الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاري حنكو....

إدريس الواغيش

2011 / 1 / 2
الادب والفن


عادة ما يقولون أن القرآن الكريم حمال أوجه ، لما يحمله من معان مختلفة أو حتى متناقضة أحيانا ، وهو تناقض تفرضه طبيعة الأشياء ، كما تبدو في ظاهرها ، كأن الله غفور رحيم / الله شديد العقاب ، الجنة / النار....، ولا يجمع فيما بينها إلا من أعطاه الله فهما عميقا وعلما عليما. لكن هناك (حمال أوجه) من نوع آخر ، يعيش بين ظهرانينا ، يقتات من لحمنا ودمنا وفتات موائد أسياده. يحمل فوق أكتافه رأسها واحدا لا تحكمه ملامح محددة أو هندسة ، لكن بأوجه وأقنعة متعددة. هل لأن العيش أصبح صعبا مما اضطر معه الكثيرون ومنهم (كاري حنكو هذا وأمثاله) لأن يحملوا وجها في الظاهر وأخرى بمقاسات مختلفة لوضعيات وحاجيات أخرى في السر أحيانا والعلن في أخرى؟. هل أصبح عليه لزاما علينا نحن أيضا أن نعيش بوجوهنا الواحدة ، ونحمل معنا أقنعة متعددة نستعملها للضرورة ، قصد الاستمرار في الحياة وإلا انقطعت عنا سبلها ، ولو اقتضى الحال كرائها من مثل هؤلاء ؟. أم نعيش بالوجه الذي خلقنا به الله وعرفنا البشر به ، نكاية فيهم إلى يوم تقوم قيامتنا أو إلى أن تسقط الأقنعة ؟؟. (كاري حنكو) أو أي (حنك) تراه يضحك في الشارع لهذا ويبكي لذاك ، وقد يشاطره الملح وقليلا من الأحزان والأسى لو تعلق الأمر بتعزية أو نكبة عابرة من نكبات الدنيا ، عينه على الحياة وأخرى على مركز توزيع النعم والثروات وأصحاب النفوذ ، يده على جيبه لا على قلبه. هذا المخلوق الغريب / الدخيل على عاداتنا وأخلاقنا وقيمنا ، مستعد للإجهاز على كل شيء جميل في مخزوننا الثقافي من عزة وكبرياء ، جراد آ دمي متنقل يلتهم القيم والخلاق وما تبقى من نبل في إنسانيتنا. يستعطف هذا ويبكي أمام ذاك ، يعرف من يقصد من أصحاب الجاه والثروات ، وكيف يستعطف غرائزهم وعواطفهم ، هم الذين لا عاطفة لهم على أحد إلا لمصالحهم. يستعمل القناع المناسب في اللحظة المناسبة ، لا يهمه إن نهره أحد أو بصق في وجهه آخر، لأن بإمكانه استبدال الوجه المترب بآخر أكثر نظارة ولمعانا وإشراقا مزيفا. إن لم تستطع أن تفاتح أحدا في طلب قرض أو حاجة فاقصده ، لا ليقرضك طبعا وإنما ليفاتح من ارتأيت فيه خيرا من عباد الله الصالحين ، مقابل عمولة أو أشياء قد لا تعرفها أنت إلا وقد فاتك الأوان. وإذا استحييت أن تفعل شيئا يخل بالقانون الخاص أو العام ، لأن ضميرك لا زال ينبض بالحياء ، فهو يدوس على كل شيء ويستطيع فعل أي شيء إلا احترام نفسه. ذقناه أكثر نضارة واحمرارا على الدوام ، مادام يستعمل شفرة الحلاقة لمرة واحدة ، ثم يرميها بعد ذلك في الزبالة كما يرمي شرفه. يبتسم طيلة الوقت للجميع ولا يعبس في وجه أحد إلا عند الاقتضاء ، كأن يغتن فرصة أو يقضي حاجة له عنده تتطلب المسكنة والدروشة أو الاستعطاف. وجهه مطلوب لكل الزبائن ، كأن يقضي ساعة بالمقهى لتمضية الوقت مع أحد الأعيان أو المرور بالشارع العام لمن يجد رفيقا أو مصاحبة في الطواف على بعض الإدارات لقضاء مصلحة. لا يتوانى عن المدح والمديح في حضور سيد من أسياده ، ممن نهبوا البلاد وسلبوا العباد ، مستغلين نفوذهم ومناصبهم ، جرموا في حق الوطن والمواطنين ، ولا يستحقون إلا السب والشتم واللعينة ، ويتعدى الأمر ذلك إلى خصومه ، ثم يبدأ بعد ذلك في خطاب مخالف تماما ، ليفتح ملفات الظاهر والمستور في غيابهم.
شعاره الدائم (لا تفوت الفرصة)، قد يعادي الصديق ويصادق العدو ، لضرورة عابرة لن تكون إلا مصلحة خاصة ، يمسي تقدميا ويصبح أصوليا متطرفا.
كل ما أخشاه هو أن يصبح كل واحد منا متسلحا بأقنعته ، حتى يكاد التمييز بعد ذلك يصبح مستحيلا بين الصادق والمنافق. أنظر إلى شبابنا وشاباتنا في شوارعنا ، فلا أكاد أميز بين الغني والفقير فيهم ، فهل أصبحنا إلى هذا الحد عبيدا للمظاهر الخادعة ؟ . هل ينطبق علينا المثل القائل : " ادهن شفايفك بالسمن ، وتعذى بالتبن..". هل نكثر من الأقنعة وندهن (شفايفنا) بالسمن البلدي حتى الإشباع ، ولو كان الغذاء تبنا ، إلى أن تسقط الأقنعة ، ويظهر كل منا عار إلا من حقيقته ؟. إذاك فقط لن ينفع قناع آخر مهما كان براقا ، ولن يكون يومها (كاري حنكو) ولا نحن معه محتاجين إلى (لحناك) أو أقنعة أخرى ، بقدر ما نكون محتاجين إلى ذاتيتنا وشخصياتنا وكفاءاتنا ، وسيكون يومها..... من لا كفاءة له لا مكان له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص