الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنّا معكم محتفلون

علي شايع

2010 / 12 / 29
حقوق الانسان


أعلنت أكثر من جهة عراقية إرجاء الاحتفال بأعياد الميلاد هذه السنة لأسباب عدة؛ منها ظاهري، وفيها خفيّ ينمّ عن خشيةً مستقبل لا يستقدم أفراحه؛ وهي مأساة جديدة تضاف إلى مآسي هذا البلد، بعد أن صارت فيه الأعياد مدارات حزن سرمدية، كأنها متبوعة القدر بحرقة شاعر يناجي عيداً مقبلاً:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
وكأني الراغب بإعادة هذه القصيدة، ليس في ذم كافور الإخشيدي حاكم مصر في زمانه، والذي هجاه شاعر العرب الأقول المتنبي في أروع هجائية موثقّة في أرشيف العرب، ولكن لأنه هجاء يستحقّه زمن نعيشه.. زمن يحكمنا بما استنكره الشاعر، مخذولاً من عطاياه؛ كزمن غير منصف.. يهجر الناس فيه أعيادهم طوعاً ومكارهة.. أما الأحبة فالبيداء دونهم، وأما الهجرات فتترى.. فلا عيد له ما دام يسأل:
يـا سـاقِيَيَّ أَخَـمرٌ في كُؤوسِكُما أَم فـي كُـؤوسِكُما هَـمٌّ وَتَسهيدُ؟
فلا ما يسرُّ، ولا ندمان يعيِّدونَ معه.. ما أوحش أن يتنازل الندامى عن عيدهم.
آه ..كم في السنة من أفراح حتى نتنازل عن أعيادنا؟!..
كم علينا أن نتنازل؟! ..
نتنازل حزناً ونتنازل مخافة أحياناً..فإلى متى نؤجل أعيادنا.. ونوفرأفراحنا بمثل لوعته وهو يقول:
أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِناً وَيَداً أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ
لأنه نزل بكذابين ضيفاً..ولأننا استضفنا بعضهم فوق رؤوسنا؛ ممن يقولون سننصف، ولا ينصفون..
وها نحن نتشتت ونبعثر أعيادنا..ننفضها وجعاً وحرقة على الأيام.. فهل سنواصل التنازل؛ أن نحتفل باطناً لذواتنا الخائفة..نختصر العيد حلماً وأمنيات.
كيف سنختصر الضوء العابق من شجرة الميلاد؟.
هل سنقول لمن سيولد؛ لا تنولد..ابق وغياهبك..لا تنبعث إلينا أملاً..أبق روحاً أجمل للكتمان..ولتكن مشيئتك نسياناً مثل مشيئتنا ؛ نؤجل إطلالتك البهية..كل شيء قابل للتأجيل حتى أنت يا ميلاد النور.. نم قرير العين..واترك مريم في مخاضاتها تهزٌّ إليها جذعاً يابساً كلما حرَّكته صرَّ من العطشّ. ابق في عطش أمك غائباً..فلن نحتفل هذا العام..تأجَّل ولا تسأل عن السبب..فالشياطين تسكن في التفاصيل..تفاصيل سيقول ضمنها ناس كثر..لا بل احتفلوا فنحن نحبكم؛ فرحين بكم، وفرحون لكم..فقل احتفلوا إنّا معكم محتفلون.
وليسمح لي القارئ ببعض البوح، وأطلب الإذن لأن المقام هنا أجلّ من أن يقال فيه وجع مفرد، أنه حزن جمعي عميم، ولكني أريد أن أقول إني ومنذ سنوات طويلة أعيش في محيط هولندي يقدس أعياد الميلاد ويصنع لها كرنفالات بيتية مجيدة، لم أقم لها الطقوس، كنت أكتفي بمبادلة الأصدقاء تهاني السنة الجديدة. هذه السنة، وبطلب فريد من أبني الأصغر آدم (6 سنوات) أحضرت شجرة ميلاد مضيئة إلى البيت وها أنا أرقبها وأكتب..هامساً: قل احتفلوا إنّا معكم محتفلون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا


.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين




.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب




.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا