الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسيل وحيدا وحيدا

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2011 / 1 / 2
الادب والفن


وكانَ الموجُ يأتيني بتتابعٍ مذهلٍ، حاملاً علبةَ قَلقٍ طازجٍ، ويوماً بيوم، يغيّرُ مفرَشَ الرملِ بإيقاعهِ الذي لا يُمَلُّ، يرتِّبُ المائدةَ لوناً لوناً، ودائماً كنتُ مدعوّاً وحيداً يغريهِ الغرقُ ولا يغرقُ، شتمتُهُ مرةً وحيدةً بتمتمةٍ ظننتُ ستأكُلُها الريحُ، فابتسمَ كعارفٍ وما عادَتْ الألوانُ تفتحُ مفاصلَ الصبْحِ حتى بعدَ نهرِ الإعتذارات الذي ما زالَ جارياً.

تماماً، مثلَ غزالةٍ ضيَّعَتْ أمَّها وفِكْرَتَها، سالَ دمي وحيداً وحيداً، بلا مسارٍ واضحٍ، بلا عاشقةٍ تبكيهِ من بُعدٍ أو قُربْ، وإذا المدينةُ ضلعي والشوارعُ أصابعيْ، ورأسي يختنقُ باكتشافاتٍ مؤلمةٍ لم يكنْ آخرُها أن الرملَ لا يعشقُ خيطَ الدمّْ.

يسقطُ النومُ من عينيَّ، يصيرُ هُدْهُداً، وأصيرُ لوناً لا أعرفُهُ بين الأزرقِ والأزرقْ، يظهرُ الصباحُ مثلَ امرأةٍ سمِعَتْ للتوِّ جُملةَ حُبٍّ من عاشقٍ انتظرَتْهُ قرناً كاملاً على بابِ ناي.

أما عن المدينةِ التي ترمَّلَتْ، فما كان ينقصُها إلا شريطٌ من حريرٍ على كمِّ ثوبِها لتدخلَ حفلَ الزفافْ، وقفَتْ طويلاً على بابين متشابهينْ، لم يكنْ معطىً واحداً في قلبِها، وحين أطفأتْ نجمَ المعرفةِ في صدرِها اللاهثِ بقوةِ عاصفةْ، غمَّستْ إصبَعَها في الحبرِ الكثيفِ، وشهِدَت المجزرةَ تحدثُ تحتَ جلدِها كنوبةِ سعالٍ دائمةْ.

لم يكُنْ ضوءٌ كثيفٌ على الممرِّ الصاعدِ الهابطِ، لم تتضِحْ معالمُ الأحجارِ المنحوتةِ في الزوايا، كانت لغاتٌ وأساليبٌ وتواريخٌ مبهمةُ زادت قطراتُ العتمةِ من غموضِها، بدا وكأنَّ يداً عظيمةً لم يعجبْها العالم يوماً، فكوَّمتْهُ مثلَ بيتِ طفلٍ على الرملْ.

يمرُّ الفجرُ كأستاذٍ عجوزٍ أرهقتْهُ المهنةُ، يتّكئُ على غناءِ الطيورِ ليُداري ما تساقطَ من ذاكرتِهِ الفاتِحةْ، يرى العالمَ مواقيتَ فقطْ، ويسمعُ الألوانَ بأنفِهِ، ولم يعرف بعدَ مليون مليون مرةٍ جاء فيها، أن رائحةَ اللونِ ليستْ غيرَ قُبلةٍ في الهواء من عاشقٍ وهميٍّ إلى امرأةٍ خائفة.

وكانَت امرأةٌ تسيرُ على الظلِّ خفيفةً كروحْ، تسحبُ الشتاءَ من أذنِهِ، والشتاءُ مرتبطٌ بعشرينَ موعدٍ على العشاءْ، لم يلِنْ لصندوقِ أدعيةٍ كاملٍ عبّأتْهُ أصواتُ أطفالٍ وأشجارٍ وطيورٍ وأعشابٍ وباعةَ مظلاتْ، المرأةُ غرِقتْ في الظلِّ حين سقطَ قلبُها في مشهدٍ عبّأَهُ مُصلُّونَ باكونْ، وفي كلِّ وقتٍ كانَتْ رائحةُ جنديٍّ تدورُ في المكانِ كقطّةٍ تطاردُ ذيلَها.

وضعت وجهها على وجعي، وانحنت تتنفس بانتظامٍ يشبه الفصول، كل شهيق قصيدة، وكل زفير أغنية، وحينَ امتلأتُ بالقصائدِ والأغاني، قبلتُها على جبينها، أرحتُها على الوسادةِ، وصرتُ شاعراً.



30 كانون أول 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي