الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتي لا تتكرر الواقعة

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2010 / 12 / 28
حقوق الانسان


أبى عام 2010م أن يرحل دون أن يقدم لنا هدية آخر السنة وهى عبارة عن حادث مأسوى وغير مسبوق فى حقل التعليم الجامعى. كنا نسمع ونقرأ عن أولياء أمور يتوجهون إلى المدارس بهدف رد الاعتبار لأبنائهم الذين يتعرضون للضرب أو الإهانة سواء من أقرانهم أو معلميهم. لكننا لم نسمع عن حدوث مثل هذه التجاوزات فى حق أساتذة الجامعات. إن الحدث الذى شهدته جامعة إقليمية فى الدلتا يعتبر غريبا ويصعب تخيله وبالفعل يستحق أن يقف المجتمع حياله للتأمل والتدبر عسى أن يعثر على البوصلة المفقودة التى قد تحمل البلاد لبر الأمان. ماذا حدث فى هذه الجامعة؟

يوم الأحد 19 ديسمبر كانت أستاذة ورئيسة قسم بكلية الآداب تلقى محاضرة عندما دخل شاب فى مقتبل العمر وخطيبته الطالبة بالكلية قاعة المحاضرات وجلسا سويا فى المقاعد الخلفية حيث يتعذر على الأستاذ المحاضر رؤية ما يحدث خاصة إذا كانت القاعة مكتظة بمئات الطلاب. المهم بدأ الشاب فى التدخين والتهكم على المحاضرة التى لم يأت للاستماع إليها مما أغضب طالبتين كانتا تجلسان على المقاعد المجاورة، فتقدمتا بالشكوى للأستاذة التى طلبت من الشاب تقديم إثبات الشخصية حينئذ هددها الشاب قائلا "إنتى مش عارفة أنا مين؟ دا أنا هأربى أهلك"، وفوجئت به يتعدى عليها بالضرب بقدمه، وبسبها بألفاظ خارجة مما دعاها لطلب الحرس للتعامل مع الشاب الذى تبين أنه ضابط شرطة برتبة ملازم أول.

لقد عملت فى الجامعة أكثر من ربع قرن ولم نسمع عن أستاذ جامعى أو حتى معيد تعرض للضرب أو الإهانة بالسب والقذف داخل أسوار الجامعة. الغريب أن تتعرض هذه الأستاذة للإهانة فى مدرج الجامعة وفى حضور نحو 700 طالب مما دفع الدكتورة الضحية أن تصرح بأنها لم تعد تصلح رئيسة قسم ولا حتى أستاذة فى الجامعة. وفى الواقع فنحن نلتمس العذر للدكتورة التى خاضت هذه التجربة المريرة غير أن ما يخفف وطأتها هو أن الحرس الجامعى لم يتقاعس عن إلقاء القبض على الشاب وسرعة تقديمه للنيابة التى أمرت بحبسه على ذمة التحقيق وتقديمه لمحاكمة عاجلة.

من المفيد أن نؤكد هنا أن هذا الشاب لا يمثل جموع ضباط الشرطة الشرفاء المخلصين الذين يحترمون القانون. ولا يستطع أحد أن ينكر دور الشرطة فى الحفاظ على أمن المواطن والوطن، فكلاهما وجهان لعملة واحدة: فلا وطن إذا افتقد فيه المواطن الإحساس بالأمن. كما إن المواطن يفقد صفة المواطنة إذا لم يوفر الوطن الأمن والأمان. لا شك أن هنالك نماذج لا حصر لها لرجال شرطة قدموا حياتهم دفاعا عن مواطنين أبرياء غير أن هنالك فئة قليلة من صغار الضباط لا تستوعب حجم مسئولية الوظيفة الأمنية. يقول بوب هيربرت فى صحيفة نيويورك تايمز الصادرة فى 7 مارس 1997م إن رجال الشرطة الذين يخرقون القوانين لا يقدمون أية فائدة للمجتمع، بل إن سلوكهم وتصرفاتهم تقلل من قيمة الجهود الحقيقية التى يبذلها المخلصون من أقرانهم. إن الامتثال للقانون واحترامه يعد جزءا لا يتجزأ من كيان رجل الشرطة الذى يحترم وظيفته، فلا يأتى بأفعال من شأنها أن تقلل من قدرها. لكن يبقى السؤال لماذا سلك شاب صغير هذا المسلك ولاسيما أن والده أستاذ فى ذات الكلية التى تعمل فيها الأستاذة؟

لعل القارئ قد توقف عند عبارة"إنتى مش عارفة أنا مين؟" التى أطلقها الشاب فى وجه أستاذة جامعية زميلة لوالده فى الكلية وتقوم بالتدريس لخطيبته الطالبة فى القسم الذى تتولى الأستاذة رئاسته. وهذه العبارة توضح لنا أن الشاب يظن أن دوره أصبح أكثر أهمية من دور والده الذى كان من الممكن أن يكون المحاضر فى ذلك اليوم المشئوم. قد يقول قائل—وهذا صحيح— إن العمل الشرطى يعتبر من الوظائف التى تمثل عبئا ثقيلا على الجهاز العصبى حيث يواجه المرء يوميا ضحايا القتل والعنف والحوادث وخلافه وهذه الضغوط المتراكمة عبر عشرات السنين تترك أثرها على شخصية الشرطى مهما تمتع من صحة وتوازن نفسى ومهما كان مدربا. وعلى حد قول عالمة النفس الأمريكية بيفرلى أندرسون فإن طبيعة العمل الشرطى قد تغير بشكل ملموس خلال السنوات الماضية حيث إن إدارات الشرطة فى العالم الغربى تبادر بتقديم خدمات نفسية لرجال الأمن وعائلاتهم.

نحن فى حاجة إلى علماء نفس يقدمون لنا شرحا وافيا عن التغييرات النفسية التى تطرأ على شاب كان بالأمس القريب يتلقى المصروف من والده ثم فجأة وجد نفسه فى وظيفة مرموقة يخشاه الناس ويخاطبونه بألقاب كانت متداولة فى العهد الملكى. ويبقى سؤال آخر يبحث عن إجابة: هل هناك إعداد نفسى يواكب هذا التحول فى حياة شبابنا الصغار الذين يجدون أنفسهم فى مواقع السلطة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين


.. الأمم المتحدة التوغل في رفح سيعرض حياة الآلاف للخطر




.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة