الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر .. على حافة المجهول

سعد هجرس

2010 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


بدلاً من أن تؤدى الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى تحريك المياه الراكدة والتقدم خطوة إلى الأمام، فإنها أسفرت بنتائجها وملابساتها عن تكريس الأمر الواقع، إن لم يكن التقهقر إلى الوراء، وبالتالى زيادة الشعور العام بالاحباط واليأس من إمكانية تحقيق الاصلاح الدستورى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى فى ظل الأوضاع الراهنة، وبخاصة فى ظل ما أسميناه من قبل "توازن الضعف" بين حكومة عاجزة عن القيام بواجبات الحكم ومعارضة عاجزة عن الاطاحة بهذا الحكم العقيم.
وبعيداً عن الخطابات الغوغائية أو التبريرية أو العدمية كان طبيعياً أن تواجه الجماعة الوطنية نفسها بالسؤال الوجودى: مصر إلى أين؟!
والطبيعى أن تتعدد الاجتهادات فى الأجابة على هذا السؤال المحورى، ومن بين هذه الاجتهادات تجئ الاجابة المتميزة للكاتب الكبير والمحلل السياسى المحترم مصطفى الحسينى فى كتابه الصادر حديثاً عن دار نشر "ميريت" بعنوان "مصر على حافة المجهول".
ويتناول هذا الكتاب المهم وضع مصر على مستويات أربعة:
أولها الوضع الداخلى للبلاد الذى يصفه المؤلف بأن "وصل إلى حد من التدهور شارف الانهيار، ليس مجرد انهيار الدولة بما يترتب عليه من غياب القانون والنظام وانتشار الفوضى إلى حد يهدد وجود البلد نفسه، ليحل محله يباب بلا معالم ولا يسكنه شعب، إنما تتوزعه جماعات متفرقة من الناس، تهيم فى أرجائه القاحلة، تفتقر إلى مفهوم الجماعة الوطنية ولا تجمع بينهم هوية متفق عليها ولا يربطهم حس وطنى مشترك. ولا يشغل أفرادها سوى مجرد البقاء على قيد الحياة".
المستوى الثانى فى معالجة هذا الكتاب لوضع مصر هو القضية المنسية، أى المسألة الوطنية التى طالما عرفت بأنها قضية الاستقلال. وفى مقابل استنامة المصريين إلى فكرة إكتمال استقلال بلدهم منذ إندحار العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956 يطالب مصطفى الحسينى بالالتفات إلى ما طرأ على فكرة الاستقلال الوطنى من تغير منذ ذلك الزمان.
المستوى الثالث فى هذه المعالجة للوضع المصرى هو محاولة لتحليل ما هو دائر فى البلد حول "التغيير".
والمستوى الرابع هو آفاق التغيير ومعوقاته.
***
وفى معالجته لهذه المستويات الأربعة يستخلص الحسينى أن مصر – بعد وفاة جمال عبد الناصر – وقعت فى براثن ما يسميه "استراتيجية اليباب". واليباب هو الأرض القفر التى لا تنبت، هو الأرض الخراب، هو الأرض العقيم. واستراتيجية اليباب فى رأيه ليست افتراضاً نظرياً، بل ولا نذيرا بمستقبل مشئوم، إنما استراتيجية جربت منذ عقود وأهم أدوات تحقيق اليباب المطلق هى:
• تغيير المواضعات الاجتماعية السائدة التى تساعد على تقوية النسيج الاجتماعى.
• استخدام التقدم فى وسائل الاتصال لنشر ثقافة استهلاكية تجعل شهية الاستهلاك تفوق طاقة الاقتصاد على الانتاج.
• تدمير نظام التعليم الرسمى ثم غير الرسمى.
• إدخال مفهوم جديد للعائد على الاستثمار يستبدل المنفعة الاقتصادية لكل من المستثمر وللاقتصاد بمفهوم الربح النقدى المباشر للمستثمر ، فانقطعت الصلة بين الاستثمار والاقتصاد بل أصبح الاستثمار أحيانا ضد الاقتصاد.
• إخراج اللغة القومية من التداول.
وقد نجحت هذه الأدوات فى أن يكون "اليباب" هو العنوان الرئيسى للسياسة والاقتصاد. لكن المعضلة هى أن حركة الاعتراض على هذا "اليباب"، وعلى الدولة القائمة فى مصر، ظلت"تتحرك كمن يخوض فى الوحل، ببطء وارتباك".
***
وفى هذا السياق لا تبدو صورة الحياة السياسية فى مصر مؤهلة لتداول السلطة إلا بالمعنى الذى أدركه المواطن العادى– معنى تداول مكنة النهب بين عصابات فلم يشارك فى هذه الحياة السياسية الموبوءة. بينما يركز ممن يعتبرون أنفسهم دعاة التغيير على تعديل عدد من مواد الدستور القائم تدور كلها حول انتخاب رئيس الجمهورية وعدد مرات توالى ولايته، غافلين عن كون هذا الاقتصاد كاشف عن أنهم لا يريدون ما يتجاوز وصولهم إلى السلطة وينطوى على تسليم بما هو قائم ويدعون معارضته وهو قيام النظام السياسى على سلطة الرئيس. أى أن التفكير يتجه إلى قصر التغيير فى قمة نظام الحكم لا إلى تغيير نظام الحكم نفسه.
وفى رأى المؤلف أن أخطر ما أصاب الحياة المصرية أن السياسة غائبة عن المجتمع المصرى منذ زمان طويل. و مع غياب السياسة غابت عن المجتمع المصرى آليات إنتاج النخب واختبارها. وبالتالى أصبحت النخب "تعين" نفسها دون الانتخاب الطبيعى من خلال تفاعلات المجتمع وانجازات أفراده، فانصرفت صفة النخب إلى أفراد أو مجموعات منهم يركبون على ظهر المجتمع حتى لو كانوا بمؤهلاتهم وسلوكهم أقرب إلى الحثالة.
***
هذه النخب "المضروبة" مرتبكة ومشوشة، ويتبدى تشوشها من ظواهر متعددة من بينها مثلا ظاهرة اللجوء إلى القضاء لمعالجة مسائل هى بطبيعتها سياسية ونماذج على ذلك عديدة.
فمن أين يأتى التغيير؟ وكيف تبنى المجتمع قدرته على إحداث التغيير؟
إجابة مصطفى الحسينى أن ذلك بالتأكيد ليس بالوقفات الاحتجاجية ولا حتى الاعتصامات والمظاهرات، فقد تكاثرت هذه وتلك على مدى السنوات القليلة الماضية دون أن تحفر مجرى يصب فى قوة قادرة على إحداث التغيير.
وبالتأكيد أيضاً ليس بحشد التوقيعات على مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الانترنت حتى لو وصلت إلى مئات الالوف بل الملايين.
يحقق المجتمع قدرته على إحداث التغيير عندما يستعيد زمام أموره من يد السلطة التى لا تقف عند حد تجاهله إنما تتعمد فعل كل ما يضر به.
وعندما يتلمس المجتمع الطريق إلى استعادة زمام أمره، سيجد فيما هو متداول من أفكار التغيير والطريق إليه الكثير مما يحتاج إلى التوضيح.
وفى رأى المؤلف أن الأفكار المتداولة فيما بين الداعين إلى حل سياسى والداعين إلى حل دستورى والتى تدور حول تداول السلطة وضمان نزاهة الانتخابات، لا تفتح أى طريق إلى تغيير يستحق هذا الوصف.
وينطبق ذلك على من يضعون نصب أعينهم الانتخابات الرئاسية المستحقة فى 2011 حيث أن وضع الرهانات على هذه الانتخابات وحدها لن يسفر فى أحسن الأحوال عن شئ سوى جراحة تجميل دستورية تقتصر على تسهيل تداول السلطة ونزاهة الانتخابات، بغض النظر عن أهلية البيان السياسى للبلد عموما – والمعارضة على وجه الخصوص – لذلك التداول. وهو نهج قد يؤدى إلى قدر هزيل من تحسين شروط تداول السلطة دون تغيير يذكر يمكن أن يؤدى إلى تصفية منظومة الفساد المستشرية فى الدولة والمجتمع أو إلى تحسين ظروف معيشة أغلبية السكان، ناهيك عن أن ذلك يكرس نموذجا للمعارضة، متعجل ويائس من شأنه أن يفضى إلى أن يدب الاحباط واليأس فى نفوس الناس.
فهل هناك بديل لذلك؟ نعم .. بذل الجهد لبناء القنوات التى تؤدى إلى تمكين الناس من المشاركة الفعالة فى الجهد من أجل التغيير.
***
تبدو كلمة "التمكين" كما لو كانت كلمة السر فى اجتهاد مصطفى الحسينى للخروج من هذه الأزمة المزمنة.
لكن كيف يكون تمكين المواطن المصرى ممكناً؟ وألا يفتح ذلك السؤال بدوره الباب أمام عشرات التساؤلات ذات الصلة من أجل فتح نوافذ مغلقة حالياً بالضبة والمفتاح، لمواصلة استطلاع دروب ممكنة للتغيير.. وبدون ذلك لن يبقى أمامنا على الأرجح سوى الانتظار على حافة المجهول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا بد من الثورة
محمد زكريا توفيق ( 2010 / 12 / 28 - 13:49 )
شكرا أستاذنا الكبير سعد على هذا المقال القيم
الحكومة التي تحكم بالقوة الغاشمة، لا يمكن تغييرها إلا بالقوة الغاشمة. لذلك لن تجد دعوة الدكتور البرادعي لتغيير الدستور بالطرق السلمية أي آذان صاغية. كما هو واضح من مقالكم الكريم.
بهذا المعنى كتب جون لوك: -من يحكم بدون حق، يضع نفسه في حالة حرب مع من تُستخدم القوة ضدهم. هنا تصبح كل القوانين عديمة الفائدة، ويصبح كل واحد مدافعا عن نفسه ومقاوما للعدوان-.
جون لوك يقول لا بد من الثورة

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-