الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شالوم (3) שלום

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 12 / 29
الادب والفن


( أورشليم )
تدخل سارة حاملة شالوم إلى حانوت كبير وسط أحياء أورشليم العتيقة ، يحتوي على تماثيل رومانية وإغريقية وفرعونية وبعض التحف الأثرية القديمة ، ترتفع على جدرانه لوحات زيتية لمناظر طبيعية ، وتتوسطه طاولة مستطيلة مصنوعة من الأرابيسك عليها بعض الأقداح والقوارير ، يحيط بها أربعة مقاعد خشبية مرصعة بالموزاييك والديباج المذهب ومنقوشة بالزخارف القديمة ، في ركنه الأقصى يقف يوسف حاملاً أرياشه الأربع أمام مرسم للوحة تمثل حائط المبكى .
سارة : السلام عليكم
يوسف ( يستدير للأمام ) : سارة ( باسماً ) وعليكم السلام ، أهلاً بأختي العزيزة ، تفضلي .. تفضلي .
سارة ( تجلس مندهشة ) : أوووه ..أكاد لا أصدق ما أراه أمامي من روعة المكان وبهائه .
يوسف ( يجلس ) : حتى الآن لم تر شيئاً مما أعمل على إنجازه ، فلا زلت في بداية الطريق ، ولا تنسي ظروف الحرب الأخيرة ، وأنه لم يمض على افتتاح هذا الحانوت سوى بضعة أشهر .
سارة ( تومئ برأسها ) : أجل .. أجل ، ولهذا ازدادت دهشتي اليوم عن المرة الأولى التي اختطت فيها قدمي عتبة الحانوت لحظة افتتاحه .
يوف ( يسكب الخمر في قدحين مذهبين ) : لكن دهشتي بهذا الطفل الذي تحملينه ، أكبر بكثير من دهشتك بجمال المكان الذي تجلسينه .
سارة ( ترشف من قدحها ) : آه .. إنه حبيبي شالوم .
يوسف ( يرشف من قدحه متعجباً ) : شالوم ! عذراً ، لم أفهم شيئاً حتى الآن .
سارة ( مقهقهة ) : هه .. هه .. هه ، إن هذا الطفل الجميل الوديع ، من الآن فصاعداً ستكون خاله ، وهو سيكون ابن أختك سارة .
يوسف ( متعجباً ) ابنك ! كيف ذلك ؟ أعلم أنك عاقر لا تنجبين ، فمن أين لك بهذا الطفل ؟.
سارة : إن شالوم الآن هو ابني بالتبني ، بعد أن حملته الأقدار ليعش معنا ، وسيصبح بعد فترة وجيزة ، ابني الحقيقي الذي لن يكون له أحد سواي .
يوسف ( يرشف ) : أفهم من ذلك أنك حصلت عليه من الوكالة بعد طول تردد ، أليس كذلك ؟.
سارة : كلا .. ليس من أطفال الوكالة ، لقد عثر عليه زوجي عزرا خلال حرب الأيام الستة في أحياء بلدة مرجعيون بالقرب من هضبة الجولان أثناء انسحاب القوات السورية وفرار سكان الهضبة .
يوسف ( متعجباً ) : أيعقل أن يجده لوحده ، أين ذهب ذويه ، ماذا حل بهم ؟.
سارة ( بأسفٍ شديد ) : لقد قضت أمه في الحرب أثناء محاولتها الفرار باتجاه لبنان ، من الواضح أنها من سكان تلك المنطقة .
يوسف : هذا يعني أنه طفل عربي ...
سارة ( تومئ رأسها بأسى ) : أجل وما الضير في ذلك ؟.
يوسف ( يرشف ) : بالنسبة لك لا ضير على الإطلاق ، لاسيما وأنك ممن يدعون إلى السلام ويعملون لتحقيقه في زمن الحرب .
سارة ( ترشف ) : وماذا بالنسبة لك أنت ؟.
يوسف : أنا ! ( متردداً ) أنا ...
سارة : أجل أنت .
يوسف ( بثقة وثبات ) : أنا ( صمت قصير ) أنا أدعوا إلى الدفاع عن حقنا في الحياة والبقاء أسوة بكل الشعوب الأخرى ، وهذا لا يعني أنني أسخّر فني في خدمة الحرب و أدعوا لها بدلاً من السلام ، لكني أدعو باستمرار إلى كل ما من شأنه أن يصون حقنا في الحياة ، ويكفينا ما أصابنا من أذى وأصاب آباؤنا من ويلات ومحن في مسقطهم بالعراق ومصر وسوريا واليمن والمغرب ، بل وما أصاب أجدادنا في حلهم وترحالهم منذ آلاف السنين .
سارة : إنها مأساتنا جميعاً نحن اليهود الشرقيين عبر مئات القرون .
يوسف : بل ومأساة كل يهودي ، أكان من شرق هذه الأرض المقدسة أو من غربها ، أنسيت ما تعرض له أخواننا اليهود في أوروبا من مآسٍ ومحن قبل عشرات السنين ، والتي تكاد تساوي ما تعرض له أجدادنا على هذه الأرض قبل آلاف السنين.
سارة : بلى .. بلى ، ولكن يجب أن نستمر في النظر إلى الأمام حيث المستقبل لنا ولأبنائنا من بعدنا ، وعلينا ألا نطيل النظر إلى الماضي لئلا نغرق فيه .
يوسف : ماضينا هو تاريخنا الحي الذي لا نستطيع التخلي عنه ، وهو جزء من حاضرنا ، ولن نبني المستقبل دونه .
سارة : أي مستقبل هذا ؟ لا نكاد نخرج من حرب حتى ندخل أخرى ، متى كانت الحرب ضماناً للمستقبل ؟.
يوسف : ولكننا حتى الآن كسبنا كل الحروب التي خضناها ، ولا تنسي ما جرى لذوينا في بغداد ، فقد يجري لنا مثله في أورشليم إذا لم نحافظ على قوتنا واستعدادنا الدائم لأي حرب قد تفرض علينا بين عشية وضحاها .
سارة : لست ممن يؤمن بنظرية الحرب وضرورة الاستعداد لها ، الحرب تخلق المخاوف والقلاقل والهواجس في النفوس ، بينما السلام يعمل على إزالتها ويخلق بدلاً منها الوئام والآمان .
يوسف ( متهكماً ) : ولأجل هذا أسميته شالوم .
سارة ( حاملة شالوم ) : بلى .. ليكون رسالتنا للسلام لا للحرب التي خسر
فيها ذويه .
يوسف : وما أدراك أنه سيكون رسالتنا للسلام ، فقد يصبح جنرالاً مخضرماً كأبيه عزرا ، أو زيراً للدفاع كموشيه ديان .
سارة ( ممتعضة ) : لا وألف لا .. لن يكون إلا كما أريد له أن يكون ، سأربيه خير تربية ، وسأعلمه علماً ينفعه وينفع البشرية جمعاء .
يوسف : يا عزيزتي ، ما أن تسجليه في دائرة الأحوال المدنية باسمك وباسم زوجك ، حتى تبدأ واجبات وحقوق الدولة تترتب عليه كغيره من المواطنين في الدفاع عن الدولة .
سارة : أعلم ذلك جيداً ، وسأقوم بتسجيله قريباً ، لكنني لن أدعه يلتحق بصفوف الجيش .
يوسف : الأمر لا يتعلق بالجيش وحده ، أنسيت أن عليه الالتحاق بمعهد التعاليم التوراتية ، هذا عدا عن التحاقه بالمدارس العامة .
سارة : لم أنسَ على الإطلاق ، لكني ما زلت مصرة على موقفي الثابت ، لن أدعه يلتحق بالجيش ولا بالمعاهد الدينية ، سأعلمه في المدارس الأجنبية وعلى نفقتي الخاصة ، كما لن أدعه يحتك بالأحزاب السياسية .
يوسف ( يقف حاملاً قدحه ) : لقد جعلتِني في حيرة من أمري ، مرة تقولين أنك لن تدعيه يصبح عسكرياً ، وأخرى لا تريدينه يتلقى التعاليم الدينية ولا أن يحتك بالأحزاب السياسية ، فماذا تريدين منه إذن ؟.
سارة : أريده أن يصبح متفتح الذهن ، متنور البصيرة ، يحمل ثقافة السلام في ثنايا عقله وقلبه .
يوسف : هكذا إذن ( يسير باتجاه مرسمه ) لا شك أنها فكرة جميلة ( يستدير متهكماً ) سأعمل على رسمها .
سارة ( حاملة شالوم ) : ليست بحاجة للرسم ، لكنها بحاجة للإيمان بها ( تهم بالخروج ) وداعاً ( تغادر المسرح ) .
يوسف : وداعاً .. ( مخاطباً نفسه ) امرأة غريبة الأطوار ( يدخل إلى مرسمه ) .
* * *
إظلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظة بسيطة
حوا بطواش ( 2010 / 12 / 31 - 08:00 )
ارى ان هذه القصة تنطبق اكثر على اليهود الغربيين (الاشكناز) ولا ادري لم اخترت ان يكون ابطالها من اليهود الشرقيين، لأن الشرقيين اعتقد انهم اكثر تعصبا وكراهية للعرب ولا يفكرون بالطريقة التي جاءت في القصة، وحالتهم الاجتماعية الاقتصادية متدنية اكثر بحيث يصعب عليهم ان يعلموا ولدا بالتبني في مدرسة خاصة على نفقتهم الخاصة ولا ينادون برفض الخدمة العسكرية، هذه احداث تنطبق اكثر على اليهود الغربيين برأيي وبعيدة عن اليهود الشرقيين. اما ان تسلم اليهودية على اخيها بالسلام عليكم فقد وجدتها غريبة لأن هذه تحية الاسلام فكيف وصلت الى اليهود؟ الافضل كان ان تقول: السلام لك او شالوم.
تحياتي لك اخي ثائر


2 - تعقيب
ثائر الناشف ( 2010 / 12 / 31 - 08:43 )
الأخت حوا .. ملاحظاتك في غاية الأهمية
قد تكون القصة التي تدور حولها أحداث المسرحية مناقضة لواقع اليهود الشرقيين ( السفارديم) لكن لا بد من تقديمها بهذا السياق لعدة اعتبارات
أولا : يجب ان يقنع اليهودي الشرقي قبل الغربي بحتمية السلام ، وبالتالي فإن هذه المسرحية جاءت لتذكره بأن لا معنى لوجوده من دون السلام
ثانيا : بقدر ما يكون نص هذه المسرحية قريبا من أحداث نص عائد الى حيفا للراحل غسان كنفاني ، بقدر ما هو بعيد عنه من حيث اختلاف الظروف والأحداث التي تدور حولها حبكة النص
الاتفاق بين النصين أنه ثمة طفل عربي يتربى لدى عائلة يهودية .. ومن بعد ذلك يبدأ التباعد في سرد الأحداث
بالنسبة لتحية السلام ، أرى أنها موضع اتفاق بين اليهود والمسلمين
فالمسلمين يقولون : السلام عليكم
واليهود يقولون : شالوم ليخا .. بما يعني السلام لك أو عليك
دمت بألف خير


3 - الى نسرين خلف
حوا بطواش ( 2011 / 1 / 1 - 15:09 )
وصلني تعليقك الذي كان موجها لي واقول لك عزيزتي اني اتفهم كل ما ذكرت وكل هذا الحقد ضد القتل والاجرام خصوصا من قبل من تعرضوا للاذى المباشر. ولكن ذلك جانب واحد فقط من الصراع ولا ارى فائدة من هذه الطريقة في التفكير لأنها لا توصل الى شيء، لا توصل الا الى المزيد من القتل والحروب والدمار وكلنا في غنى عن ذلك. نريد ان نعيش بأمن وسلام جنبا الى جنب ولا أرى حلا اخر في الوضع الراهن. اما ما قصدته من الحديث عنهم بطريقة متمدنة وعقلانية فهو الا نعمم ونعتبر دائما كل اليهود قتلة ومجرمين فبينهم اناس محترمون جدا (بعضهم يكتبون المقالات في الحوار المتمدن) يدعون الى السلام ووقف القتل والظلم والتمييز والاضطهاد وللمساواة في الحقوق. ولو انهم اقلية صغيرة للأسف الشديد.


4 - الى حوا سكاس
شهود ابراهيم ( 2011 / 1 / 2 - 23:43 )
سيدة حوا
لا ارى اي بارقة امل في ظل الوضع الراهن وخاصة بعض سقوط الالاف المدنيين في غزة وما زال حمام الدم العربي في الضفة مستمر حتى اليوم عدا عن هدم المنازل لاسباب واهية ونهب الاراضي و الحفريات التي لا تنتهي تحت المسج د الاقصى بالاضافةالمستوطنين الذين لا يملون الصدام مع العرب هناك
فعن اي سلام تتحدثين؟!
حتى هنا هناك من لا يسأم من الشتم و الاهانة للديانات الاخرىمع لنه اسمه حوار متمدن!!! لاحظي تعليقات البعض على الجزء الاول من القصة

كم اتمنى ان نعيش بأمان تحت مظلة العدل والانسانية بعيدا عن العنصرية والكراهية

اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال