الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في فكر وسياسة المعارضة 3- 4

بدر الدين شنن

2011 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


بكل موضوعية ، يمكن اعتبار حدث مدرسة المدفعية الدامي في 16 حزيران 1980 في مدينة حلب ، مفصلاً لافتاً في الصراع على السلطة بين البعث الحاكم والقوى الإسلامية السياسية ، كما يمكن اعتباره أيضاً مفصلاً بارزاً بين مرحلة السبعينات ، وبين مرحلة الثمانينات والتسعينات ، في الحياة السياسية السورية المضطربة تحت حكم البعث ، في العقود الأخيرة من القرن الماضي .

وقد بدأت المرحلة الثالثة ( 1980 - 2000 ) من واقعة حدث مدرسية المدفعية ، وظلت تداعياتها الدموية والسياسية والأمنية ، تكبر مثل كرة ثلج متدحرجة ، على امتداد سنوات عدة ، ناقلة أمن المواطن وحقوقه السياسية والإنسانية من الأسوأ لإلى الأكثر سوءاً .

وعود إلى ما انتهى إليه المقال السابق ( في فكر وسياسة المعارضة 2 - 4 ) فإن جريدة السفير اللبنانية أنجزت حواراتها مع القوى السياسية السورية داخل وخارج الحكم ، حول ملف الأزمة السورية . وكانت المحصلة هي عدم التوصل إلى صيغة مشتركة ، تنقذ البلاد مما تتعرض له من مخاطر . إذ كان المحاورون المعارضون والمحايدون يؤكدون على أن العلاج الوحيد لأزمة البلاد ، هو رفع حالة الطواريء والأحكام العرفية وإطلاق الحريات الديمقراطية وسيادة القانون ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية . وكان المحاورون من داخل الحكم ، يصرون على أن ما يطالب به الآخرون ، يعني إ سقاط النظام .. ولذا فهو مرفوض .

والمناقشات التي أجرتها لجنة القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية الحكومية ، مع قطاعات سياسية وإعلامية ونقابية " مهنية علمية " تضم أطباء ومهندسين ومحامين ، ومع اتحادات رجال أعمال في الصناعة والتجارة والزراعة وغيرها ، كانت محصلتها مطابقة إلى حد كبير للحوارات التي جرت على صفحات جريدة السفير .

وخلال ذلك ، قامت " الطليعة الإسلامية المقاتلة " بفتح حوارات مع قوى إسلامية نافذة ، بما فيها فرقاً صوفية ، لجذبها إلى صفوفها ، أو للتحالف معها ضد النظام . وقد حققت " الطليعة المقاتلة " نجاحاً كبيراً في هذا الصدد ، وذلك نتيجة قمع النظام العشوائي والدموي ، الذي طاول مئات وآلاف المواطنين الأبرياء ، وتجلت بصمات هذا النجاح السياسية ومفاعيله العملية ، في أشهر قليلة لاحقة . وبالتوازي مع تلك الحوارات المميزة ولتسريع إنجاز أهدافها ، كانت " الطليعة المقاتلة " تفتح النار بغزارة لاغتيال رموز سلطوية وحزبية ، وشيوعية بعضها لاعلاقة له بالنظام ، خاصة في مدينة حلب ، التي غدت المسرح الرئيس للصراع بين هذه " الطليعة " والنظام .

وخلال فترة الحوارات القصيرة نسبياً ، كان البعض .. وأكثر قليلاً ، يتوقع أن يتلاقى النظام مع ما طرحته المعارضة والشخصيات السياسية المستقلة من حلول . لكن هؤلاء صدموا ، وانحازوا إلى الذين لم يراهنوا على هذا التفاؤل ، وذلك عندما وجدوا أن القرار المأمول لحل الأزمة ، لم يكن حلاً سياسياً وطنياً ديمقراطياً ، تشارك فيه جميع القوى السياسية ، التي عبرت بصدق عن قلقها وحرصها على الوطن وتعزيز وحدته وقوته ، وإنما كان حلاً سلطوياً قمعياً ، يختزل الوطن ومصالحه العليا بالنظام وبمقومات ا ستدامته ، ويختزل الدولة ببقاء القيادة الحاكمة ، بل ويطالب من هم خارج النظام الالتحاق به ، والالتزام بسياسته وتوجهاته ، تحت التهديد بتطبيق معادلة سياسية قمعية مؤلفة من خمس كلمات هي ( من ليس معنا فهو ضدنا ) . ما أدى إلى شرخ حاد في البلاد سياسياً وفكرياً وثقافياً ، انعكس في الاصطفافات السياسية والمذهبية اللاعقلانية ، التي ارتفعت سخونتها طرداً مع سير الأحداث والتفاعل الانفعالي معها .

وهذا ما أثار الخوف والقلق في الأوساط الشعبية ، وفي أوساط سياسية خارج النظام .. وخارج الاشتباك العنفي . وأثار لديها جميعها ، تساؤلات مشروعة تعبرعن الخوف من الحاضر والمستقبل ، إن على مستوى المواطن الفرد ، أو على مستوى الوطن بكامله .. يمكن اختزالها بالأسئلة التالية :
ماهي حقيقة العلاقة بين" الطليعة المقاتلة " و " جماعة الأخوان المسلمين " ؟
ماذا تريد القوى الاسلامية السياسية بمعارضتها المسلحة ضد النظام ؟
هل هو حقاً صراع مذهبي على خلفية الحيثيات الطائفية التي بررت بها هذه القوى هذا الشكل من المعارضة وحسب ، التي وردت في بياناتها وتصريحات رموزها ؟ وهل لهذا العمل المعارض المسلح ، حقاً ، علاقة بالمخططات الدولية المطروحة لجر سوريا إلى تسوية مع إسرائيل على غرار معاهدة " كمب ديفيد " التي وقعها الرئيس المصري السابق أنورالسادات 1979 برعاية أميركية ، حسب بيانات وتصريحات المسؤولين في النظام ووجهات نظر قوى سياسية خارج النظام ؟ .
وماذا يريد النظام من تطبيق خياره الأحادي القمعي ، بدلاً من الخيار السياسي الديمقراطي المطلوب ؟
وما هو تأثير كل ما يجري من عنف ودماء على العملية الاجتماعية السياسية في البلاد .. وعلى الوطن .. أرضاً .. وشعباً ؟ .
وما هي الخيارات ، المطلوب من القوى الوطنية الديمقراطية ، أن تسلكها وسط هذا الفضاء العنفي السائد ؟ .

لم يطل الأمر كثيراً ، وانجلى الموقف ، ليقدم الإجابة على كل التساؤلات المطروحة . وكان في مقدمة ذلك ، معطى جديداً مفاده ، أن " جماعة الأخوان المسلمين " باتت تتموضع في مشهد المعارضة الإسلامية المسلحة وغير المسلحة ، في موقع الممثل والقائد لهذه المعارضة ، وتعبرعن حيثياتها وأهدافها المذهبية والسياسية . وسواء كان الربط بين المعارضة " الأخوانية " المسلحة بحيثياتها وباستهدافها مواقع عسكرية ، وبين المخططات الدولية الهادفة إلى جر سوريا للتوقيع على معاهدة تسووية لإنهاء الصراع الجاري منذ عقود لصالح اسرائيل كمعاهدة كمب ديفيد ، أكان هذا الربط صائباً أم لا ، فإن تزامن ، ما تقوم به هذه المعارضة المسلحة في الداخل ، مع أجواء فرض التسوية إياها ، يفرض السؤال المشروع ، ويذهب بالإجابة لدى كثيرين إلى مستوى من الشك ، يسمح بالاعتقاد بوجود هذا الربط .

لاسيما أن الحيثيات الطائفية المسوقة للعمل المسلح ، عدا عن أنها غير مقنعة ، فهي غير إنسانية وتتعارض مع القيم الوطنية والحضارية ، لأنها تكرس طائفية بزعم مواجهة طائفية أخرى ، يمكن أن تعالج بوسائل ديمقراطية . وهي إن لم تدمر البلاد ، فإنها تقوي سطوة ا ستبداد السلطة على المجتمع . وهي ، أي المعارضة المسلحة ، في كل حال ، حسب موازين القوى فاشلة . وهذا ما أكدته التجربة .
ويمكننا ا ستناداً إلى الحيثيات الطائفية والاشتباكات المسلحة التي مارستها " الجماعة " ضد مواقع عسكرية ورموز مذهبية وسياسية سلطوية وغيرها ، وا ستناداً إلى طبيعة النظام القائم على الاستبداد والاستئثاربالحكم ، يمكننا أن نفهم لماذا كان خيار النظام هو القمع ، ولماذا ’حددت مآلاته بأن تكون وجودية بالنسبة لطرفي الصراع .

وعندما كانت تتساقط الضحايا بالعشرات والمئات والآلاف في الاشتباكات المسلحة ، أو في العقوبات الجماعية ، كانت السياسة المدنية المتمدنة تذبح . وكانت دواليب العملية الاجتماعية السياسية تتعثر ، إلى أن شوهت وجمدت ، وشوهت وجمدت معها العقلانية والأخلاقية في علاقة السلطة بالمجتمع . وتساقطت مع زخات الرصاص قيم ومفاهيم اجتماعية ووطنية وإنسانية نبيلة كثيرة .
وعلى ا ستحقاقات هذه الخلفية ، تم تحديد الخيارات المطلوب من القوى الوطنية الديمقراطية أن تسلكها . فكان الخيار الأساس تحت عنوان " التغيير الوطني الديمقراطي "

حتى آذار 1980 ، كان المشهد السوري يتكون من ثلاثة تيارات سياسية . الأول ، كان النظام المهيمن على الدولة ومؤسساتها . والثاني ، كان القوى الإسلامية السياسية بقيادة " جماعة الأخوان المسلمين " ونسبة هامة من برجوازية السوق وخاصة في مدينة حلب . والتيار الثالث ، كان " التجمع الوطني الديمقراطي " ، وحزب العمل الشيوعي ، وشرائح واسعة من القوى الشعبية والثقافية ، والشخصيات السياسية المستقلة .
التياران الأول والثاني ، كان خيار كل منهما واضحاً ، وهو تصفية الآخر وذلك باستخدام أشد آليات العنف فتكاً ، معرضين آلاف الأبرياء للقتل والإصابات المؤلمة ، والاعتقالات العشوائية ، والتعرض للتحقيق الشكي و للتعذيب الوحشي . أما التيار الثالث ، فكان خياره إنهاء الأزمة القائمة في البلاد ، بما يضمن وحدة الوطن وارتقائه ديمقراطياً واقتصادياً وإنسانياً .

وفي وقت كان فيه التياران الأول والثاني ، يتبادلان الحوار عبر التفنن بالاشتباكات الدموية والقتل والاغتيالات ، والاعتقالات ، طرح " التجمع الوطني الديمقراطي " بياناً رفض فيه ما يجري من صراع ، وما يجر هذا الصراع من مآس ومخاطر على البلاد . وطالب بمعالجة الأزمة سياسياً ، بما يحقق حماية الوطن ، وملاقاة " عثاره الكبير " . وتحركت النقابات المهنية العلمية في هذا الاتجاه . وكان من الأهمية بمكان ، هو إضراب نقابة المحامين في ( 31 ) آذار 1980 ، الذي طالب فيه المحامون ، برفع حالة الطواريء والأحكام العرفية وإطلاق الحريات الديمقراطية ، والذي انتهى بتدخل أجهزة الأمن واعتقال المحامين الذين قادوا ذلك الإضراب . وبعد بيان التجمع وإضراب نقابة المحامين ، أطلق النظام حملات الاعتقال لقوى التيار الثالث ، التي بدأت بعدد من نشطاء الحزب الشوعي - المكتب السياسي وحزب العمل الشيوعي .

وفي نفس العام 1980 ، ومع تصاعد الاشتباكات في حلب ومدن أخرى ، ومع تزايد مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية طائفية ، بادرت قوى " التجمع الوطني الديمقراطي .. باستثناء ( الحزب الشيوعي - المكتب السياسي ) ، وحزب العمل الشيوعي ، بادرت إلى إصدار بيانات تستنكر فيها التطرف الديني وتدين عنف القوى الاسلامية المسلح ، الذي يجري على خلفية طائفية . وقد اتخذ النظام من عدم إصدار ( الحزب الشيوعي - المكتب السياسي ) بيان إدانة لهذا العنف ، اتخذه ذريعة لاتهام الحزب بالتعاون مع " جماعة الأخوان المسلمين " ولمواصلة حملته الواسعة ضد الحزب ، التي طاولت أكثرية كوادر الحزب واللجنة المركزية والمكتب السياسي والأمين الأول للحزب .

* * *

في عام 1980 أيضاً ، أصدر النظام المرسوم ( 49 ) الذي يقضي بإعدام المنتمين إلى " جماعة الأخوان المسلمين " . وأطلق أيدي الأجهزة الأمنية بصلاحيات ا ستثنائية مغطاة بحالة الطواريء والأحكام العرفية ، ومرسوم يعفيها من المسؤولية القضائية جراء ا ستخدامها الإفراط في التعذيب وفي ممارساتها العنفية . وا ستنفرمحكمة أمن الدولة . وشكل محاكم عسكرية ميدانية . وخصص أجنحة للأمن السياسي وأمن الدولة والأمن العسكري في السجون المدنية , ووسع السجون العسكرية في تدمر ، وذلك لمحاكمة المعتقلين ، وتنفيذ الأحكام ، وأوامر الاعتقال العرفية . وأطلق حملات اعتقال شملت عشرات الآلاف من المواطنين ، الذين كان قسم منهم يعتقل على الشبهة أو كرهينة بديلاً لمطلوبين فارين من وجه حملات الاعتقال .

وتفشت ظاهرة الاشتباكات المسلحة بين " الجماعة " والنظام ، حيث تتواجد مواقع النظام الأمنية والعسكرية ، وحيث مخابيء أفراد الجماعة المسلحة ، التي راح ضحيتها مئات من الأبرياء . ولعل أبرزها ، مجزرة سوق الجابرية الشعبي وحي كرم ميسر 1980 ، ومجزرة حي الكتاب 1981 ، بحلب . على أن المجزرة الفظيعة الأكثر دموية ، تلك التي وقعت بمدينة حماة 1982 ، إبان الاشتباك الأكبر ، الذي ما زال سؤالاً كبيراً معلقاً ، بين " جماعة الأخوان المسلمين " والنظام .

وإذا لوحظ في سياق المقال ، أن هناك تجنباً للدخول في عدد وتفاصيل الاشتباكات والقتلى والضحايا البريئة ، فلأن هذا المقال مكرس فقط لعرض الملامح ألأساسية في زمن الاشتباكات والعنف ، لإضاءة المقدمات التي انبنى عليها التمويه على جوهر الصراع الطبقي الجاري في البلاد ، والتي شكلت المقومات الفعلية للسياسة ولسيرورة العملية الاجتماعية السياسية بشكلها طبيعي .
هذا المسلسل العنفي الدموي من 1979 - 1982 ، وما تبعه من تصفيات جسدية ، من خلال أحكام الإعدام ، والتعذيب ، ووضع عشرات آلاف المواطنين خلف القضبان ، عمق وزاد الأزمة السورية سوءاً وتعقيداً ، ودفع سوريا نحو مستقبل مجهول ، وجمد المعارضة السياسية التقليدية ، وأخرج السياسة والحقوق المدنية من الحياة العامة ومن التداول اليومي إلى أجل غير معلوم . وشدد من قبضة الاستبداد على الحكم ، وسمح للنظام وأهل النظام بالتصرف بمقدرات البلاد ، وسرقة المال العام ، وتعميق التمايزات الطبقية التي تسيدهم على المجتمع ، حسب اهوائهم ، ومصالحهم ، على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية .. دون معارضات .. ودون معوقات .

* * *

ما بعد تغييب وغياب معظم قوى المعارضة الأساسية ، المسلحة ، وغير المسلحة ، في السنوات الأولى من الثمانينات ، في القبور ، والسجون ، والمنافي ، وتحت الأرض ، وانفلات العنف الأمني من عقاله على امتداد البلاد ، انفلت أيضاً ما يجوز تسميته بالعنف الاقتصادي الاجتماعي . ودخلت سوريا مرحلة اجتماعية سياسية نوعية جديدة ، تمثلت في الإمعان في توظيف هيمنة أهل الحكم على القطاع العام ومؤسسات الدولة الخدمية ، لإجراء تغيير نوعي في دور هذا القطاع وهذه المؤسسات ، من وظيفة اقتصادية اجتماعية ترفد الدولة والمجتمع بمصادر القوة والنمو ، إلى وظيفة برجزة أهل الحكم ، من أوساط مدراء ووزراء وضباط ومسؤولين حزبيين ، والإسهام في إعادة هيكلة الاقتصاد ، بحيث تتحول البرجوازية التقليدية فيه إلى شريك تابع لهيمنة برجوازية السلطة .

وقد لعب الدكتور " محمد العمادي " دوراً هاماً في إحداث هذا التغيير . فقد كانت الأوامر والتوجيهات الصادرة عن القيادة الاقتصادية " العمادية " المباركة من القيادة السياسية العليا ، تنفذ على كل المستويات دون " نق " أو احتجاج ، اللهم للتذكير بالشمول بالنعم الجديدة المتأتية عن تلك الأوامر والتوجيهات . ولاغنى هنا عن التذكير بتواطؤ التنظيم النقابي الحكومي ، الذي لم يتحرك حركة مجدية واحدة للدفاع عن القطاع العام إزاء الهجوم الإداري البيروقراطي اللصوصي ، وإزاء تجميد الأجور لزيادة فائض القيمة لإثراء المدراء الفاسدين والبرجوازية الجديدة القديمة ، وإزاء ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور ، والتذكير أيضاً بتواطؤ أحزاب " الجبهة الوطنية التقدمية " الحكومية ، التي انخرطت في حركة التغيير هذه وحركة السوق ، حتى باتت ثروات كادراتها في النسقين الأول والثاني تقدر بالملايين ومئات الملايين من الليرات السورية .

في السنوات الأخيرة من الثمانينات ، بلغ الثراء غير المشروع حداً مبهراً . وبلغ الفساد مستويات مذهلة . وصارت الأوضاع الاقتصدية عامة تهدد بالمزيد من الأزمات المعيشية والفقروالبطالة .

في التسعينات ، هدأت التوترات الأمنية نسبياً . لم يعد هناك حملات قمع جماعية . الاعتقالات اقتصرت على من هم قيد الملاحقة ، أو مرتبطة بوقائع مستجدة . وبدأت مرحلة الإفراجات عن معتقلي الرأي . المرضى وكبار السن أولاً ، ثم المعتقلين الآخرين ، با ستثناء عدد من كل تنظيم أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة . غير أنه قبل نهاية القرن العشرين تم الإفراج عن الجميع تقريباً . ولم يبق في السجون سوى نسبة غيركبيرة من معتقلي " جماعة الأخوان المسلمين . لكن التوترات والحملات الاقتصادية تواصلت . وحقق أهل الحكم وشركاؤهم مستويات هامة من النجاح ، سواء على مستوى النفوذ في السوق ، أو على مستوى الثراء . وأصبح كثيرون من أهل الحكم ، يملك الواحد منهم عدة مليارات من الليرات السورية أو من الدولارات . بالمقابل ازدادت الطبقات الشعبية بؤساً ، وتعمقت الأزمات الاجتماعية ، التي وضعت 60 % من المواطنين تحت خط الفقر .

وفي التسعينات أيضاً ، بدأت المعارضة أنشطة خارجية متميزة ، تدور معظمها حول الحقوق المدنية وحقوق الإنسان . وفي الداخل بدأ صوت المعارضة يسمع وسط النخب الثقافية ، لكنها ، أي المعارضة ، رغم التبدل الكبير في البنية الاقتصادية الاجتماعية داخل النظام وخارجه وعلى مستوى المجتمع ، ورغم التداعيات المؤلمة المتأتية عن ذلك ، لم تقم بإجراء قراءة جديدة لواقع البلاد السياسي الاجتماعي ، وظلت تراوح في محور مطالبها الثابتة السابقة ، لم تتطرق بعمق للمسألة الاجتماعية ، ولم تتموضع في الوسط الشعبي ، الذي يكابد من النظام أضعاف ماتكابده النخب التي تراهن عليها .

في نهاية عام 2000 قرر التجمع الوطني الديمقراطي ، الانتقال إلى العلنية في معارضة النظام ، وذلك على نفس البرنامج الذي أعلنه قبل عشرين عاماً ، بينما تتطلب هذه النقلة تغيراً جذرياً له صدى جماهيري في البرنامج المعارض ، ليواكب التغييرفي أسلوب المعارضة . ما يشي أن لاخلاف اقتصادي كبير بين هذه المعارضة والنظام .

وبالتزامن مع تراكم ثراء برجوازية أهل الحكم وشركائهم في البرجوازية التقليدية ، تراكمت طرداً الأزمات المعيشية للطبقات الشعبية ، وتراكم الفساد إلى حد أجبر بشار الأسد ، في خطاب القسم في أول فترة رئاسية له عام 2001 ، أن يعد بالاصلاح لتقويم الأوضاع المتردية .

والسؤال الوارد هنا ، لماذا قبلت المعارضة بوعد الإصلاح الرئاسي ، وما هو الإطار الذي طرحته لتحقيقه ؟ وما علاقة هذا الاصلاح بالعملية الاجتماعية السياسية ، التي تهم الطبقة العاملة والطبقات الشعبية عامة ؟ .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان