الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاعدون... قاعدون

سهيلة بورزق

2010 / 12 / 30
الادب والفن



, أنتظر الميترو في قلق، كنت على موعد مع مسؤول التوظيف، طلبت قبل أيام العمل كنادلة في مطعم شهير في احدى شوارع واشنطن، بصراحة الوظيفة مغرية وحساسة، لأنني سأتعامل مع زبائن من شكل خاص.
ماذا يعني ذلك؟، لا أدري فأنا مغامرة في اختياراتي رغم أنّه لم يسبق لي العمل كنادلة من قبل،لكنّني سأكذب على مسؤول التوظيف وسأكتب في ملف المعلومات انني حائزة على شهادة تدريب متخصصة في التعامل مع الزبائن ثقيلي الّدم … طبعا لن أضيف هذه الجملة حتى لا أفهم خطأ، فمشكلتي مع الرّجال أنّني دائما أفهم خطأ.
تأخر الميترو اللّعين، بداية سيئة ، سيفهم المسؤول أنّني غير مبالية…ياااه … تذكرت ، فأنا حقا امرأة غير مبالية، عندما تقدمت في السن أصبحت الأمور الحياتية كلّها لها طعم تافه…،أصبحت أكره كلّ ما له علاقة بالتنظيف مثلا،رغم أنّ زوجي هددني بالطلاق أكثر من مرّة اٍن أنا تماديت في قلة اهتمامي بتنظيف البيت، كنت أجد العملية تافهة، وبدل المسح والكنس، كنت أجلس في شرفة المنزل أتأمل العصافير وهي تنتقل من شجرة اٍلى أخرى، أو أستمع اٍلى موسيقى” موزار “…ولا أدري لماذا خلقن النّساء وحدهن لتنظيف الأمكنة.


قرأت صحيفة ” واشنطن بوسط ” كلّها ولم يصل الميترو بعد، في الجانب الآخر من الرّصيف كان رجلا أصلع الرأس يراقبني باشتهاء، كنت يومها أرتدي تنورة قصيرة جدا بالمقاييس العربية، حتى أغري مسؤول التّوظيف، تفكير مخل أليس كذلك؟
لا أدري بالتحديد بماذا هو مخل، لكن العقلية العربية ترجح كلّ شيء اٍلى الأخلاق، ورغم ذلك تبقى هي الوحيدة التي من دون أخلاق…
عيب… عيب..الأصلع ، المقرف يشير اٍلى عضوه باٍصبعه، ماذا سأفعل في حالتي هذه، هل أقفز اٍليه من رصيفي وألطم وجهه بصفعة ؟ أم أتصل بالرقم 911

وصل الميترو أخيرا، جلست على أوّل كرسي صادفته، وبدأت أفكر فيما سيدور بيني وبين مسؤول التّوظيف، قيل لي اٍنّه من جنسية آسيوية، له أكثر من عشرين سنة خدمة في المطعم،
أنا مضطرة للخوف وللحذر اٍذن…مضطرة للكذب بشكل ذكي حتى أقنعه بمواهبي…

اقترب منّي الأصلع وطلب اذن الجلوس بجانبي، لم أرد عليه، لكنّه جلس وعاد يتحسّس عضوه بشكل مقزز، كانت التنورة تفضح ما فوق الركبة بكثيييير، ، أسمع دقات قلبه تعلن الطوارىء، والغريب أنّه راح يسألني عن جنسيتي قلت له ورأسي في الصحيفة، أنا من بلد بعيد لا يعرفه
من الصين؟
لا …أبعد
غريب
وما الغرابة في ذلك؟
أي بلد بعيد هذا؟
هل تعرف قاعدون، قاعدون؟
لا
أنا من هناك
لم أسمع بهذا البلد من قبل
لأنكم أنتم الأميركيون لا تعرفون اٍلا أنفسكم
أنا لست أمريكيا
ولما؟
أنا من أصل آسيوي
أنت أشقر
أمي بريطانية
اممممم
هل تعملين في واشنطن دي سي؟

عندي موعد مع مسؤول التوظيف للعمل في مطعم مشهور
وهل سبق لك العمل في مطاعم من قبل؟
بصراحة لا، لكنّني سأكذب وأقول غير ذلك
وماذا اشتغلت من قبل
خادمة عند زوجي
يضحك
وطوال سنوات زواجي منه لا يتوقف عن تهديدي بالطلاق اٍن نسيت غسل آخر ملعقة في المطبخ
من أي جنسية هو؟
من القاعدين
يضحك
طبعا لا تعرف أين تقع
يضحك
والأدهى أنك تضحك من دون سبب
يضحك
أوووف
وصل بنا الميترو اٍلى المحطة، كنت على عجل من أمري، فأنا متأخرة بنصف ساعة على الموعد
مشيت مسرعة، والأصلع مايزال يلهث خلفي
هل هذا هو طريقك؟
نعم، أنا متأخرة
هو طريقي أيضا
اٍلى أين أنت ذاهب؟
اٍلى العمل
الآن؟
نعم
هل تعمل بعد الرابعة مساء؟
ليس دائما
وصلت
وجدته يدخل معي المطعم ويبتسم
اٍلى أين أنت ذاهب؟
هنا عملي يا سيّدتي
طيب
اختفى بعدها… اقترب منّي شخص وسألني اٍذا كنت أريد مساعدة، فأخبرته أنّ لي موعدا مع المسؤول الفلاني، طلب مني الانتظار في ركن خاص
كان المطعم بورجوازي الهندسة والديكور، وشكل الزبائن المغري يدعوني للتلصص على أحاديثهم، كنت أتأمل المكان وأحلم بالوظيفة
جاءني من الخلف صوته…
أهلا بالقاعدين
استدرت…هو الأصلع بشحمه ولحمه وعضوه
ارتبكت…
أنا موافق على توظيفك بشرط واحد…وعضوه يكاد يمزق فتحة السروال
قلت له… أنا لم أعمل من قبل في أي مطعم، ولا أجيد التّعامل مع الزبائن، واقامتي في أمريكا غير شرعية، وعندي سوابق…

وخرجت…
يومها نظفت البيت أكثر من مرّة وقررت التّوقف عن الجلوس في الشرفة، وقررت الاستماع اٍلى صوت زوجي بعينين مغمضتين وهو يزمجر قاعدا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحملين روح الثائر ، وهذا جذاب جداً
الحكيم البابلي ( 2010 / 12 / 30 - 10:55 )
يبدو أن بابا نويل يسمع طلباتنا حتى بعد كرسمس بايام
فقبل ساعات تمنيتُ لو تعودي لنشر الأدبيات وليس المقالات في موقع الحوار
وها هي الأمنية تتحقق ... شكراً
تحية للسيدة الأديبة سهيلة بو رزق
قصة ظريفة وجميلة رغم أنني توقعتُ نهايتها ، ولا أريد ان أدري لماذا
القصة كانت ممتعة وفيها روح شقاوتك ومشاكساتك والتي هي السر الجميل في أسلوبك ، فأنت تكتبين بما تفكرين وبلا حياء شرقي غبي لم يعد له مبررات في عالم متحضر لا يشكل الجسد في آفاقه أية عقدة
تكتبين بطريقة تقول للقارئ المزدوج المعايير : طز فيك وفي رأيك ، أنا أكتب لأحرار الفكر ، فمن أنتَ ؟
اعجبتني جداً الفقرة التي تقول : ( كنتُ يومها أرتدي تنورة قصيرة جداً بالمقاييس العربية ، حتى أُغري مسؤول التوظيف ، تفكير مُخِل اليس كذلك ؟
لا أدري بالتحديد بماذا هو مُخل ، لكن العقلية العربية ترجح كل شيئ إلى الأخلاق ، ورغم ذلك تبقى هي الوحيدة التي من دون أخلاق ..) . رائع
وخاصةً السطر الأخير ، لأنه مواجهة
ملاحظتي الوحيدة أنه كان من المستحسن أن لا تذكري بأن الأقرع دخل معها في نفس المطعم ، لأنك افسدت المفاجأة في النهاية على القراء
ننتظر المزيد... تحياتي


2 - شكر
Dr. Jamshid Ibrahim ( 2010 / 12 / 30 - 18:13 )
تحياتي لنزاهتك و صراحتك نحن في حاجة الى المرأة الجريئة التي لا تختفي وراء حجاب الحياء
تمتعت بقراءة القصة و كنت اتمنى ان اشرب القهوة المرة في المقهى قدمت بيد حلوة ارجو ان تعدلي عن قرارك لكي استطيع زيارة المقهى
لك احترامي و تقديري


3 - تحيات
جواد الديوان ( 2010 / 12 / 31 - 16:17 )
قصة رائعة، الرجل الاسيوي لا يتبدل حتى في امريكا. وفي غربتي كنت ارجو دوما ان اشرب قهوة مرة من نادلة جميلة. وتحقق ذلك مرات. النقد لكثير من ظواهر العالم العربي ضرورة لنتقدم

اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس