الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة العمل السياسي بين الشباب أم ازمة السؤال

موريس عايق

2004 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


هل هناك ازمة للعمل السياسي بين الشباب؟ أو بتعبير اخر هل هناك عزوف شبيبي عن هذا العمل او حتى العمل ذي الطبيعة الاجتماعية؟ هذا التساؤل كثيرا ما نسمعه وعموما بطريقة تفصح عن الاجابة الموجودة ضمنا وهي الموافقة على ان هذا الامر موجود ( والحالة هكذا بكل اسف) , ولهذا نسمع عدد من الاحزاب التي تتحدث باسف عن هذه الحالة وانعدام اهتمام الشبيبة بالقضايا السياسية او النضالية , وعن ايامها السالفة , يوم كانت الجامعة او حتى المدارس الثانوية مراكز للحركة الوطنية .
والاطرف ان هذا التقييم انسحب حتى اصبح هناك شبه اجماع لدى الاجيال الاكبر , واصبح هذا الجيل ذو تقييم سلبي - بطرق مختلفة- فهو سلبي , غير مبال , ولا يتحمل المسؤولية.
حتى الان نحن ضمن السياق الوصفي ومحاولات التفسير نادرة , البعض يعزي السبب الى الانظمة, وآخرون الى الهزيمة للاديولوجيات الكبرى, وآخرون وبكل بساطة الى الجيل الفاشل نفسه.
لكن هل هذا التساؤل بالاساس صحيح؟ هل هناك ازمة للعمل السياسي او الاجتماعي لدى هذا الجيل كما توحي الصورة المباشرة؟
عدد الشباب الموجودين في الاحزاب قليل جدا ,بل ان بعض الاحزاب - الكثير منها- لا توجد اصلا ضمن القطاعات الشبيبية, وهي معزولة بشكل شبه تام عنها. واصوات الشباب قلما تعلو دفاعا عن الديمقراطية او الحريات (ربما باستثناء لبنان وهو على كل حال ليس استثناء تاما فحتى الشباب المسيسين يمثلون اقلية) وقلما يستطيع حزب ان يحشد عددا مقبولا في اي من فعالياته, اما المظاهرات الشبيبية التي تنطلق من الجامعات او المدارس الثانوية فقد اصبحت من الذكريات وتراث للمتاحف.
لكن على الرغم من كل هذا فالصورة غير صحيحةة ولحد ما مزيفة. فالشباب مهتمون بقضايا كثيرة ونادرا ماتخلو جلساتهم من المواضيع السياسية او العامة , والمظاهرات الداعمة للانتفاضة او العراق ما تزال ماثلة للذهن. ايضا ان الشباب عمليون اكثر من الاجيال السابقة فهم اقل احلاما, واقل اوهاما , وحتى افق احلامهم _بكل اسف_ اخفض كثيرا, لكنهم اكثر تساؤلا حول الوسائل واكثر تقديرا لقوتهم وضعفهم, وبالمجمل اقل تواضعا في تقييم قدراتهم.
ان الطلبة الجامعيين يختلفون تماما عن الطلبة في ازمنة ماضية, فتلك عاصرت مشروع الدولة الوطنية(الناصرية مثلا) التي كان التعليم من اهتماماتها الكبرى لبناء الاقتصاد الوطني القادر على تحدي الامبريالية والاستعمار والاستقلال. الطلبة _وهذا هام_ كانوا على الاغلب اول افراد اسرهم الذين يدخلون الجامعة, ومن ناحية اخرى فالعمل بعد التخرج هو امر مضمون تماما ولا شك في هذا , فالدولة توظف الجميع وباجور مجزية, وهذان الامران معاكسان تماما للواقع اليوم, فقسم كبير منهم من اسر متعلمة, ومن ناحية اخرى , الاغلب منهم سيتخرج ليضع شهادنه على الرف(كما يقال).
وعلى الرغم من هذا نشاهد اقبالا هائلا على الدراسة الجامعية لانها ما تزال في وعي الاهل ( وهم ينتسبون الى طبقة وسطى حققت مكانها خلال فترة الدولة الوطنية) مرتبطة بالحفاظ على امتيازات طبقية حصلتها عن طريق رأسمالها الوحيد وهو الشهادة الجامعية في عهد التوظيف العام لكل الخريجين, وهي فوق ذلك امتيازات تصبح مع الزمن متآكلة تماما ومنافعها الظاهرة اقل واقل. ونحن نلاحظ احاديث كثيرة عن جدوى التعليم الجامعي وفوائد الصنعة او العمل المهني البعيد عن الدراسة( وحتى من المعاهد المهنية) وعلى الرغم من هذا يبقى الاقبال على الجمعات هائلا كون الطبقة الوسطى (والتي تنهار) ما تزال محافظة على وعيها المرتبط باوضاع سابقة ولا ترغب بالاعتراف جهارا بتغيرها فهي وان لم تعد تحيا في مستوى حياتها السابقة لكنها تفضل ان تحياها في اوهامها , عوضا عن الاعتراف الحقيقي بهذا (وهم جميل افضل من واقع بائس) , وكذلك خوفها من مواجهة واقع كونها لا تملك اي شيء لأبنائها, ومن ناحية اخرى يدل على انغلاق آفاق العمل الصناعي والمهني بسبب اوضاع اقتصادية اكثر مأساوية.
وكون الطالب لم يعد أول افراد اسرته الذي يدخل الى الجامعة , لم يعد يملك تلك الهالة السابقة ( المثقف – بش مهندس) بل انه يفعل ما فعله الجميع , بل هو مهدد دوما ( فشل دراسي- عدم توظيف) ان يكون ادنى من افراد عائلته الاكبر سنا, فهو مطالب بانجاز مشكوك تماما بقدرته (المجتمع حقيقة) على تحقيقه او حتى في جدواه, وهو وضع اجتماعي ونفسي مغاير تماما لسلبقيه الذين ايا كان انجازهم الخاص , فهو انجاز لم يسبقهم اليه احد.
آمال غائمة ومستقبل متجهم ومتطلبات ذات نوعية صعبة , مع تأهيل علمي شديد الضعف, وتاريخ سياسي اسود (والمسؤول عن الاخير على الاقل هم اجيالنا السابقة التي تصدع رؤوسنا بمساؤى جيلنا), مع تواصل مدمر تقريبا بين افراد هذا الجيل وانعدام للثقة مفرط ( بسبب من؟).
ان الشاب يلاحظ نفسه في وضع متزايد الصعوبة مع امكانيات ومؤهلات متزايدة الضآلة, حتى انه يصبح احيانا في وضع بائس بالنسبة الى ابسط متطلبات الحياة (القدرة على تأمين مسكن ودخل يستطيع معه مجرد ان يفكر بالزواج مثلا), مضافا اليه انه بعد الطفرة النفطية وبدء مشاريع الخصحصة والاندماج بالسوق العالمية, فان القيم الرأسمالية بدأت بالحلول مكان سلم القيم "الثورية" او التقليدية (وهذا لايتعلق بالشباب فعند طلب يد فتاة تبدأ طلبات الاهل التي لا تنتهي, وهم ينتمون الى جيل سابق) , وهي طبعا القيم الرأسمالية الأسوأ , قيم المال , قيم شايلوك, عوضا عن قيم العمل والتراكم الدؤوب والنجاح الشخصي المستحق, وايضا مع الدخول المتزايد الى السوق العالمية ونحن لا نملك ادنى قدرة على التأثير عليها, مع تأثرنا المطلق بها, وانعدام قدرتنا على التحكم بالحد الادنى من شروط حياتنا (مثلا شباب التحقوا بكليات يفترض ان السوق بحاجة اليها واكتشفوا فجأة انه لا حاجة اليهم بعد الآن).
مما يزيد من القدرية وحجم المجهول الذي نحياه وهذا يعني ببساطة انتعاش اللاعقلانية مرة أخرى( عندما بدأت دراستي في احدى كليات الهندسة استغربت السبب الذي يدفع اعدادا كبيرة منا باتجاه الدين بشكله اللاعقلاني –جان وكرامات وحتى أصولية متشددة- لكني وجدت الاجابة ببساطة بحياتنا ونظام تعليمي غرائبي فنادرا ما نصل الى النتائج المطلوبة عبر تجاربنا لسوء الاجهزة فنكتفي بوضعها كما يفترض ان تكون, وكان الامر شديد الصعوبة ان يتنبأ المرء بعلاماته وعمليا كانت حياتنا الجامعية تسير بقضاء الله وقدره وطبعا المشرفون هم من الاجيال السابقة).
ما هو رد الفعل الطبيعي؟
تأهيل ثم تأهيل بحسب شروط السوق ولهذا فان هذا الجيل اكثر عملية كونه يواجه المعاناة بشكلها المباشر ولهذا يتبنى قيم الانتاج الرأسمالي وشروطه بدون احلام (او اوهام) كبيرة , فاغلب الشباب يقبلون بكل نشاط على المعلوماتية والحاسبات والطب وغيرها ليس حبا او شغفا, انما ضمن رؤية مشبعة بقيم المشروع الخاص والربح والعمل , هم مواظبون اكثر, ولكنهم اقل انسانية واقل خيالا, انهم مشروع آلات حية, يضيعون كامل حياتهم تحت الشروط الموضوعة سلفا من قبل السوق, اي انهم يتخلون عن انسانيتهم وابداعها لقوالب العمل المحددة سلفا من السوق كلي القدرة, الانفصال الكامل بين العمل (المهنة) والرغبة (تحقيق الذات). ان هذا التدمير المتزايد لانسانية الشخص وخصوصيته لا يدع مجالا لازدهار احساسه بالاخرين وبنفسه كقيمة عظمى, والجال الوحيد هو الدين الذي يقوم بدور التعويض لهذا التشيؤ المطلق للحياة (حتى الحياة الحميمية فالزواج اصبح بازارا, وعادة التقليدية مرة اخرى لكنها مفعمة بالمال), وامام الله نعود مرة اخرى الى ذواتنا والى احساسنا بالمساواة والاعتبار من قبله.
من الواضح انها صورة مأساوية لتدمير متكامل للقيم الانسانية والاخلاقية لجيل بأسره, وتشويه انسانيته, لكن على الرغم من هذا فالامر لايمر بدون تمرد, ربما نراه بشكل الشذوذ الخاص بالالبسة او الغناء وحتى برامج سوبر ستار او ستار اكاديمي, هي في جانب منها رغبة بالخروج عن المألوف او التماهي مع ابطال الشذوذ , على الرغم من ادراكنا لكونهم التمثيل الكامل لهذا القحط و التسليع وربما الدعايات المرافقة اكبر برهان.
وهذا الجيل لا يعدم قضايا تهمه, وفي الاساس منها البطالة, وعمليا فهي محور حديثنا السابق كله, انها الكابوس الذي يحياه هذا الجيل بأسره, وهي قضيته الاولى التي لا تعدلها قضية اخرى, لكنه ايضا يعيش المأساة بشكل مزدوج, فهو مرعوب حتى النخاع منها ولكنه لا يملك القدرة على التفكير بمشروع بديل او التفكير العقلاني بهذه الظاهرة, والادهى انه لا يؤمن باي حل . انه يحيا مأساته حتى الثمالة.
لكنه لا يملك الرغبة , او القدرة, على التحدي , على ان يجد علاجا لامراضه, وهي ليست كامراض اسلافنا التي تبدأ بالقدس وتنتهي بهافانا, انما هي امراض تبدأ بجسده وتنتهي بجسده, انها مشكلة مباشرة وعليه ان يفعل شيء ولا يستطيع, لكنه لن يبقى هكذا طويلا.
طبعا لا ننسى مشكلة تحقيق الذات, وهي مشكلة اخرى هامة وهي مشكلة على الصعيد الفردي, فالقمع يحيط به من كل جانب (ليس القمع السياسي الذي هو كل ما يفهمه السادة الاجيال السابقة) القمع الذي يدمر قدرته على تقيق ذاتهىالفردية, كشخص. التسلط الذي يملأ حياته بمتطلبات لاتنتهي (دراسة –عمل –تجديد تقني...) تأهيل ثم تأهيل لكن بلا ثراء او خصوبة , انما تأهيل باتجاه السوق وما يفرضه السوق.
وقمع سياسي, اخلاقي, ابوي, وهو بالمجمل مغلف بنفاق قذر وتافه, والجميع يساهم به بدءا من الجيل السابق بكليته, فهو يتحدث عن قضايا اخلاقية كبرى , وهو بلا اخلاق, ويتحدث عن تاريخ وهو مشبع حتى الثمالة بالهزيمة, ويتحدث عن بطولة وهو الاكثر جبنا, يتحدث عن انعدام الحس بالمسؤولية لدينا وهو الذي دمر كل ما اعطي له.
لدينا الرفض وهو رفض مطلق لواقع حياة يحياها هذا الجيل , وربما الاصولية احدى اشكال الرفض ولكنها مع الوقت تصبح موضوعا للرفض( يختلف الحال باختلاف البلدان , فان كانت الاصولية موضع اضطهاد فسوف تصبح عنوانا للرفض والعكس كذلك) , طبعا هذا الرفض لا يظهر بشكل ابداع فني وتمرد على الحياة (هيبية مثلا) والسبب بسيط فهم تمردوا على مستقبل مضمون, والعكس عندنا ,الخطر نحياه كل يوم وهو خطر تدميري.
اذا ضمن كل هذه الشروط المأساوية , ومع قضايا مطلبية حقيقية, مع احاسيس وطنية مستباحة للذل, هل هناك انعدام للفعل السياسي؟
هذا السؤال كاذب, وليظهر كذبه فلنعيد صياغته.
هل هناك أثر للأحزاب في أي من مجالات الحياة الاخرى؟
لا بكل بساطة لا وجود لها, فهي لم تعد تعبر عن احد, المشكلة ,اذا, هي ازمة العمل السياسي ذاته, السياسة, ادواتها ,ماهيتها, وطرقها.
انها ازمة احزاب لم تعد احزاب , احزاب تجاوزتها الحياة وانتهت, احزاب تحتكر الكلام السياسي, ولكنها لا تفعل سوى الثرثرة.حتى الآن يطرحون قضايا اكبر من الجميع ولا يستطيع احد ان يفعل لها شيئا, لكنهم يهملون البسيط والمباشر, يهملون مشاكل الشباب ,ثم يتسألون لماذا لا يتقدم الشباب؟ بالله عليكم هل انتم جادون؟
بكل بساطة الجيل الذي سبقنا (واجيال اقدم) اجيال الطموحات القومية, وبحكم الهزائم الكثيرة اصبح التهرب من المسؤولية شعاره, وقضاياه الكبيرة التي هو عاجز عنها سلفا , هي القضايا النموذجية لانعدام القدرة على المحاسبة (على ماذا سنحاسبه على المستحيل) انها قضايا اكبر من التقييم وبالتالي اكبر من المسؤولية نفسها.
وهم اضا يتحدثون الينا بكلامهم القديم ذاته وبمشاكلهم القديمة الجديدة نفسها, بأولوياتهم وافكارهم,ايها السادة انكم تتحدثون الى اكثر الاجيال تشكيكا, اكثرها انعداما للمرجعية, اكثرها قلقا. اننا نتشكك بأنفسنا.
الأزمة هي ازمة سياسة, ازمة احزاب.
ومع هذا فالشباب قادر وراغب لكنه يبحث وما يزال يبحث في شروط صعبة, بل اصعب بكثير مما سبق, ولكنه عندما يجد سيبدأ بالعمل, وحتى ذلك الوقت ربما تكون الخطوة الأولى لمساعدته هي منع كل شخص تجاوز الاربعين من الكلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|