مع الموت يولد المعرفة وينبلج الفجر ليمحو الليل / التيه العدم / التيه وتشطح الكينونة غزالة تركض في برية النور حمامة تحتضن السماء وتنطفيء الأرض لتصير الكينونة كل شيء بالموت .لاشكل للكينونة الا بالموت لا وجود لها الا بالموت لا هوية لها الا بالموت لا حرية الا بالموت .
3/ لغة الكينونة في العدم
اللغة في الشعر تجيء من تيه الكينونة وشتات الأشياء التي يزرع فيها الشعر شهوته ودهشته .الشعر هو الجسد حين يكتب المعنى بتجلي الكينونة والجسد في شعريته يراهن على متخيله ليبعث بانزياحته شكل الوجود الذي يرى .الكينونة في حينونة الموت تلتصق بالوجود فيتعرى أمامها العدم يقول محي الدين بن عربي من كان وطنه العدم في القدم كانت غربته الوجود والغربةكما يعرضها ابن عربي قد تكون غربة الوجود الحسي عن وطن القبضة فكان الرحم فاغتربنا عنه بالولادة فكانت الدنيا وطننا فاغتربنا عنها الى وطن البرزخ الموت ثم اغتربنا عنه بالبعث نظرية ابن عربي تبين لنا لغة الكينونة في العدم وتبدو هذه الكينونة بلغتها عند محمود درويش كما يقرأ دلباني تجسد في عنصرين الايقاع الكوني الذي يسري في دم درويش فيريه سر كل شيء أما العنصر الثاني فيتجسد في الرمز الوجودي الذي هو ضباب مشرق أكثر من شيء واضح فبين الايقاع الكوني والرمز الوجود تتقوزح اللغة وتتحلزن القصيدة وتصطدم بالعدم الذي يمحو الكينونة ويثبتها في برزخ الرؤيا فالكينونة كما يقول هيدجر مجال انفتاح الوجود وانسحابه واحتجابه في آن معا فيبدأ الشعر في تسمية الأشياء بالكلمات الكلام كما يقول هيدجر ان نسمي وليست التسمية الحاق كلمات بأشياء نميزها انها استدعاء للشيء المسمى نداء والنداء يلغي المسافة هذا ما يفككه دلباني في شعرية درويش المتوحدة المتوهجة بالموت درويش يرى بالموت الشعر الخالص ويرى بالشعر جوهر الموت فيكون ويعود الى كينونته البيضاء التي تلوثت بسواد الأشياء .
قاب قوسين /
مشروع أحمد دلباني في موت التاريخ يدشن قراءة ثقافية جديدة تكشف الجسد واللغة والوجود والموت وتبين أن التاريخ يموت بموت الانسان حين يضيع منه وجوده وتتلاشى كينونته في عاصفة العالم الذي دون تاريخه بالقوة لا بالوحي التائه والهوية المتحجرة .

الشاعر بشير ونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة