الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تختفى خفافيش الفساد من مصر؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2011 / 1 / 5
الادارة و الاقتصاد


تعد مصر المحروسة من أولى الدول التى تعهدت بمكافحة الفساد بأشكاله المختلفة ونعتبر من ضمن ثلاثين دولة اجتمعت فى مكسيكو فى ديسمبر 2003م لتوقيع اتفاقية محاربة الفساد، وهى اتفاقية تنص على أن تقوم الدول الموقعة بتجريم ليس فقط الأشكال المعروفة للفساد كالرشوة واختلاس الأموال العامة بل يشتمل أيضا على أنواع أخرى كاستغلال النفوذ أو السلطة والتواطؤ والتستر على الفساد وغسيل الأموال وتعطيل العدالة. من المعروف أن مصر تتمتع بالآليات التى تساعدها على القضاء على الفساد، فلديها الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تمتلك ترسانة من التشريعات والقوانين التى تتصدى للفساد.

ورغم ذلك فإن مصر تعتبر من الدول التى تعانى من تنامى أذرع الفساد التى طالت كافة المؤسسات. الملفت للنظر أن المسئولين يدركون خطورة الموقف وعلى دراية تامة بتغلغل الفساد وانتشاره فى أرجاء المعمورة حيث أشار أحد النواب البارزين فى مجلس الشعب أن الفساد "وصل للركب" فى الإدارات المجلية. من المعروف أن هنالك دراسات وتقارير عديدة قد رصدت حجم الفساد المنتشر وتطرقت إلى الأسباب التى تساعد على نموه حتى صار ماردا يصعب اجتثاثه والتخلص منه. من الملاحظ أن الفساد لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والإدارية فحسب بل يلقى بظلاله على المناحى السياسية أيضا. لعل الانتهاكات التى حدثت فى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب من بلطجة وشراء أصوات وتزوير هى فى الواقع نوع من الفساد.

الجدير بالذكر أن التقارير المحلية والدولية تشير إلى أن مصر باتت فى زمرة الدول التى يجثم الفساد على صدرها وأنفاسها. لعل تقارير منظمة الشفافية الدولية تقدم لنا ما يستحق التأمل حيث تبين أن معدل الفساد بات مصدرا للإزعاج. لقد أوضح مؤشر الفساد فى عام 2008م أن مصر حصلت على 2.8 درجة، وهى درجة متدنية حيث تحتل رقم 115 من إجمالى 180 دولة. أما مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فقد قامت بإعداد دراسة حول مناهضة الفساد حيث تم مناقشة نتائجها فى ندوة تحت عنوان "نحو مجتمع أكثر شفافية" فى الفترة من 19-20 ديسمبر 2006م حضرها الدكتور احمد درويش وزير التنمية الإدارية. لقد تطرقت الدراسة إلى معلومة مهمة مفادها أن 28.5% من المصريين يعتقدون أن ارتفاع الأسعار هو انعكاس للفساد وأن هذا الارتفاع يعمل على توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء مما زاد من معدل المعاناة للمواطنين. وأشارت الدراسة أيضا أن 88% اعتبروا انخفاض الأجور سببا رئيسيا لانتشار الفساد.

وواصل المركز فى منتصف 2009م فى إصدار تقرير آخر يرتكز على استطلاع آراء ثمانمائة من أصحاب الأعمال حيث تبين أن المحليات تمثل أكثر المواقع فسادا. ويوضح التقرير أن 47% من أصحاب الأعمال المتوسطة والصغيرة يضطرون إلى دفع رشاوى لموظفى الحكومة بغية الحصول على تراخيص ولتجنب دفع الغرامات. الخطورة فى الأمر تكمن فى أن مقدمى الرشوة ومتلقيها لا يعتبرون المبلغ المدفوع رشوة لكنه إكرامية أو"شاى" فى ثقافة التعامل مع بعض إدارات الحكم المحلى.

لا نضيف جديدا إذا قلنا إننا لا نعانى من نفص فى قوانين تتصدى للفساد لأن القوانين كثيرة و"على قفا من يشيل" كما يقولون. وفى رأى منظمة الشفافية الدولية فإن الآلية القانونية لمحاربة الفساد فى مصر جيدة ولكنها لا تنفذ بشكل كاف. من الواضح أن هنالك فجوة عميقة بين القانون والواقع. ويعزى البعض عدم تطبيق قوانين محاربة الفساد إلى البيروقراطية الحكومية والى الصراع الكامن بين البيروقراطيين. وفى ظنى فإنه لو تم تطبيق نصف أو ربع مواد القوانين التى فى جعبتنا فسوف نحول الحياة إلى الأفضل. لعلنا لا نتفق مع تقرير منظمة الشفافية الذى يشير إلى أن الطبيعة التسلطية للدولة من شأنها أن تخرس أصوات المجتمع المدنى ومن ثم تجريد المواطنين من آليات محاسبة المسئولين الحكوميين. ففى الكثير من الأحيان نجد أن الرقابة الإدارية التى تعتبر من الجهات المنوط بها مراقبة الفساد لا تقف مغلولة اليدين أمام بعض مسئولى الحكومة. ومن الإنصاف أن نذكر القارئ أن أجهزة الدولة هى التى رصدت وكشفت معظم قضايا الفساد التى تناولتها وتتناولها المحاكم.

وخلاصة القول إن الفساد الذى يزدهر وتفوى شوكته فى ظل غياب الشفافية والرقابة يمكن مقارنته بالخفافيش التى تظهر وتتحرك وتخرج من جحورها وخنادقها فى جنح الظلام لتصول وتجول وتعيث فى الأرض فسادا ولكنها سرعان ما تختفى مع إشراقة الشمس. ويحضرنى هنا قول الإمام ابن القيم الجوزيه فى كتابه "مفتاح دار السعادة:

خفافيش أعشاها النهار بضوئه
ولائمها قطع من الليل بادية
فجالت وصالت فيه حتى إذا
النهار بدا استخفت وأعطت تواليا

وفى ظنى فإن أفضل السبل لمكافحة الفساد هو تقوية الأضواء الكاشفة من خلال دعم حرية الصحافة ومن خلال دمج الهيئات والأجهزة الرقابية المختلفة التى أشرت إليها فى الفقرة الأولى فى إدارة واحدة تحت مسمى الهيئة العليا لمكافحة الفساد تماما كما فعل الأمريكيون عقب تفجيرات 11 سبتمبر حيث تم استحداث وزارة الأمن الداخلى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا