الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من كردستان إلى تونس: شرارة ثورة الشغيلة

أنور نجم الدين

2010 / 12 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


غالبًا ما تعطي الإحصاءيات الرسمية صورة براقة عن الوضع الاقتصادي في تونس أو كردستان، وتصف ما أنجز في تونس في العقدين الأخيرين بأنه "معجزة اقتصادية".
أما خلافًا للإعلام، يرى الكثير من المراقبين أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير مستقرة إطلاقًا. ورغم أن الادعاء بأن تونس تمكن من تجاوز أزماته الاقتصادية، ولكن لا تنتهي الدولة بعلاج مرض من أمراضها حتى يظهر مرض آخر، أشد خطورة من السابق، مرض تنعكس فيه الأزمة العامة للرأسمالية العالمية. وأن العوامل التي أشعلت الاحتجاجات في محافظة سيدي بوزيد ومدنها وقبلَها مدينة بن قردان والرديف تمتزج فيها الصورة المجسمة للرأسمالية العالمية والتونسية، فالبطالة والفقر هي الأسباب الفعلية لانفجار الجماهير الغفيرة في تونس، فحسب المراقبين فقد ارتفعت البطالة من 14.2% عام 2008 إلى 14.7% عام 2009. أما منطقة الجنوب الغربية، حيث تقع مدينة سيدي بوزيد، تتجاوز فيها نسبة البطالة، والفقر، والمستوى المعيشي المتدني بالمقارنة مع المناطق الأخرى في البلاد.

الاقتصاد التونسي:

تشمل الصناعات التونسية الصناعات الغذائية، والنسيج، ومواد البناء، والزجاج، ومواد كهربائية وميكانيكية، والمناجم، والطاقة .. إلخ. وفيما تخص الصناعات الاستخراجية -المناجم، والكهرباء،... إلخ- تقف تونس في رأس القائمة في حجم الصادرات الأفريقية.

ورغم تتبع منهج إصلاحي ليبرالي منذ عام 1986م، والانفتاح أمام المستثمرين والشركات الخليجية، واليابانية، والأمريكية، ثم شراكتهم مع أطراف تونسية، وارتفاع القدرة التنافسية للتونس في أفريقيا، وتقدمها على العديد من الدول العربية مثل سوريا والأردن، والأوروبية كالبرتغال مثلا، حسب المراقبين، وازدياد الدولة لملكيتها وتعزيز موقعها في القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال سيطرتها على القطاعات الأساسية، وتأسيس الشركة الوطنية للسكك الحديدية، والشركة التونسية للملاحة، وتأميم القطاع المصرفي، وشركات الكهرباء، والغاز، والماء، والنقل، والمشاركة بـ 50% في رأس المال شركات الطيران، وتطور الصناعات التكنولوجية، حيث تحمل طائرات البوينغ الأمريكية والأوروبية بصمات تونس، حسب CNN، هذا بالاضافة إلى صناعة البرمجيات، والتكنولوجيا المعلوماتية، وتأميم الزراعة التي كانت بحوزة الفرنسيين والإيطاليين، وتحويل ملكية الأراضي إلى الدولة، وتشجيع السياحة، والفلاحة وتحقيق نسب وافية من المواد الغذائية، والحبوب، وتربية المواشي، فمع كل ذلك، دخلت تونس دورتها الاقتصادية الخانقة، فأكبر الاقتصاديات الرأسمالية في العالم، نقلت اليها أمراضها الاجتماعية، فالتقدم الرأسمالي لا بد أن يجلب معه السمات الاجتماعية للرأسمالية وأمراضها أيضًا.
فها هو العالم يتابع باهتمام حركة الشغيلة في تونس، ويسجل التاريخ على صفحاته الجديدة نضالات طبقية في الشرق والعالم العربي ليست لها علاقة بمطامح البرجوازية الوطنية المتعفنة، فالبرجوازية الوطنية كانت يومًا من الأيام تخدع الناس بأن الوجوه الأجنبية في منطقة الشرق هي التي تؤدي إلى الفقر، وتخلصت تونس، مثل العراق، ومصر، والجزائر، وكردستان من هذه الوجوه القبيحة منذ أمد غير قريب، والحكام الموجودون ذوو وجوه أقبح، هم من مواطني بلدانهم وليسوا أجانب، ولكن مع ذلك لم تتخلص هذه البلدان من الفقر، والبطالة، وتدني المستوى المعيشي للشغيلة رغم وجود الثروات الاجتماعية التي لا نهاية لكبرها وحجمها. وعلى عكس شعوب العالم الذين لهم رئيس واحد، ففي كردستان العراق لدينا رئيسان -جلال الطالباني ومسعود البارزاني- ومع ذلك فقد شاهَدْنا نفس التراجيديا التونسية بنفس السبب الاجتماعي، ففي 23/3/2009 حرق (آري طاهر) في مدينة السليمانية نفسه، وقد كان خريجًا جامعيًّا وعاطلا عن العمل.

كردستان:

مع تطور الصراعات الاجتماعية في كردستان العراق، وصل الصراع بالفعل إلى حد تهديد الدولة القومية الكردية والوجوه القبيحة للقوميين الكرد ما بين عامي 2006 - 2009، فانفجرت الجماهير الشغيلة في كردستان إزاء لصوصية السياسيين والازدياد في الفقر والبطالة، وجابهت الجماهير بعنف أسياد الدولة التي أصبحوا كبار الرأسماليين في العالم خلال أقل من عشرة سنوات من حكمهم الطبقي في كردستان. ورغم الازدياد في البطالة، وارتفاع الأسعار، وأزمة السكن، فلا نسمع من الإعلام الرسمي في كردستان سوى جرائم الشرف، ومشكلة ختان الفتيات.
ومن جهة أخرى، فإن السياسيين الكرد يحاولون خلق فضاء متوتر مليء بالصراعات القومية في العراق؛ لإنعاش الشعور القومي في كردستان بحجة (حق تقرير المصير)، وجر الجماهير إلى لعبتهم السياسية الخداعة، ثم إنقاذ سلطتهم من خوف الهجمات الجماهيرية المحتملة. وكل هذا بدعم من حمامة السلام -أمريكا العظمى- لجلال الطالباني ومسعود البارزاني، والآن وبفضل هؤلاء الخدَّاعين، ننتقل من الخدعة الاشتراكية السوفييتية السابقة إلى الخدعة الديمقراطية الأمريكية الحديثة.

أما نوشيروان مصطفى، الجلالي العريق، والمشارك في كل دعم قدمته مجموعة جلال الطالباني لسلطة البعث في العراق في الفترة ما بين 1966 - 1970 وأثناء مفاوضاتهم مرة أخرى مع البعث وضد الحركة الجماهيرية في كردستان العراق في عام 1984، وفي منع كل محاولة ثورية لتطوير الانتفاضة المسلحة في كردستان في عام 1991، والتحضير للهجوم نحو العاصمة بغداد، وفي كل الجرائم التي ارتكبتها حركة جلال الطالباني إزاء كل الأحزاب السياسية في كردستان، ثم الأفراد، والحركات الثورية، ساهم بشكل جدي، وبمساعدة الأطراف الأخرى، في إعادة سيطرة السلطة على الجماهير الغاضبة بأسم حركة "التغيير".

هذه هي البرجوازية الوطنية والقومية، فنموت على أرض أجدادنا، وعلى تراب الوطن من الجوع والفقر؛ لأننا لسنا من نفس دم الحشرات السياسية التي تقود الدولة، فالدولة هي الدولة مهما يكن من شكلها: الاستعمارية، الوطنية، القومية، العربية، الاسرائيلية، الكردية. وأن الانتفاضة التونسية تتعلق بالتحديات البروليتارية الحقيقية التي تجابهها الرأسمالية العالمية في كل بقعة من بقع العالم، بما فيها تونس وكردستان على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فأسياد الدولة يريدون الوطن ويسيطرون على ثرواتهم الوطنية والاجتماعية لجعلنا عبيدهم.

فالعار لعروبتكم، وصهيونيتكم، وكُرْدِيَّتِكم!
ليسقط عالمكم ولتعش ثورة الشغيلة!
ولتسقط سيادة الإنسان على الإنسان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البنى الاقطاعية في كردستان
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2010 / 12 / 30 - 18:27 )
الصديق انور
تحية لك ولكل قراء الحوار
اول مرة اقرأ خطاب discours يهدم البنى الاقطاعية في كردستان العراق التي بنظر البعض على انها واحة الديمقراطية.
كردستان العراق هي الشرارة الاولى في انتقاضة الجوع والحرية في عراق الحاكم بامر الله بريمر وتلاميذه الحاليين
شكرا لك انور ومزيد من المحبه للذين معك


2 - الرفيق العزيز انور
فؤاد محمد ( 2010 / 12 / 30 - 20:46 )
كل عام وانتم وجميع الرفاق في الحوار المتمدن في تالق وعطاء زاهر
لقد مسحت بالنور عيني وعقلي وانا فرح وسعيد لاني تخلصت من الخداع السوفيتي ورجعت الى الينابيع الماركسيه الاصيله
باقة ورد حمراء قرنفليه
اعانقكم


3 - العزيز الاستاذ جاسم
أنور نجم الدين ( 2010 / 12 / 31 - 06:40 )
ان الحركة الكردية لم تظهر إلا بوصفها رد الاقطاعيين للحركات الفلاحية في كردستان العراق في الاربعينات والخمسينات القرن الماضي. واليوم تمثل الحركة هذه، وحكومتهم ، وبرلمانعم، وديمقراطيتهم، البرجوازية وبقايا العلاقات القديمة.
أما سياسيا فيتلخص الدور التاريخي لجلال الطالباني، ومسعود البارزاني، ونوشيروان مصطفى في احتواء الحركات الثورية لصالح حكومات المنطقة: العراق، وسوريا، وايران، وتركيا، واليوم يقومون بحماية المصالح الآمريكية في المنطقة.
انظر الموقع الآتي رجاء: (الحركة الكردية: من نزاع البارزاني والطالباني، إلى نزاع الطالباني ونوشيروان)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=204488


4 - العزيز الاستاذ فؤاد محمد
أنور نجم الدين ( 2010 / 12 / 31 - 06:44 )
كان الحزب الشيوعي العراقي له دور كبير في تعريف الحركة الكردية بحركة ثورية، وفي جعل حركة البروليتاريا حركة ذيلية وراء البرجوازية الوطنية في العراق والقومية في كردستان. وفي ستينات وسبعينات القرن الماضي، كانت القوات العسكرية للحزب الشيوعي بجناحيه اللجنة المركزية والقيادة المركزية، جزء من القوات العسكرية لمصطفى البارزاني.
ولكن في الواقع لم يمثل البارزاني والطالباني وحركتهم سوى المصالح الطبقية الخاصة للاقطاعيين والبرجوازيين. ومن لا يصدق كلامنا فلينظر الى الثروات الشخصية والسلطة الالهية لهؤلاء البرجوازيين.


5 - انتفاضة سيدي بوزيد
محمد المثلوثي ( 2011 / 1 / 2 - 19:00 )
في الواقع فان انتفاضة الكادحين في سيدي بوزيد بتونس ليست سوى امتداد طبيعي للانتفاضات المحلية التي سبقتها وخاصة منها انتفاضة الحوض المنجمي بالجنوب. لكن ما يميز هذه الانتفاضة الأخيرة هو في جانب قدرتها ولو بشكل لايزال غامضا على تجاوز المطالب المباشرة الى وضع النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي نفسه موضع السؤال. وفي جانب آخر مستوى التضامن الجماهيري الواسع الذي حظيت به هذه الانتفاضة حيث شهدت عديد الجهات الأخرى موجة من الاحتجاجات والمصادمات برغم القمع والمحاصرة الكبيرتين التي واجهت به السلطة هذه الحركة. ولعل ما يؤكد هذه الحالة من التضامن هو اضطرار وسائل الاعلام المحلية التي كانت متعودة على الصمت المطبق والتعتيم الكامل الى فتح أبواب دعايتها للحديث عن -مشاغل البطالين- و-سوء تصرف الادارات المحلية- ودعوة رؤوس الأموال الخاصة الى الاستثمار في -المناطق المحرومة- لحل مشكلة البطالة المتفاقمة. كذلك مبادرة السلطة الى تقديم الوعود برصد المليارات لصالح ما يسمى بالمناطق الداخلية. لكن هذه الخدع لم يعد بامكانها وقف هذه الموجة الاحتجاجية التي رغم خفوتها المؤقت فانها مرشحة لمزيد التطور والتجذر

اخر الافلام

.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام