الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة رأس السنة

شذى احمد

2010 / 12 / 31
الادب والفن



وصلت مجموعتهم للاحتفال بليلة رأس السنة إلى النادي الليلي عند منتصف الليل. اكتظ الكثيرون أمام المدخل الرئيسي ينتظرون الإجراءات الروتينية للدخول . قرب إحدى الزوايا وقف رجل مهلهل الملابس أشعث يشد امرأة إلى صدره، بينما راحت تحاول صده بصعوبة .بدا عليها السكر الشديد وهي تترنح يمينا ويسارا. انطلقت الضحكات من مجموعة الشباب وهم يتابعون المشهد ويطلقون التعليقات والتلميحات المفضوحة. مد الأشعث يده إلى مؤخرتها، وقرصها أرادت ضربه لكن يديها تراخت وتهاوت من الإعياء. استدارت فإذا بها وجها لوجه أمامه إنها... . ما أن رآها حتى كتمت الصدمة أنفاسه أغلق عينيه بصعوبة حاول فتحها كانتا ثقيلتان كما لو أنهما حملتا جبلا. مضت دقائق ثقيلة زفر بشدة وصك على أسنانه غيضا. تقدم بخطوات سريعة وانتزعها من يد الرجل الذي ازدادت عصبيته، وعدوانيته.رفع يده ليلكم الشاب إلا أن الشاب تلقف ضربته وعالجه بضربة على فكه. فسقط مترنحا .

تجمع الشباب ليتبنوا الأمر. مدت صديقته يدها ومسحت على شعره و سألته: ما بك. ما القصة؟ . دفعها واحتضن المرأة بين يديه وسار بها ..
نظرت إليه الأخيرة بدورها وهمست : هذا أنت بوكس.
ـ نعم هذا أنا.. تعالي سأأخذك للبيت
ابتعد وهو يسندها على كتفه، ثم دلف في بوابة المحطة واختفى عن الأنظار وسط دهشة أصدقائه الذين أخرسهم تصرفه.
لم يبحث في جيوبها عن المفتاح لقد ظل يحتفظ بمفتاح بيته ولم ينزعه من سلسلة مفاتيحه، لم يقوى على انتزاعه كأنه ظفر من أظافره .
دخل البيت وهاله منظره . علب المشروبات الفارغة في كل مكان. الغبار يعلو كل شيء . سحبها إلى غرفة النوم التي نثرت في إرجائها الملابس المتسخة،وبقايا العلب على الفراش الذي تلطخ ببقع مختلفة الأنواع والأحجام، ففاحت رائحة عفنة من المكان كله.
جمع كل ما في الغرفة دفعة واحدة من فرش الأثاث إلى الملابس ولفه في شرشف كبير وألقى به خارجها.
فتح دولاب الملابس اخرج شراشف جديدة . ثم بحث عن ثوب نظيف وساعدها على ارتدائه.
قاربت الساعة على الحادية عشر، فبدأ في تنظيف المكان جمع أكوام النفايات والعلب الفارغة . اخذ يرميها الواحدة تلو الأخرى .
قرب الحاويات خارج البيت مر شاب يحتضن صبية، وهما يتبادلان المزاح والضحكات تطلع الشاب إليه وسأل بدهشة : بوكس هذا أنت . التفت بعجالة ورد: نعم. آه أهلا يورغ .. وعاد مسرعا إلى البيت.

أكمل تنظيف المكان ثم عاد بأكياس ممتلئة جديدة كان يورغ يقف في الساحة الواسعة يستعد لإطلاق الألعاب النارية . فما أن رآه ثانية حتى صاح فرحا: ه بوكس هل ستطلق معي الألعاب النارية هذه الليلة مثل كل سنة . اعرف بأنك تريد ذلك . لا تقلق اشتريت الكثير منها يمكنك إطلاق بعضها إن أحببت.
ـ سأرى لاحقا .. علي انجاز بعض الأعمال الآن.
وبينما هو يغسل أواني المطبخ بدأ دوي الألعاب النارية يتصاعد من كل مكان. نظر من الشباك فلاح له وجه يورغ وهو يغني ويعربد وينصب المزيد من الألعاب لإطلاقها.
قاربت الساعة الرابعة صباحا عندما اعد ترتيب كل شيء.
اخذ حماما سريعا. ثم لف نفسه بغطاء سميك،تمدد على الأريكة وما لبث أن استغرق في نوم عميق.
كانت الساعة الثانية عشر . أحس بنقرات خفيفة على كتفه. وصوت حنون يهمس : بوكس ..أيها الكسول اصح إنها الثانية عشر ظهرا.فتح عينه وهو يقول : حقا .. هل نمت كل هذا الوقت.
ـ نعم أيها الكسول .مثل كل سنة
ـ نظر إليها .شعر بأنها كبرت عشرين سنة . غزا الشيب شعرها واكترت التجاعيد عقارات واسعة في صفحة وجهها. لكن عينيها ما زالتا تشعان جمالا وطيبة.
ـ فان كوخن. سألها وهو يستمتع بالرائحة.
ـ ه..ه ..كما اعتدت على آكلها كل سنة. لكن أيها المغفل لما علي دوما تنبهك الى ضرورة العناية بفراشك ما هذه الأكوام من الملابس المتسخة . متى تتعلم أن تصبح مسئولا.
ضحك وتناول يدها قبلها بود صادق وشوق كبير. فجلست متهالكة إلى جانبه ،بصوت مرتجف حدثته وهي تتلفت خائفة: تعرف بوكس اشعر باني حلمت بكابوس. كأنك غادرتني يا صغيري. وكان الدنيا أغلقت أبوابها بوجهي. واستغرب كيف كان الكابوس عجيبا.
نظرت إليه ثانية. فسألتها عينيه عن مقصدها فتابعت: تخيل حلمت في هذا الكابوس باني تحولت إلى امرأة مريعة وأنني صرت فريسة للسكر وأطفئت كل مصابيحي. سعيدة بأنني صحوت هذا الصباح ووجدتك بجانبي .ومن حسن حظنا إن الكوابيس لا تمتد مخالبها إلى عالم الأحياء . حلمت بأنك تركتني تخيل حبيبي سمعتك في الكابوس تقول لي .. بأنك ذاهب ولن تعود. ولم يعد للحياة أي معنى ,و و. سردت له كل ما مر بها في الشهور العشرة الأخيرة. كيف صار البيت الذي كان جنتها وسعادتها مغارة للشياطين. كيف لجأت إلى المسكرات لتوقف مرارة الألم بضياعه. كيف فطنت إلى أنها أغضبته ثم قرر الرحيل في لحظة عصبية. الكل كان يلومه على البقاء في بيت أمه ويعيره. ابن أمه .طفل أمه. هكذا كانوا يتندرون في السخرية منه. لم يكن منه إلا الانفجار بدون سبب مرة واحدة بعدما حاصرته ضغوطهم وتهكماتهم من كل جانب. ذهب دون الالتفات للمرأة التي أفنت حياتها في خدمته. كان كل ما أنجزته وفخرت به. لقد قتل زوجها بحادث سيارة مريع منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عاما. تركها الذي ربطته بها قصة حب صادقة كانا يخططان لمزيد من الأطفال وشراء بيت في الريف والاهتمام بالأغذية الطبيعية و.. تبددت أحلامها دفعة واحدة رحل بلمح البصر. سرقته عجلات طائشة وداست بقسوة على أحلامهما وقبرتهما. لكنها استطاعت تجاوز محنتها، واستعادة توازنها وضعت كل أمالها بمن ربته واهتمت بتعليمه. لكنها كانت وحيدة في عالم يريد أن تسود قوانينه. يطلب من الشباب مغادرة منازلهم بشكل ألي في سن الثامنة عشر دستورا لا يقل تعسفا عن قهر الشرق للأولاد والبنات بالأخص وحرمانهم من الانتقال للتعلم والخيار. اعتصر قلبه الألم لحالها هاهي تخلط أوراق الوهم بالحقيقة . لم تعد تعرف شيئا. فلقد هدها الوجع فلم تعد تقوى على الاستفاقة من غيبوبتها. انه اليوم الأول من العام الجديد صار اليوم ابن الثالثة والعشرين. في أعماقه شعر بان ليلة البارحة كانت الليلة الأهم في حياته. أضاء الخلوي. كانت صديقته على الطرف الأخر تسأله فيرد بتثاقل: نعم أنا بخير سأأتي طبعا. سأراك لاحقا...التفت إلى أمه التي كانت تتطلع به بشرود تام حضنها بقوة .ازدرد دموعه بصعوبة خاف أن تكوي حرارتها ظهرها فلا تقوى على تحمل لسعاتها . وهو الذي أمسى يطفئ حروق قلبها الليل كله.
ـ عام سعيد يا صغيري سمعها تقول له
ـ عام سعيد يا أمي رد عليها.
ـ وأنت معي يا ولدي
ـ وأنت معي يا أمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
مازن البلداوي ( 2011 / 1 / 2 - 07:02 )
لا تعليق........فهي للقراءة والأستمتاع بالقيم الأنسانية
تحياتي


2 - القصة القصيرة عالم؟؟
المهندس كاظم محمد الساعدي ( 2011 / 1 / 2 - 09:06 )
وليست كلمتين فحسب
كما انها ليست مهنة عامل يذهب الى السوق لينصحه الاخرون بالعمل في مساعدة احد الاسطوات لانها مهنة من لامهنة له
اقرا الجواهري والسياب واتسائل من اين نهل هؤلاء العظيمان سر ايقونة الادب العربي اجد الاول يحفظ بلاغة خطبة وقصائد المتنبي وهو لازال غر صغير والثالي ياخذه نبي الشعر الى واحة الرؤى التي تستحيل على قصار القامة
واذهب الى قصص الاديب عبد الستار ناصر لاقرا فاجد ه يسحبني بهجوء لاقرا معه ويضع خطوطا رائعة لاهم مانريد ان نقراليعطينا قيمة فنية وبلاغية ونقدية مملؤة بالصور الرائعة
انه الاديب الذي ياخذك بملء ارادتك لما تريد لا لما يريده هو بل يوجز نظرته بما لديك هذا هو السهل الممتنع بل انه يجسد بحرفنة راقية مايؤكده جان بول سارتر
القصة القصيرة عندما كتب ملخصها
(ستبقى القصة القصيرة الفن الاكثر صعوبة بين الفنون الانسانية)...
سيدتي هذا مايقال عنه الادب
القصة لاتحمل ترابط ومفردات بحاجة الى توضيح لم يكن موجودا مثلا فان كوخن نظرا لمعرفتي باللغة الالمانية فانني فهمتها فطائر ولكنك لم تحددي من تخاطبي
هناك العديد من الكلمات العربية محلية وكانت ساقطة من الجمل ...خلت القصة من القص

اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي