الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي انجازات المثقف الفلسطيني؟أسئلة في صلب الثقافة الفلسطينية.

نادية عيلبوني

2011 / 1 / 4
القضية الفلسطينية


لا يكفي أن نقول أن حال الثقافة والمثقف في فلسطين هما في وضع كارثي، فهذا التوصيف برأيي لا يعني شيئا، وهو توصيف عام وناقص ،مثل هذا القول ربما يشبه إلى حد بعيد نشرة جوية يكتفي فيها المذيع بنقل درجات الحرارة لنا دون أية تفاصيل أخرى عن حالة الطقس.
نحن إذا نحتاج إلى التفاصيل بعيدا عن التنظيرات التي لم تقدم حتى الآن أجوبة بمقدار ما قدمت تبريرات وحجج واهية عن ما آل أليه حال الثقافة في فلسطين. نحن نحتاج إلى الدخول في صلب أسئلة الثقافة وجوهرها لندرك حقيقية التردي الذي لا زال جاثما على صدورنا. دعونا ندخل من الباب الواسع والعريض إذا، لنطرح بعض الأسئلة التي تفيد موضوعنا.

سنحاول هذه المداخلة المتواضعة مساءلة المثقف أسئلة تتعلق بطبيعة دوره ووظيفته في مجتمعه.بعيدا عن أحجية الشعارات فتباكي المثقف الآن على الحريات المهدورة لا يمكننا التعاطف معه دون مساءلة ، وسنحاول أن ندع جانبا بكائيات المثقف المتفجعة التي تنعي إلينا الحريات في مشاهد استعراضية تكاد تنسينا انه هو دون غييره كان أحد أهم الأسباب لوصولنا لهذا المأزق في كل مناحي الحياة الفلسطينية. سنسأل هذا المثقف ماذا فعل عندما كانت القوى الأصولية تلتهم المجتمع كله وتعيد تشكيله على أسس مذهبية ودينية مغرقة في التطرف ومعاداة الحريات بكافة أشكالها؟ أين كان هو ؟ وماذا فعل عندما كانت تلك القوى التي تسلطت على مجتمعنا ،تعلن تكفيرها لكافة أشكال الإبداع و الفنون الأخرى التي تصنع ثقافة الشعوب؟ هل أسمعنا هذا المثقف صوته عندما كانت حركة حماس ومن ماثلها في أصوليتها ، تكفّر الشاعر والفيلسوف والفنان وكل ما يؤشر على وجود ثقافة لشعب حي؟ لماذا تعامى هذا المثقف عن ظاهرة استفحلت في المجتمع الفلسطيني ،ألا وهي ظاهرة تكفير المختلف دينيا والتحريض عليه وعلى وجوده ؟ لماذا تحول هذا المثقف آنذاك إلى أعمى كليا عن مشاهدة المقص الأصولي وهو يعمل تقطيعا في لحم الشعب الفلسطيني ليفصل مسلميه عن مسيحييه بلغة وحشية تمحو كل ما كانت فلسطين تعتز به من تعايش بين مختلف دياناتها؟ هل حقا أن هذا المثقف لم يكن يسمع أو يرى هؤلاء وهم ينفثون سمومهم على المختلف من أعلى المنابر والمساجد في كل مدن وقرى فلسطين؟ أو أن هذا المثقف قد أضحى أعمى كلية بحيث لم يتمكن من رؤية مظاهر الاعتداءات المتكررة على كرامة وحياة وعقيدة جزء أصيل من شعبنا؟هل حقا أن هذا المثقف لم يلحظ أن أكبر موجة لهجرة المسيحيين الفلسطينيين جاءت نتيجة لهذا التحريض وتلك الاعتداءات، وتحديدا أثناء وبعد الانتفاضة الثانية؟
طيب ، لنقل أن هذا المثقف لم ير كل هذا، وكان مشغولا بمنافسة السياسيين على التصريحات والخطابات والظهور في الفضائيات ،ولكن هل هذا العذر يكفي لإقناعنا ، أن مهمة هذا المثقف كانت ثقيلة الحجم بحيث أعمته عن رؤية تحويل المدن والقرى الفلسطينية إلى كهوف أشبه ما تكون بكهوف تورا بورا، وأعمته عن ظاهرة التحريض ضد النساء السافرات اللواتي كن يوصفن بالزنى ويرمى بهن بماء النار عقوبة لهن على الظهور بدون الزي الموحد الذي فرضته القوى الأصولية على النساء في كل العالم ؟يبدو أن كل هذا لم يكن من باب اهتمامات المثقف ،وهذه الظواهر الاجتماعية الغربية التي بنيت على أساسها ثقافة منغلقة ومتوحشة وخارجة عن قوانين الحياة والتي غزت مجتمعنا ليست بذي بال، أو هي لا تعني المثقف في شيء، تماما مثلما كان ولا يزال لا يعني شيئا قنل نسائنا على خلفية ما يدعى الشرف. علينا أن نعذر مثقفنا ،ولا نحمله الذنب في صمته المطبق على ما يدعى جرائم الشرف التي كانت ولا تزال تحصد حيوات نسائنا يوميا. لأنه كان مهموما ومشغولا بمقارعة الاحتلال على الفضائيات إلى الحد الذي أعماه عن الاشتغال بوظيفته الأساسية في مجتمعه كمثقف.
ما يدعو إلى العجب بمقدار ما يدعو إلى الاستهجان والإدانة والغثيان، أن هذا المثقف الذي يتباكى الآن على الحريات الضائعة، هو نفسه الذي ساهم في تصدّير حركة حماس لنا ، كحركة وطنية مقاومة مدعيا أحقية وشرعية كل ما تطرحه من رؤى مدمرة لوطننا،ابتداء من رؤيتها لفلسطين كوقف إسلامي ، ومرورا بإظهار صراعنا مع إسرائيل كصراع ديني،وليس انتهاء بالعمل معها على تعزيز ثقافة الموت ورفعها إلى مرتبة القداسة لتتفوق على كل ما عداها، وعلى كل ما ينبض بالحياة قي فلسطين،أليس للمثقف حصة الأسد من تعزيز ثقافة الموت والعنف في مجتمع فلسطيني هش لا يزال خاضعا للعصبيات العائلية والعشائرية وأحكام الثأر وقتل النساء، والغير محصن في بنيته ضد أي شكل من أشكال العنف؟هل تريدون نماذجا، اقرأوا بهذا الخصوص ما كتبه المتوكل طه في هذا الصدد في مقالته المعنونة : هل العنف أصيل في ثقافتنا؟ ولاحظوا دفاع رئيس اتحاد الكتاب سابقا المستميت في هذا المقال عن حركة حماس.وعن ثقافة العنف والاستبداد .!! اقرؤوا دفاعه عن تنظيم القاعدة ووصفه لها بالحركة الممانعة .!! أقرؤوا أيضا ما كتبه غيره بهذا الخصوص من الذين تفرغوا وانحطت ثقافتهم إلى درك الدفاع الأعمى عن الموت الفلسطيني المجاني ومحاولة تزويقه وتسويقه . ولاحظوا أيضا، كيف انحط دور المثقف الماركسي وكيف بلع لسانه وفكره ، وتحول من داعية إلى تحرير الوطن و المجتمع والمرأة، إلى داعية من نوع آخر ، وإلى ذيل ملحق بالحركة الأصولية التي تنبذه ولا تحترمه ولا تقيم له أي وزن..!!
قلائل جدا من المثقفين والمبدعين الفلسطينيين من الذين تحسسوا خطر تلك الثقافة التي تدثرت بعباءة الموت والتخلف على مجتمعاتنا وحذروا منها، وجل هؤلاء للأسف ذهبت أصواتهم أدراج الرياح ،أو فضلوا الصمت بعد ذلك، أو السلامة.إلا أن الغالبية العظمى للأسف اختارت أن تمشي وراء ركب المطبلين والمزمرين للفكر السائد الهش والمخرب والخالي من أية موهبة أو معرفة أو ثقافة حقيقية ،ولكننا نستطيع أن نرى ونصطدم حتى الآن، بأولئك الذين اختاروا أن يبقوا بعيدا عن جوهر الثقافة التي تسعى إلى تنوير شعبها والأخذ على عاتقها القيام بالمهمات الصعبة والضرورية لتطوير مجتمعها. وبقيت على سباتها وضمن رؤاها التي لفظتها الشعوب الحية وألقت بها إلى مزابل التاريخ . ولكن السؤال الآن هل تعلم هذا المثقف شيئا من كل تلك التجربة المضرجة بدماء شعبنا ودم ولحم المعرفة والوعي الحي واليقظ؟
لنا أن نتساءل أيضا في السياق ذاته، ترى ألا يوجد من بين المثقفين من هو علماني أو ملحد حتى؟ هل من المعقول أن لا تنجب فلسطين غير نموذج واحد ووحيد من المثقفين " المؤمنين الصابرين المرابطين إلى يوم الدين"أو من أولئك الذين يعيدون اجترار التاريخ بكل أساطيره وخرافاته ورموزه المزيفة؟ أين هم هؤلاء يا ترى؟ كيف نعثر عليهم في حقل الإبداع والثقافة؟ وهم إن وجدوا وحاولوا التعبير عن رؤاهم، من يحميهم؟ هل لدينا مؤسسات حقيقية تعني بحرية الكتابة وحرية الإبداع وحرية الفكر؟
ولكي لا تبدو الصورة ظلامية تماما، دعنا نقول، أن هناك جيل جديد من المثقفين الذين لا زالوا يبحثون عن موقع لهم في ساحة لا زالت تعج بعتاولة الثقافة التي جلبتها معها المنظمات الفلسطينية بكل شلليتها وعلاقاتها العشائرية ومصالحها الصغيرة ،.إلا أن هؤلاء وغيرهم من المثقفين الذين لم يفقدوا بوصلة الطريق بعد،هم خائفون أيضا، فتراهم يأخذون مناح أخرى لا تحاكي ما يحتاجه المجتمع الفلسطيني من تغيير. لسنا ضد الغزليات التي نقرؤها هنا وهناك ، ولسنا ضد التحرر الذي يصور الحب والرغبات، ولكن هذا ليس كل شيء، فالدخول إلى كافة المناطق المحظورة في ثقافتنا، هو ما يميز المثقف عن غيره من الرعاع. ليس المطلوب من المثقف أن يبني ويشكل وعي الناس وفقا لما يطلبه الجمهور الكسول والخامل والنائم على كم هائل من الخرافات والأساطير. المثقف الحقيقي هو الذي يستفز عقل قارئه وهو الذي يستطيع إثارة الجدل وخلخلة الثوابت والقناعات الراسخة والمستنيمة ، ليؤسس بدلا منها لثقافة أخرى قابلة للحياة وقابلة لتطوير عقول الناس والارتقاء بمستوى حياتهم وتطلعاتهم.
نحن نحتاج حقيقة، إلى ثقافة ومثقف يزيلا الستار عن المسكوت عنه، ثقافة ومثقف قادران على التصدي لظاهرة قتل النساء، وتعري القيم التي تحتقر المرأة.نحتاج إلى ثقافة أخرى جديدة تحترم نصف مجتمعنا الذي تمثله المرأة وتعيد الاعتبار إليها كإنسان كامل الأهلية، ثقافة تحترم حقوق المختلفين دينيا ومذهبيا في وطنهم وتحترم الحق في المعتقد والحق في التعبير للجميع..نحتاج إلى ثقافة منفتحة تضع حدا لمنهج التحريض والتخوين التي تنهش في لحم وعظم مجتمعنا، ثقافة تعيد الاعتبار لمعنى الوطن وتبتعد به عن صيغ التقزيم التي تجعله منه كنائس ومساجد ومقابر وأضرحة ومقدسات دون بشر.
نعم نحن نحتاج إلى هذا المثقف الشجاع الذي لا يختبأ وراء مفردات وعبارات غامضة وغير مفهومة ليظهر لنا أنه مختلف وذكي وعبقري ،نحتاج إلى مثقف ومبدع لا يكتفي بتوصيف لواعجه في الحب، لأن الحب أيضا يحتاج إلى أحرار، وهو علاقته تفترض وجود نساء يتمتعن بالحرية ولديهن القدرة على التجاوب مع تلك العاطفة الإنسانية والنبيلة.الحب لا يمكن له يستقيم في ظل عبودية نسائنا.
وأخيرا أقول، أنه ليس من الشجاعة في شيء أن نمضي إلى الموت من أجل الوطن بشكل أعمى ودون دراية أو تفكير، الشجاعة الحقيقية هي تلك التي تتجسد في المجابهة اليومية للمثقف لكل هذا القرف الذي نعيشه، وكل هذه المفاهيم القروسطية الذي تعشعش في رؤوسنا ،وتعيش بيننا ونطلق عليهه زورا وبهتانا اسم ثقافة ،
ليس من العدل ولا المنطق يا ساداتي ، أن نخوض معركة الحرية مع الاحتلال، ونحن لا نزال نحمل إرثا هائلا من ثقافة العبيد؟هذا ليس من العدل أبدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيدة نادية العيلبوني
خالد عبد القادر احمد ( 2011 / 1 / 4 - 17:41 )
تحية وبعد
اتفق معك فيما استحضرته من تساؤلات وحث في مقالك, وفي نقد الساكتون عن الحق,
والحقيقة ان المسالة اكبر من محاكمة ثقافية فهي تتعلق بمحاكمة التوجه الايدولوجي الفلسطيني العام, اكان مثقفا او غير مثقف, فهو توجه جوهره الفكري النفسي الغريزي معيشي انتاجي اقتصادي غير نضالي ولا يملك الجرأة السياسية اللازمة لانجاز التحرر, وهو مغروز في بنية العقل الفلسطيني بحكم التجربة التاريخية التي حرمته من الاستقلال والسيادة وحرية تقرير المصير وحق ادارة الشان سياسيا, والان يعمقه تراجع ثقافي لا يدرك الفارق بين الثقافة الوطنية والثقافة الجهادية الامر الذي يحيل المجتمع الى محاكمات اخلاقية هناك تسليم مسبق بحق وشرعية ولاية الثقافة الدينية عليها
ان تحررنا الثقافي وتجسده في صورة سلوك حضاري لا يمكن لنا احرازه الا في حال ادراكنا للايدولوجي فينا والكف عن التصرف بحكم العادة,

اخر الافلام

.. إسرائيل سقطت في فخ حماس..فكيف تترجم -الانتصار- على الأرض؟ |


.. تمرّد أم انقلاب؟ إسرائيل في صدمة!| #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد مسار عملية رمي جمرة العقبة في أول أيام عي


.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات الخلاف في إسرائيل بشأن -هدنة تكتيك




.. مظاهرات في ألمانيا والنرويج نصرة لغزة