الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عجز العقل السياسي العربي في مواجهة الأزمات التي تحكم المنطقة 1-2

خالد يونس خالد

2004 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


أين العقل العربي من نظرية (هنتاغتون) المسمى "صراع الحضارات"؟ هل إستعد العرب للدخول في مثل هذا الصراع ونحن نسمع مرارا وتكرارا بأن المستقبل للإسلام والحضارة العربية؟ وإذا أراد العرب أن يبتعدوا عن مثل هذا الصراع الحضاري، وفضلوا نظرية الرئيس الإيراني محمد خاتمي "حوار الحضارات"، فأين العقل العربي من حوار الحضارات غير بعض الإجتماعات بين قوى إسلامية ومسيحية في الوقت الذي ينعدم التفاهم بين العرب والمسلمين أنفسهم؟ ومنطقة الشرق الأوسط تعيش في صراعات عربية عربية، سنية وشيعية، طوائف وقوميات وأقليات عرقية، الكل يفتقد الحرية، والكل في كسل عقلي، يحمل البارود لينفجر في كل لحظة تطبيقا لما تروجه دوائر المخابرات الأمريكية لشعار "الإسلامية" وخاصة دعاياتها في الصحيفة الأمريكية اليهودية (لوفوروارد) . فهل هناك صراع بين الحضارات في القاموس العربي حتى يتهيأ العقل العربي له؟ أو هناك حوار الحضارات وماذا أعد له العقل العربي؟
يجب أن نفكر بأن الآيديولوجية التي جاء بها الياباني الأمريكي الجنسية (فوكوياما) "نهاية التاريخ" بدأت بإنهيار الإتحاد السوفيتي، كإنطلاقة لمواجهة "الإسلامية" ، وما يؤسس عليها العقل العربي، لتتحقق نهاية التاريخ في خضم دوامة الصراع في الشرق الأوسط .
يعيش العقل السياسي العربي في المرحلة الراهنة حالة التذبذب الفكري والثقافي ونزعة الإستسلام القومي والوطني، إلى درجة يجد العربي نفسه غريبا عن تراثه، يهرب من نفسه ثم يرجع إليها صاغرا ثم يبتعد عنها فيثور ويتوقد ويتألم حين يجد فردا ينقد الحقيقة المرة. فالعقل السياسي العربي في مرحلة جذر، والنفسية العربية في نزعة إستسلام طبقي وسياسي. ويشعر العربي بالغبطة والسرور وهو يسمع المدح والثناء، راجعا إلى عقدة الأمبراطورية العربية الإسلامية. ويتساءل المرء كيف أن الأجداد صنعوا أعظم حضارة إنسانية في عصرهم من تقدم فكري وعلمي وثقافي وأخلاقي، إلى درجة أن الملايين من الناس في بقاع الأرض كانوا يتمنون أن يكونوا عربا أو أن يُحسبوا على العرب؟ فهل يفكر الأحفاد ما هم فيه من هزيمة تلو أخرى في عصر الذرة والإنترنت؟ مع قناعتي بأن العرب لا زالوا من أولئك الشعوب التي تمتلك تراثا لو تمكنوا من إستثماره لأصبحوا من أعظم الأمم واكثرها تقدما ومدنية.
يعيش العالم العربي اليوم مرحلة الإنخراط في سلك الجندية تحت قيادة أمريكية. يقابلها توجه نحو التطرف القومي الشوفيني. وعلى التضاد من ذلك تيار التطرف السياسي الديني لممارسة العنف والارهاب والثأر من الظلم الذي يعانيه من الإحتلال والإستعمار. وبذلك فإن العقل العربي الذي كان أكثر العقول تسامحا في الدائرة الإسلامية النقية قد تحول إلى أكثر العقول عنفا في دائرة الإسلام السياسي المتحزب الذي جعل من النقاء الإسلامي أحزابا مشرزمة في هرج ومرج، وتنافس وتضارب، وقتل وثأر. وفي كل هذه الحالات يجد الفرد نفسه في معسكر يكون الأبرياء ضحايا ، ويكون الفرد بعيدا عن تحقيق طموحات الذات والطموحات الوطنية، لسبب بسيط وهو أن هذه المعسكرات تقف ضد بعضها البعض من أجل السلطة الدنيوية، والنتيجة هي هزيمة العقل العربي. فسواء قّتل العربي في سلك الجندية الأمريكية أو قُتل العربي القومي والعربي الإسلامي المتطرف فإن الرابح هو العدو.
العقلية السياسيةالعربية في العصر الحديث تتقبل الإستعمار لسبب بسيط ، وهو أن أكثر الأنظمة التي تحكم العالم العربي هي أنظمة إستبدادية، والعاملون في الأساس موظفون لدى الإدارة الأمريكية . نعم نقول بأن الإستعمار الكلاسيكي أو ما يُطلق عليه "الكولونياليزم" قد خرج من أوسع الأبواب بعد تنامي الحركات الوطنية. ولكن دخل الإستعمار بثوب جديد وهو ثوب الفكر والعولمة والإنترنت، وهو ماله من قدرة لإحتلال العقل الإنساني المهيأ لتقبله.
من العرب قوم يتوجه نحو الأجنبي لحماية نفسه من العربي. ففي سنوات الحرب الأهلية اللبنانية منذ النصف الثاني من سبعينات وخلال ثمانينات القرن الماضي حصلت جماعات لبنانية الدعم العسكري والمالي من إسرائيل لتسعير أتون الحرب الأهلية بين اللبنانيين أمام أنظار الأنظمة العربية التي كانت هي الأخرى تدعم جماعات لبنانية أخرى لديمومة الحرب وتحت غطاء عشرات الإجتماعات الفارغة في الجامعة العربية . وفي الحرب العراقية الإيرانية لم يكن المشهد أفضل من ذلك لمدة ثماني سنوات ، حيث ساند النظام العلوي السوري نظام ايران الشيعي ضد نظام البعث العراقي، ودعمت الأنظمة العربية الأخرى نظام بغداد البائد ضد ايران وسورية، لتحصد حرب الثماني سنوات ارواح مئات الآلاف من الأبرياء . وبعد غزو القوات العراقية للكويت، وتأييد بعض الأنظمة والقوى العربية لذلك الإحتلال البغيض، سقط العقل السياسي العربي إلى الحضيض. وهنا بدأ العقل السياسي العربي يتقبل العبودية تحت سماء الحرية الشكلية، ووجد العربي نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، وهو خيار تقبل القواعد الأمريكية ومراكز التجسس الأمريكية لحمايته من العدوان العراقي أو خيار قبول الذل والإستعباد للغزو العراقي. وفي هذا الوضع فالأنظمة العربية هي التي تدفع مصروفات عبودية شعوبها للأجنبي. فتحرير الكويت العربية من ظلم صدام حسين العربي كلف العرب عشرات المليارات من الدولارات وعشرات الآلاف من الضحايا. ولا زالت هناك نفسيات عربية تُباع وتُشترى للدفاع عن الظلم والقهر والتفرقة، وإعتبار المقابر الجماعية التي اقترفها نظام صدام حسين بحق الشعبين العراقي والكويتي ذوبعة في فنجان.
والأمَرُ من كل ذلك أن الذين يمثلون الشعب رسميا من البرلمانيين العرب في اجتماعهم بالأردن، رفضوا إدانة المقابر الجماعية التي ضمت آلاف النساء والأطفال والشيوخ والشباب، بعد أن كشفت هذه المقابر التي أُرتُكِبت بحق أبناء الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته من قبل العهد البائد. فهل هناك وصمة عار أعمق مما شاهدناها؟ أليس هذه المأساة إشارة إلى أن ألواقع الذي يعيشه الحاكم العربي في بؤرة الفساد السياسي معادي لتطلعات الشعب العربي الميئوس الذي إذا تفوه المواطن بكلمة ضد السلطان في بلده سيق إلى السجن الإنفرادي؟
لندع المثاليات والمتاجرة بالدين والقومية جانبا، ونكون واقعيين، ونعترف بالهزيمة أمام الذات وأمام الآخر. فما هو الحل إذن؟ الحل هو أن نتصالح مع الذات، وننتصر عليها، لأن أعظم منتصر هو ذلك الذي يهزم نفسه، وحين ذاك نستطيع مواجهة الآخر.
فالمأساة شبه شاملة، والهزيمة مؤلمة، وقد إكتملت المسرحية حين رفضت جامعة الدول العربية الاعتراف في الوقت المناسب بمجلس الحكم الإنتقالي في العراق. أليس الشعب العراقي الذي عانى ثلاث حروب متتالية، الحرب العراقية الايرانية، وحرب عاصفة الصحراء، وحرب التحرير والاحتلال، وعانى من الظلم والإستبداد بحاجة إلى دعم الجامعة العربية؟ السيد أمين عام الجامعة العربية رفض في حينه إستقبال الوفد الرسمي لمجلس الحكم الإنتقالي لكنه لم يرفض السفارات الإسرائيلية في العواصم العربية. يتصافح رؤساء السيد الأمين العام مع كل الذين يحتلون الاراضي العربية، ويبارك الأمين العام الوجود الأجنبي في بلدانهم، ويشرب الشمبانيا أمام مشاهد المقابر الجماعية لأطفال العراق. أي تناقض وعجز في الرؤية السياسية تعيشه جامعة الدول العربية؟
الارهاب في عراق اليوم تمارسه القوى القومية المتطرفة من بقايا فلول البعث العراقي المنهار والجماعات الاسلاموية السياسية بأسماء اسلامية، لحصد ارواح العراقيين بأسم مقاومة الاحتلال ، وهم في ممارساتهم يرسخون احتلال الاجنبي للعراق، ويضعون الشعب العراقي أمام خيار واحد وهو قبول القوات الأجنبية لحمايته من الارهاب المقيت الذي يقطع حتى رؤوس المدنيين الاجانب الذين ينتمون لمنظمات انسانية لإعادة اعمار العراق.
بعض القنوات الفضائية العربية تمول الارهاب بالدعاية لما يسمونها، المقاومة العراقية، وإذاعة مطاليب الارهابيين بأسم الاسلام، والاسلام برئ من الارهاب. هذه القنوات الفضائية تمارس العهر السياسي بأسم حرية الصحافة، والحرية تعني غياب العنف وليس ممارسة العنف السياسي او الاعلامي. فالحرية لا تعني أبدا الاعتداء على المواطنين بأسم الحرية. .
الإشكالية الأخرى هي عجز العقل السياسي العربي في إيجاد حل للمشكلات الأثنية والدينية في العراق والسودان والمغرب وسوريا ولبنان وغيرها. وهنا نأخذ قضية العراق أولاً بإعتبارها محورية وقضية الساعة. أين كانت الأمة العربية حين ضرب صدام حسين الشعب العراقي بأسلحة الدمار والفتك وهتك الأعراض بكل فئاته وطوائفه وأقلياته؟ لماذا عجزت العقلية العربية إستيعاب أسباب عدوان النظام العراقي بحق مواطنيه حتى شمل ذلك العدوان الكويت؟ لماذا هذا اليأس من الواقع؟ ولماذا خوف السنة من الشيعة وخوف الشيعة من السنة؟ وخوف العرب من الكرد، وخوف الكرد من العرب؟ أليس هذا أكثر مراحل الهزيمة العقلية، بتكفير كل جانب للجانب الآخر؟ أليس السنة والشيعة مسلمين ويرفعون لواء الوحدانية؟ أليس العرب والكرد شركاء في الوطن؟ أليس من الأفضل التعاون على ما يتفقون عليه، والتحاور والتفاهم على ما لا يتفقون؟
إستيقظ العرب متأخرين حتى وقعوا في الفخ الأمريكي. ولو لم يجد مجلس الأمن وبدعم الغرب تحالفا دوليا لتحرير الكويت وإيجاد منطقة آمنة للكرد في كردستان العراق ، وللشيعة في جنوب العراق عام 1991 لكانت تحدث كوارث إنسانية لا مثيل لها، ولَتراجع العرب إلى عصر العبودية والجواري والغانيات. ولقد ظهرت بالفعل تجارة الرقيق ببيع نساء الشيعة والكرد والكويتتين في الأسواق بعد أن قتلت القوات العراقية أزواجهن وآباءهن وإخوانهن أمام أنظار النظام العربي الرسمي، وفي إطار الأمن العربي المنهار. فهل من هزيمة للعقل السياسي العربي بعد هذه الهزيمة؟
لقد وجد الكويتيون أنفسهم في خانة التعاون مع الغرب وامريكا، مثلما وجد الكرد أنفسهم مجبرين أن يتوجهوا نحو الغرب ، بينما تحالف الشيعة مع إيران، فأصبح العقل العربي محتلا. وازدادت هجرة الكويتيين وقبلهم وبعدهم العراقيين إلى الخارج حتى تجاوزت الأربعة ملايين ، ونظموا أنفسهم، فوقع قسم منهم في شباك قوى أجنبية، وقسم آخر يتحسر على وطنه الجريح ويجد له عملا يعيل به نفسه وأهله وينتظر العودة، بينما تحول البعض الآخر إلى عملاء الأنظمة العربية والأجنبية الأخرى ووقعوا في الفخ، لا عفوا أعني في فخ النظام العربي الرسمي ليصبحوا أغنياء، بينما الأغلبية تحولت إلى مشردين وبائسين ومفقودين، وفي كل ذلك كان العقل السياسي العربي بعيدا عن فهم الواقع.
المشكلة الكبيرة هي تمسك القيادات العربية بكراسي الحكم على حساب الشعب. وفي هذا ليس للحاكم بُد إلاّ بالتعاون مع الإجنبي، لحماية سلطته من الشعب، فيدخل محور الشر إذا تمرد على الاجنبي، لإنه أصبح موظفا في إدارة أجنبية. ومهمة القوة العسكرية العربية هي لحماية الأنظمة من التمرد الشعبي.
__________________________ باحث وكاتب عراقي مستقل مقيم في السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ