الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيحيون لا ينقرضون..... حذار .. حذار ..

وديع شامخ

2011 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


عراقيون .. ولكن بعد هذا الفاصل " كولاج صحفي"

مهاد

لم تكن الهوية الدينية هي المصدر الرئيسي لتعريف المواطن العراقي على طوال تاريخه المعاصر والذي إبتدأ منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 على الأقل، وأنا لا أزعم عدم بروز صراع ديني او طائفي او مذهبي بل كانت هذه الصراعات ماثلة للعيان أحيانا أو مبطنة وخفية في معظم أدوار الدولة العراقية تبعا للظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية السائدة في كلّ حقبة من تاريخ العراق .
العراقي مواطن لا يختلف عن أي إنسان في الإرض يعيش في كنف دولة له هويته الوطنية الغالبة معنويا وماديا ، أي أن الهوية الوطنية هي مصدر التعريف الأول للمواطن العراقي ، وما عدا ذلك فله بالتأكيد مجموعة من الهويات الجزئية ، فهناك هوية قومية واخرى طائفية وثالثة دينية وقبلية وحزبية وربما مهنية .. الخ . هذه الهويات الجزئية المتعددة تتناسب في الأهمية وفقا لوعي حاملها ودرجة حساسيته وإنتمائه لأيٍّ منها .
لمصلحة مَنْ.. يتم تسويق الهويات وخلطها وتعويمها !!؟
هل الدين هوية وطنية ؟؟؟

ربما يثير هذا السؤال علامات إستفهام متعددة ، وتناقض مع حديثنا في السطور الاولى في كون الدين هوية جزئية ، ولكني تعمدت طرح هذا السؤال لإن مفهوم الهويات لم يعد بهذا التسلسل الذي أؤمن به وطرحته في " المهاد" ، كما ان المعضلة الاخرى جاءت من خلال تحويل الهوية الدينية من محيطها الروحي والشخصي في العلاقة مع الله الى حقل أخر له شروطه المختلفة تماما ، وهو الحقل السياسي! فالدين أو العقيدة الدينية أو الانتماء الروحي له شروطه في هذا الحقل لا يمكن ترحيلها الى حقول أخرى تتناقض تماما مع عمل الحقل الروحي الديني.
الصراع الديني في العراق الآن هو نتاج خلط مفهومي وأدائي بين الأولويات الإنسانية للعيش المشترك في ظل مجتمع متنوع وفسيفسائي مثل المجتمع العراقي وبين الإنحياز الى خطاب ديني يقضي بالسيادة على الإرض والسماء ، ومصادرة حقوق الكائن البشري عبر تسويق خطاب ديني – سياسي له الحق في تجاوز مفهوم تعايش المجتماعات في ظل عقد إجتماعي توافقي حر وهو " الدستور " بحسب جان جاك روسو الذي يذهب في كتابه (العقد الاجتماعي) " إلى أن هذا الفرض (الحريات والحقوق) ممكن التحقيق عندما تجمع الكثرة المفككة على أن تؤلف شعبا واحداً، وأن تحل القانون محل الإدارة الفردية وينزل عن نفسه وعن حقوقه للمجتمع بأكمله وهذا هو البند الوحيد للعقد الاجتماعي إذ بمقتضاه يصبح الكل متساوين في ظل القانون، والقانون ارادة الكل تقر الكلي أي المنفعة العامة وأن الشعب لا يريد إلا المنفعة العامة. فالإرادة الكلية مستقيمة دائماً ومن يأب الخضوع لها يرغمه المجتمع بأكمله". ، وليس على مبدأ الاغلبية الحاملة لهوية دينية جزئية ، حتى ان القاضي عبد الجبار المعتزلي يقول " إن الكثرة ليست من إمارات الحق ، ولا الأقلية من إمارات الباطل" .
الهوية الدينية الاسلامية فرضت مرتين على المواطن العراقي ، مرّة لوجود هويات أخرى جزئية مناظرة لها أزاء الهوية الوطنية العراقية، وأخرى عندما يحلّ رجل الدين محل رجل الدولة"ولوفي السر !! " كما هو حاصل في تدخل المرجعيات الدينية في العراق في أدق تفاصيل المجتمع العراقي المتعدد والمتنوع ، وهذا ما نتج عنه فقرات قانونية سنّت في الدستور العراق لتثبيت حق الدين الاسلامي كمصدر وحيد للتشريع ، وأيّ نص في الدستور يعتبر باطلا اذا تعارض مع الشريعة الاسلامية .. كما أن المراجع الدينية هي رموز وطنية مفروضة على الجميع كَفلها الدستور ، وحتى العتبات المقدسة ومزارات أولياء الطوائف الاسلامية لها خصوصية في الدستور!
فهل الدين هوية وطنية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

المسيحية هوية روحية

لم تَطرح المسيحية نفسها على إنها هوية خارج حقلها ، وهذا ليس عائد الى عامل تفوق العقل الغربي ووضع الدين ورجاله في أطار الكنيسة، رغم صحة هذا القول أزاء ممارسة الكنيسة الغربية وتعاونها مع الحكام في أكثر من دول اوربا ، ولا الكنيسة الشرقية كانت " بريئة جدا" من رغبتها في الحصول على مكاسب سياسية . إن الامر الواضح في البناء الروحي للمسيحية ومفاهيمها البنيوية هو أن لا تسمح لهذا التداخل بين الرسالة الروحية والحكم السياسي .. إن سر روحانية المسيحية تتأتي من دعوة مؤسسها " يسوع " وحديثه " أعطوا ما لقيصر لقيصر .. وما لله لله " و" مملكتي ليست من هذا العالم " ... الخ . هذا التنظير والتقعيد المبدئي الذي تحمله الروح المسيحية هو الذي جنّبها في العراق وفي الشرق أيضا ان تسقط في أحابيل وحقول الساسة .
لذا فالمسيحية هوية روحية جزئية ترفد الهوية الوطنية بكل ما يجعل معتنقها أن يكون مواطنا حقيقيا لبلده ، مواطنا مواليا لروح المواطنة .

................................

َمنْ ينقرض... العراق أم المسيحية ؟؟

لم نفترض ان المسيحيين هم أولاد الله المختارين ، وهم الأعَْلون في الأرض ! وليسوا هم خارج الشعب العراقي في أفراحه وأتراحه ، وقد أثبت التاريخ العراقي بقديمه وحديثة مساهمتهم الجديّة في بناء العراق ، ولهم أبناء عاقين أيضا، أيّدوا الحاكم الظالم وإنتصروا لثقافة الظلم ، وربما تمادوا وصاروا " أكثر ملكية من الملك " ، ولكن المسيحية ظلت هوية روحية والمسيحي لم يشهر يوما سيفا لبناء دولته الدينية ، لم يطالب بحقوق مخصوصة في الدستور إلا تلك التي تكفل له حقوق المواطنة ، أصابهم ما أصاب العراق لانهم مواطنون عراقيون وليسوا تبعيات وجاليات ..
هذا يقودنا الى السؤال المهم ، أذا كان المسيحيون عراقيون أصلاء ، فلماذا يبدأ التقعيد النظري السياسي والديني العراقي الآن لوصفهم بتوصيفات تجانب حقيقة المواطنة بوصفها التعبير عن الانتماء للوطن ، تارة يصف الخطاب السياسي العراقي المبطن بالديني ب" الاخوة المسيحيين " او " شركاء في الوطن" أو ما يسمى ب" المكون المسيحي" وغيرها من الصفات الطائفية الرائحة والتي تزكم الإنوف الوطنية العراقية ، وكأن السادة في دفة الحكم في العراق واحزابهم الغالبة قد أختاروا أن يحفروا قبرا للعراق ، عبر توزيع هويات " الموت" . فوصف المسيحيين بالإخوة له معنى سياسيى أخر وهو القدرة على الاستغناء عن الإخوة أذا اقتضت مصلحة الدين ذلك ولهم في النصوص القرآنية والسنن أسوة حسنة ، ووصف المسيحيين بالشركاء هو وصف ثعلبي سياسي يعني بالإمكان الإستغناء عنهم في أيّ وقت مناسب ، كما أن وصفهم ب" المكوّن" هو إقصاء علني لحين انتهاء دورهم في مسرحية تأثيث الحق لصالح الأغلبية الدينية الاسلامية
إن الخطاب السياسي المقترن بالديني سوف يساهم في حفر قبر العراق إذا ما أصر على بناء دستور ديني أو يكون الدين السوط الماثل على الظهور و الانفاس ..

.........................

دعوات لرحيل المسيحيين !!

المسيحي هو عضو فاعل ومواطن من الدرجة الأولى في المجتمع العراقي كما هو حال كل أعضاء المجتمع العراقي . فما تدعو له المنظمات الإرهابية " بكل نوايا مموليها " لرحيل المسيحين أمر يدعو الى مساءلة " السادة " و" المسؤولين" في العراق أولا والمجتمع العراقي برمته أيضا.
أذا كانت الهجمات الآن بالوعد والوعيد تطال المسيحيين من قبل منظمات إرهابية علنية ، فهو إجراء طبيعي جدا لطبيعة الخطاب الديني الاسلامي المتشدد سواء أكان سنيّا أم شيعيا ، لان هذا التطرف سوف تجابهه الحكومة العراقية بحزمة إجراءات جبرية لمعالجة الأمر ، وربما تنتصر القوات المسلحة العراقية وكل الإجهزة الامنية لإبطال العمليات المسلحة ضد المسيحين .. ولكن من يوقف الخطر الفكري الماثل في تكفير الناس في عقيدتهم .. هذا هو الخطر الحقيقي ..
فإذا ما كان الدستور العراقي هو المصدر الذي يشير الى تهميش وإقصاء العراقيين خارج خيمة وهيمنة القيم والافكار والعقائد الدينية " الإسلامية " فهل يحق لنا لوم متطرف هنا او حركة هناك تمارس القتل والإجلاء للعراقيين بعد أن وجدوا في دستور الاسلام وبعض فقرات الدستور العراقي ما يشير الى وجود المسيحيين كمواطنين من الدرجة العاشرة !!؟؟
هل يحق لنا مساءلة القتله بحق البشرية وهم ينتمون الى خطاب وتربية وأرضية خصبة لنمو شريعة القتل والتفكير ؟
إن دعوة المسيحيين للرحيل من العراق يعني أن العراق يدنو من حتفه كوطن للعراقيين جميعا .
ومن الغريب أن تبرز أصوات من المسيحيين خارج العراق تدعو أهلهم في العراق الى الهجرة والنفاذ بجلودهم من سعير الحرب الطائفية والموت المجاني الذي يطالهم في كل اراضي العراق ، وهم بهذا ينطلقون من حب وحسن نيّة وتقدير واقعي لموقف المسيحيين في العراق، ولكن الوجه الاخر للأمر يرينا غير هذا ، فالهجرة من الوطن شأن ذاتي يجب أن يقرره من هم الذي يكتوون بنار الموت هناك ، كما أن الانتصار الى خيار الهجرة وحده دون النظر الى بقية الخيارات يمثل وجه نظر أحادية لا تصمد أمام بقاء المسيحيين في الداخل ،و قَبلَ دعوة المسيحيين للهجرة يفترض القيام بحملة كبيرة يساهم فيها عراقيو الخارج جميعا وبخاصة المسيحيين أفرادا ومؤسسات واحزابا لفضح كل الجرائم بحق المسيحيين وتشخيص مرتكبيها وتحشيد الدعم الدولي للضغط على الحكومة العراقية والقوات الامريكية للحفاظ على حياة المسيحيين ، وتعريف العالم بكل ملابسات الحقوق الوطنية والإنسانية للمسيحي العراقي ، كما يجب التركيز ايضا على دعم المسيحيين في العراق بكل الوسائل المادية والمعنوية لتمكينهم من الوقوف بحزم ضد محاولات إقصائهم وتهميشهم في المشهد العراقي الآن وفي المستقبل.

......................................



خاتمة .

إن إثبات الحقوق الوطنية لجميع العراقيين عبر دستور عادل سوف يلغي سيادة الهويات الجزئية على الهوية الوطنية العراقية ، انه ليس حلما مستحيلا ، طالما نمتلك القدرة والعزيمة والإصرار على المطالبة بتحقيقة ، وإذا ما كان هذا دور المجتمع العراقي ونخبه الثقافية والسياسية اولا ، لكن دورالمسيحيين ونخبهم السياسية والثقافية والدينية في الداخل وجالياتهم في الخارج بتشكل قوة ضغط فاعلة سيكون له الدور الأكبر في تفعيل قضية تهجير المسيحيين أو محاولة لتهجيرهم من إرضهم العراقية .
أن لدور المسيحيين الدؤوب على اختلاف مذاهبهم الدينية والقومية واتحاد خطابهم يمثل خطوة جادة في الطريق الصحيح لتدارك الخطر الكبير الذي يواجه المسيحيين .
واعتقد ان بوادر إتحاد الخطاب المسيحي بدأت مشجعة عبر تداول مصطلح " الكلدو- اشوري" او " الكلدو – اشوري – سرياني" وان لم يُقعد عمليا ويعتمد كخطاب موحد لجبهة سياسية بين الطوائف المسيحية في المسار السياسي، ولكني أرى في شيوع هذه المصطلح حتى ولو شفاهيا سيكون له اصداءً طيبة للعمل المسيحي العام من أجل أن لا يكون العراقي نهبة لرغبة طائفة أو دين أو أهواء سياسية .. الخ إن تفعيل جبهة العمل من أجل إحقاق الحقوق للعراقي عامة والمسيحي خاصة يمثل إعادة لتوازن القوى وعدم السماح لإنفراد جهة دون أخرى وانتصار لميزان العدالة العراقية الذي لا نريد لاي جهة ان تكون " بيضة القبان" فيه.
إن تثبيت حقوق المواطنة في إطار دستوري شرعي مدني ، سيبعد عنا شبح خطاب المظلومية لايّ جهة ، هذه المظلومية التي شكلت الآن خطابها القسري والسائد على كل المجتمع العراقي ونحن لا نريد أحتمال المزيد من نتائج هكذا خطابات مظلومية من قبل أعضاء المجتمع العراقي عامة .
..............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكل متفق علة ابادة المسيحييين علنا او ضمنا
سرود توما ( 2011 / 1 / 4 - 04:28 )
بمجرد جعل الاسلام مصدر رئيسي لسن القوانين في الدستور العراقي !! ومن منطلق لا تأخذوا من الغير الاسلام اولياءا لكم,, فهذا يعني سحق المسيحي والصابئي والايزيدي وعدم السماح لهم بالابداع لانه في النهاية لا يحق له ان يراس اي شخص من موقع عمله وان حصل فهذا يعني انها مجاملة لا اكثر مع التقية!!
وهذا النموذج البسيط لسحق المواطنين العراقيين من غير المسلمين ولكم ان تحسبوا الباقي والتابع مثل
شهادة الغير المسلم في المحاكم
حقوق المراءة
الحقوق الثقافية
وان اضطهاد المسيحيين بالذات واضح للجميع ولا يمكن اخفاءه .


2 - الخلل الحقيقي
امير الصفار ( 2011 / 1 / 4 - 10:30 )
ارى ان الخلل الحقيقي في التهجير والقتل الذي يحصل الآن لكل الطوائف العراقيه وليس المسيحيين فقط هو خلل في اداء الاجهزه الامنيه العراقية التي اثبتت خلال السنوات الماضيه انها ضعيفه في تطبيق القانون على الخارجين عليه ولهذا نرى تفشي الجريمه بكل انواعها في بلد ضاعت فيه الهويه الوطنيه والانتماء الوطني بسبب التدخلات الخارجيه وعدم أيمان المسؤول العراقي بأنه الحارس الحقيقي لكل مايتعلق بالمواطن العراقي من حقوق وواجبات ..

اخر الافلام

.. الجبهة الشعبية الجديدة تعد -بالقطيعة التامة- مع سياسات ماكرو


.. كيف نتغلب على الحزن بعد وفاة شخص عزيز؟ • فرانس 24 / FRANCE 2




.. تحالفات وانقسامات وجبهات.. مشهد سياسي جديد في فرنسا


.. بعد اكتشاف -أسماء الفيل-.. هل للحيوانات وعي ومشاعر يجب مراعا




.. بايدن وزيلينسكي يوقعان اتفاقية أمنية مشتركة على هامش قمة الس