الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد : التكتّم على النوايا والمخاتلة في المصالح

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 1 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لعّل من أهمّ ما وسم السياسة في العراق الجديد خلال السنوات السابقة، هو إفتقارها للمكاشفة والوضوح والشفافية، وإستبعادها التّام من ميادين التجديد والإصلاح والتغيير، والعمل على الإحتفاظ بنفس الوسائل والأدوات والآليات القديمة، وما كان يصاحبها من مفاهيم ومعايير وأشكال التفكير والسلوك السائدين في نموذج السياسة التقليدية القائمة على التشكيك والإنغلاق والحكم على النوايا إزاء الخصوم السياسيين، والنظر في المخفي وغير المعلن من توجهاتهم، وإن كانت تلك النظرة صحيحة وفي مكانها أحيانا، وخاطئة وبعيدة عن واقع الأمور في أغلب الأحيان .

وإذا كان صحيحا، أنّ فتح الحقل السياسي في المرحلة الجديدة، قد أدّى الى تعميم الفوضى والنزاعات بين الكتل والأطراف السياسية منذ عام 2003، ولعب ومايزال، أدوارا سلبية في سبيل التوصّل الى حفظ التوازن وضمان الإستقرار السياسي في البلاد، فمردّ ذلك، لايعود الى مبادئ التعددية والإنفتاح السياسي وإشاعة الحريات المدنية العامّة، بقدر مايعود الأمر الى غياب الضوابط والقوانين الواضحة والصريحة، والتي تمادت المؤسسات المعنية في تأجيلها، وعملت على إبقائها في حالة من الضبابية واللامرجعية، وبالتالي خضوعها الى التأويلات والإجتهادات الشخصية، رغم النداءات العديدة والمطالب المتكررة، للقوى الوطنية والديمقراطية خلال السنوات السبع الماضية، بالإسراع في وضع وتحديد الأسس القانونية لعمل وتشكيل الأحزاب والكتل السياسية ومنظمات المجتمع المدني عموما .

ومن الطبيعي في ظلّ الأوضاع الراهنة التي لا زالت تشوبها إنعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف الوطنية، أن لا يحصل أي تقدّم في العملية السياسية، بل إنّ توقفها وترددها لا يعني سوى التراجع والنكوص، بسبب سرعة الأحداث السياسية الموازية التي سوف تتجاوزها بدون أدنى شكّ من الناحية الأولى، وبسبب أنّ هذه الأجواء المزمنة من التأزم الداخلي، ليست بالوصفة السليمة والمناسبة للخروج منها وإستعادة زمام المبادرة السياسية إزاء التدخلات الإقليمية والدولية من الناحية الثانية .

وقد تكون العقبة الرئيسية في طريق تنقية الأجواء السياسية، هي المراوغة المستمرة والتستّر الزائف على طبيعة المصالح الحقيقية لكل طرف منها، والتمادي في إخفاء ما لم يعد في الإمكان إخفاءه، ولا من باب الحدّ الأدنى من الشعور بالمسؤولية الوطنية، عدم المجاهرة والإفصاح بالنوايا الكامنة والتوجهات المستترة التي تختفي وراء الوعود والخطابات السياسية المعلنة والغارقة في العموميات، في إنتظار رفع درجة التمكّن السياسي وفرض إرادة الأقوى، وهو إنتظار يفتقد بطبيعة الحال، الى الكثير من الفطنة في قراءة الأوضاع الجديدة، داخليا وإقليميا ودوليا، وسوف يمضي وقت طويل، قبل أن تعلو حدّة النبرات السياسية لطرف فيها على الأطراف الأخرى، وقبل أن تدرك أصول اللعبة وطبيعة الأدوار السياسية المرسومة ودوائر الحظر السياسي التي لا يمكن تجاوزها .

وإذا كانت المصالح السياسية الكامنة، هي تعبير عن إرادة القوى الإجتماعية التي تتحدث السياسة بإسمها ولا تكفّ عن الإدعاء بتمثيلها، أي أنها مصالح مشروعة وتكتسب شرعيتها من واقع إجتماعي داخلي قائم ومفروض، فليس هنالك ما يمنع من الإعلان عنها أمام الملأ، ويوفر على جميع الأطراف البلبلة وسوء الفهم والمقاصد، ولا يعود حينها، من المعيب ولا من المخجل، أن يجاهر السياسي بالمصلحة الإجتماعية التي يمثلها ويدافع علانية عنها، بل على العكس تماما، كل العيب والخجل والعار، هو في تجيير إرادة المجموع ومصادرتها لصالح الفرد، وعدم التمييز ما بين الخصوصي والعمومي، وصولا الى إعتبار المال العام جزءا من حافظة النقود الشخصية .

وما يحددّ مشروعية أية مصلحة من المصالح السياسية، هو محتواها أولا، والأساليب التي تستخدم في سبيل تحقيقها ثانيا، ولم تستطع السياسة الحديثة، أن تصبح حقلا قابلا للقياس والمفاوضة، وتخرج من دوامة النزاعات والصراعات والحروب الأهلية والخطابات النارّية وخطط الأوكار السرّية، إلاّ بعد أن حددت وبدقّة طبيعة المصالح والدوافع والحوافز الخاصة بكل فئة إجتماعية من فئاتها المتنازعة وإعادة توزيع السلطات وحدود صلاحياتها على أساس من حفظ وحماية تلك المصالح وتوازنها . هكذا تمّت عقلنة المصالح المتباينة وتحديد المرجعية الأخلاقية في عالم السياسة الواسع والمتشابك، وإستطاعت المجتمعات الحديثة أن تفهمها وتفكّ ألغازها وتساهم في تطويرها من خلال توسيع المشاركة الحقيقية في صنع القرار وتحديد المصير المشترك والشأن العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المحترم عبد الرحمن دارا سليمان
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 1 / 2 - 04:09 )
تحيه واحترام
عندما يمارسون الصراحه والثقه فيما بينهم كأشخاص سيتعلمون تعميمها وجعلها ثقافه يعملون على نشرها وتوسيعها
تقبل التقدير

اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا