الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى -ريدينس داي- .. عربي

سعيد مبشور

2010 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


في ساحة تايم سكوار بنيويورك، يحتفل الأمريكيون بمقدم العام الجديد بطريقة خاصة جدا، إذ تنصب سلة مهملات عملاقة يلقي فيها أناس كثيرون أوراقهم التي كتبوا عليها ذكرياتهم الأليمة مما مر عليهم خلال السنة المنصرمة، فيهدفون بحركتهم هذه إلى طي صفحة العام الماضي ورمي مخلفاته وراء ظهورهم، ويسمون يومهم هذا الـ "Riddance Day"، وهو يوم للتخلص أساسا من عوالق الماضي.

إن الميزة الأساس لهذا العمل هو كونه يفتح نافذة أكثر إشراقا على المستقبل، ويستشرف عاما أكثر حسنا من سابقه، ويبرز إيمان المشاركين فيه بالتغيير وإمكانية التحول نحو الأفضل.

ولعل الأمريكيين على وعي باحتياجهم اليوم إلى نسيان الذكريات الحزينة، فالأزمة الاقتصادية الضاربة أطنابها في الجسد الأمريكي، وجراحات العديد من العائلات جراء المغامرات المتكررة للجيش الأمريكي في بؤر مثل العراق وأفغانستان، هي بالتأكيد مخلفات يرغب كل أمريكي في نسيانها ورميها في سلة مهملات وإن كانت استعراضية في وسط مدينة نيويورك.

في عالمنا العربي لا توجد ساحة واحدة مثل تايم سكوار، ولربما حتى في شكلها، ولا وجود لسلة مهملات نستطيع رمي ذكرياتنا السيئة فيها، ربما لأن الجرح العربي متعدد، ولا يكاد ينقضي يوم دون أن يسجل العرب في دفاتر أيامهم نكئا جديدا.

عام 2010 العربي، كان عام التفتيت والشرذمة بامتياز، فما كاد ينتهي حتى كان السودان قد صار في حكم المنشطر بين الشمال والجنوب، فيما تشهد اليمن "حراكا" متصاعدا لعودة حالة ما قبل الوحدة، وفي المغرب تعالت أصوات الانفصال، غير عابئة بطرح جدي وواقعي وفعال للحكم الذاتي اقترحه الملك محمد السادس لإنهاء عقود من الصراع حول الصحراء المغربية، بينما صعد القبائليون من وتيرة المطالبة بالاستقلال عن الجزائر ولو بطريقة "فنية" عبر المطرب الأمازيغي فرحات مهني، وشهد العراق ترسيم الطائفية وخطى حثيثة لعدة أطراف نحو فرض "الفدرلة" على الأرض وتقسيم ما تحتها من خيرات باطنية، أما في فلسطين فحدث ولا حرج، حيث تحول الانقسام إلى قاعدة وبدا كأن فرص الوحدة الوطنية تتراجع كلما تقدمت إلى الأمام.

في العام 2010 العربي، عادت لغة الفتنة بين السنة والشيعة إلى الواجهة، وأرخت بظلالها على بلدان عدة، في مقدمتها لبنان وبعض بلدان الخليج، كما تأكد مجددا أن القرار العربي ليس ملك نفسه، وأن الكرامة العربية تستجدي يدا من خارج رحمها كي تقدم لها المساندة، فكانت إيران أكثر الخائضين في كل الزوابع التي عرفتها المنطقة، وهو خوض طبيعي بالنظر إلى أنها دولة آخذة بمنطق القوة والمنعة، ومتمكنة من قرار محيطها الإقليمي، وتلتها تركيا التي دخلت على الخط المركزي منذ أحداث غزة الدامية، فشدها الحنين إلى ريادة يستحيل أن تحققها في محيطها الأوربي.

وزاد الطين العربي بلة غسيل الديبلوماسية الأمريكية المنشور على الأنترنت، حيث كان للعرب نصيب كبير من المشاهد "الإباحية" في حفلة "التعري" العالمي التي أقامها موقع "ويكيليكس".

ويبدو أن الكرة لا تنوي مفارقة الملعب العربي حتى العام 2022، لتعيش إمارة قطر حلما مستديرا قد لا ينتهي باستضافتها لكأس العالم، وإن أثارت هذه الاستضافة الجدل في مهدها.

في سالف العصر والأوان، كانت أيام العرب كما يرويها لنا التاريخ حروبا وصولات وجولات من الحماسة والفروسية والبطولة، تركت لنا إرثا ضخما من الأدب والفن والحكمة الإنسانية لا يمكن تجاهله بأية حال.

أما في أيامهم هذه، فيبدو أنهم في أشد الحاجة إلى سلة مهملات قد لا تسعها كل الساحات العربية، لنرمي فيها مجتمعين واقعا رديئا، في زمن لم يبق فيه من العربي إلا اسمه ومن مشروع الوطن الكبير إلا رسمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساع للتوصل إلى توافق في قمة سويسرا بشأن أوكرانيا للضغط على


.. قائد قوات الدعم السريع: بذلنا كل ما في وسعنا للتوصل إلى حل س




.. الناخب الأميركي على موعد مع مناظرتين جديدتين بين بايدن وترام


.. خلافات في إسرائيل إثر إعلان الجيش -هدنة تكتيكية- في بعض مناط




.. إذاعة الجيش الإسرائيلي: غالانت لم يعرف مسبقا بالهدنة التكتيك