الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذبحة كنيسة القديسين طائفية جذورها داخلية

جوزيف بشارة

2011 / 1 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


لن يستقيم حال أوطاننا ولن ينصح حال شعوبنا ولن تحل المشاكل التي تواجهنا طالما بقينا ندفن رؤسنا في الرمال محاولين الهروب من حقائق الأمور. هذه حكمة لا يريد الكثيرون في بلادنا الإيمان بها والنتيجة دائما تكون المزيد من الكوارث فوق رؤسنا ورؤوس ذوينا وأهالينا. يغمض الحكام الدكتاتوريون أعينهم عادة أمام الحقائق بغرض الهروب من المسئولية أو إرضاء الجماعات ذات النفوذ الكبير في لضمان استمرار نظم حكمهم، بينما يتجاهل أخرون الحقائق بهدف فرض نتائج معينة تتفق مع الأيديولوجيات التي يتبنونها. كانت المذبحة البشعة التي وقعت في كنيسة القديسين بمدينة الأسكندرية بشمال مصر من المواقف التي تجلت فيها بحق مسألة إخفاء الحقائق.

كان الرئيس حسني مبارك من أوائل الذين أخفوا حقيقة جريمة كنيسة القديسين أولاً حين قال أن العمل الإرهابي الآثم استهدف مصر بمسلميها ومسيحييها وثانياً حين قال أن العملية الإرهابية كانت غريبة على المصريين وتحمل في طياتها تورط أصابع خارجية تريد أن تجعل من مصر ساحة للإرهاب. من الطبيعي أن يحاول الرئيس مبارك قدر طاقته صرف نظر المجتمع الدولي عن الطبيعة الطائفية للجريمة عبر إنكار أن الجريمة استهدفت المسيحيين واتهام قوى خارجية بالمسئولية عنها. أغلب الظن هنا أنه كان يقصد إيران التي كثيراً ما وجه لها أصابع الاتهام بدعم المتطرفين وتمويل عملياتهم في مصر. لم يكن إنكار مبارك لحقيقة الجريمة غريباً، فالرجل سعى، كعادته، للتأكيد على عدم طائفية الجريمة بغرض التغطية على تقصير جهازه الأمني في توفير الحماية اللازمة للمسيحيين وعمل على إلصاق التهمة بقوى أجنبية للتأكيد على عدم وجود تطرف إسلامي في بلاده.

لست أشك مطلقاً في أن الرئيس المصري يدرك تماماً مسئولية جهاز أمن نظامه عن انتشار التطرف والإرهاب، هذا الجهاز الذي يبدو أنه أصبح يضم رجالاً لا يقلّون تطرفاً عن متطرفي التنظيمات الإسلامية. ركز جهاز الأمن المصري جل اهتمامه في الفترة الأخيرة لقمع الأقلية القبطية المسالمة من ناحية، وحماية ورعاية الإرهابيين المجرمين الذين يهاجمون الأقباط ويحرقون كنائسهم ومساكنهم ومحال أعمالهم ويختطفون نساءهم من ناحية أخرى. لقد حمى جهاز الأمن الإرهابيين الذين نظموا سبعة عشر مظاهرة ضد الأقباط ولم يتدخل لوقف مهاتراتهم وأكاذيبهم وافتراءاتهم ضد الأقباط وعقيدتهم وقيادتهم الدينية في الوقت الذي تربص فيه بالأقباط وألقى القبض على نشطائهم وهاجمهم بالذخيرة الحية حين سعوا لبناء أو ترميم دور عبادتهم وكان أخرها في العمرانية. كان أخر تورط لجهاز الأمن المصري مع الإرهابيين قبيل ساعات قليلة من مذبحة الإسكندرية حين وقف رجاله يتفرجون على المظاهرات التي هاجمت الأقباط وتوعدتهم.

لست أدري كيف ادّعى الرئيس مبارك أن المذبحة كانت غريبة على المصريين، فلو أن الرئيس تابع جيداً المظاهرات السبعة عشر التي قام بها متطرفون مصريون في القاهرة والإسكندرية وكُرست لتهديد الأقباط بأنهار من الدم لتوقع الرئيس مبارك المذبحة، ولكن يبدو أن أجهزة الأمن لم تشأ أن تقلق الرئيس بأنباء المظاهرات على الرغم من خطورتها الشديدة. فضلاً عن هذا فادعاء الرئيس بغرابة المذبحة عن المجتمع المصري يبدو غير منطقي لأن النصف الأول عهد مبارك الذي بدأ قبل ثلاثين عاماً شهد مئات العمليات الإرهابية الذي استهدفت المسيحيين ومسئولي نظامه وراح ضحيتها الألاف من الأبرياء. لم تتوقف عمليات الإرهاب إلا بعد تعيين وزير الداخلية الحالي في أعقاب جريمة الأقصر البشعة الذي راح ضحيتها عشرات من السياح الأجانب والذي تحولت معه سياسة الدولة مع الجماعات الإسلامية من المواجهة إلى التحالف. الشيء الجديد الوحيد في مذبحة كنيسة القديسين كان نوعيتها إذ لم تعتد مصر إرهاب الأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة، ولكن هذا لا يعني أن المذبحة في حد ذاتها كانت غريبة عن المجتمع المصري الذي ارتكبت به العديد من المذابح الإرهابية في العقود الأربعة الماضية مثل مذبحة الزاوية الحمراء ومذبحة الكشح ومذبحة نجع حمادي.

على جانب أخر، لم يكن اتهام قوى مثل الإسلاميين واليساريين لإسرائيل بالمسئولية عن مذبحة الكنيسة أقل سخافة من إلقاء الرئيس مبارك اللوم على قوى خارجية. كان كل ما ردده هؤلاء وأولئك من أقاويل نسبوها إلى الرئيس السابق للموساد ليس إلا مزاعم أطلقها تنظيم حزب الله ونشرتها وسائل إعلامه للتغطية على ما تشير دلائل قوية على تورطه في عملية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في مارس من عام 2005. مشكلة الإسلاميين واليساريين أنهم يرون أن إسرائيل هي مصدر كل الشرور في المجتمع المصري البريء والمتسامح والذي لا يعرف الفكر المتطرف ولا يسلك طريق الإرهاب. من المؤكد أن مرددي الاتهامات الهزلية هذه نسوا أن الإرهاب الذي يرفع راية الإسلام يستهدف المسيحيين ليس في مصر فقط وإنما في مختلف بقاع العالم وما العمليات الإرهابية الأخيرة التي خطط لها أو ارتكبت في السويد والولايات المتحدة والدنمارك ونيجيريا والعراق وغيرها إلا براهين على ذلك. فهل لإسرائيل مصلحة في زعزعة استقرار كل هذه الدول؟ الغريب أن من اتهموا إسرائيل قالوا أن اختيار كنيسة القديسين المقابلة لأحد المساجد كمسرح للجريمة جاء ربما للإضرار بالاثنين وربما للوقيعة بينهما. كلام غريب حقاً، لأنه حسب علمي لا توجد كنيسة واحدة في مصر لا يجاورها أو يقابلها مسجد بغرض إظهار وجه مصر الإسلامي وإخفاء وجهها المسيحي كما قال الدكتور سليم العوا ذات مرة.

لقد كانت الإدانات المحلية والإقليمية والدولية الواسعة لمذبحة كنيسة القديسين من دون شك مصدر ارتياح وطمأنينة ليس فقط للأقباط ولكن أيضاً لمسيحيي الشرق الأوسط الذين يتجرعون نفس كأس الاضطهاد المرة. ولكن بين كل الإدانات الصادرة كان هناك ما هو صادق ومعبر عن مشاعر رائعة وكان هناك ما هو شكلي غير مفيد، وكان هناك أيضاً ما هو استفزازي. صدرت الإدانات الصادقة عن منظمات معروفة بموضوعيتها وأفراد محترمين معروفين بحبهم لمصر، واعترفت إداناتهم بطائفية المذبحة البشعة. ولكن الإدانات الشكلية صدرت عن رجال الدين المسلمين الرسميين، وعملت إداناتهم على إخفاء حقيقة المذبحة وركزت على عدم مسئولية الإسلام ولا المسلمين عنها. أما الإدانات الاستفزازية فقد صدرت عن منظمات وأفراد معروفين بدعمهم وتبنيهم للتطرف، وفي هذا الصدد كانت إدانة جماعة الإخوان المسلمين غير منطقية بالنظر لدور الجماعة في نشر الفكر المتطرف، وكانت إدانات شيوخ الفضائيات المتطرفين استخفافاً بالعقول لأن الجميع يعرف تماماً الدور الذي لعبه هؤلاء في الفترة الأخيرة في إشعال نيران الفتنة وإثارة وتحفيز الإسلاميين.

من الجائز أن تكون هناك أثار سلبية لمذبحة كنيسة القديسين على مصر، ولكن هذا لا يعني أن المذبحة استهدفت مصر بمسلميها ومسيحييها. مذبحة كنيسة القديسين من دون جدال جريمة طائفية بحتة لأنها ارتكبت في مكان يرتاده فقط المسيحيون دون غيرهم ولأنها استهدفت فئة واحدة من المصريين دون غيرها. هذه الفئة هي المسيحيون الذين تواجدوا بالكنيسة للاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية. هذه حقيقة لا يجب أبداً إغفالها أو التعتيم عليها، إذ لم ترتكب المذبحة في ميدان عام أو في سوق تجاري حتى يتم الزعم بأنها استهدفت مصر بمسلميها ومسيحييها. صحيح أن مسلمين جرحتهم شظايا المتفجرات، ولكن يجب هنا التمييز بين من مات بطريق الخطأ كالمسلمين ومن كان مستهدفاً في ذاته كالمسيحيين.

لا ينبغي الارتكان كثيراً على نظرية المؤامرة التي تعمي عيوننا عن مظاهر وأعراض وطرق علاج قضايانا الملّحة. من الممكن ان يكون لبعض القوى الخارجية نفوذ على جماعات التطرف في مصر تماماً كما يحدث في العراق حيث تدعم دول وقوى خارجية سنية الطائفة السنية وتدعم إيران الطائفة الشيعية. ولكن من المؤكد أن هناك جذور داخلية لمذبحة كنيسة القديسين، ومن المؤكد أن هناك أصابع مصرية لعبت دوراً فيها سواء بالتحريض كما حدث في المظاهرات وربما بالتخطيط والتنفيذ أيضاً. المجتمع المصري لا يضم قديسين وإنما يضم أناساً عاديين تعرضت نسبة كبيرة منهم لعمليات غسيل مخ قام بها متطرفو الإخوان المسلمين والجماعات السلفية ومشايخ بعض الفضائيات والمساجد. ولا يوجد أدل على ذلك من حالة اللا مبالاة التي أبداها الكثيرون بعد مذبحة كنيسة القديسين، بل والهجمات التي تعرضت لها الأقباط الغاضبون وكنائسهم في اليومين التاليين للمذبحة. صدقوني ينبغي أن نصلح العيوب الموجودة في المجتمع المصري قبل أن نلعن القوى الخارجية.

إن الاعتراف بالحقيقة لهو أمر مهم جداً للوصول إلى الجناة الحقيقيين الذين حرضوا وخططوا ونفذوا الجريمة. ولا يساورني الشك في أن الاعتراف بالحقيقة سيهديء كثيراً من روع الأقباط الذين ثارت ثورتهم ليس فقط بسبب الضحايا والمناظر البشعة لجثث ذويهم ولكن أيضاً بسبب إنكار الكثيرين ومنهم مسئولي الدولة حقيقة أن المذبحة طائفية لها علاقة من قريب أو بعيد بالتطرف الإسلامي المنتشر في مصر والذي يتم التعبير عنه كثيراً قولاً وفعلاً. وإذا كانت الدولة المصرية تطالب الأقباط بالهدوء والتعقل في إبداء غضبهم بسبب مذبحة كنيسة القديسين وهو ما أطالب به أيضاً، إلا أنني أطالب أيضاً الدولة بإنهاء تحالفها مع الإسلاميين والتكشير عن أنيابها في مواجهة التطرف والإرهاب لتخفيف الأعباء عن الأقلية القبطية التي تكاد أن تنفجر من وقع الاضطهادات والضغوطات التي تتعرض لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالفعل شعب بحاجة لاعادة تأهيل
بشارة خليل قـ ( 2011 / 1 / 6 - 02:00 )
كنت اتمنى ان تكون لاحدهم الشجاعة الكافية للرد على وساختهم بان مصر مستهدفة.طالما ان مصر بمجملها مستهدفة كما يتبجحون, لماذا استهدف الارهابيون المسيحيين لوحدهم؟
ثم يخرجون في الفضائيات ليلوكوا عبارات النفاق والانكى مقولة المتطرفين من كلا الجانبين!!!سبحان الله كأن الاقباط على غرار المسلمين يحرقون بيوت جيرانهم ويخطفون بناتهم ويقتلوهم في دور العبادة وينهبون محلاتهم وينالون من كرامتهم صبحا وعشي
نشكر الله ان موضوع اضطهاد الاقليات المسيحية في الدول الاسلامية يطرح هذه الساعات على بساط البحث ولا بد ان تكون هنالك عواقب للدول التي تنتهك حقوق الانسان
مع ان تفجير كنيسة القديسين هو عمل زمكاني محدود الا ان تداعياته تتصدر نشرات الاخبار في اوروبا منذ وقوعة كل يوم وفي ايطاليا تحديدا تناولت الصحف ونشرات الاخبار تهديد الارهابيين لوزير الخارجية فراتيني لمبادرته ببحث القضية في المفوضية الاوروبية والتهديدات لاقباط اوروبا والاعتداءات على الاقباط من قبل المسلمين في تجمهرهم امام القنصلية المصرية في ميلانو (ارادوا متابعة بلطجتهم على الاقباط في الخارج لكن كان البوليس الايطالي كان لهم بالمرصاد) لننتظر ما سيحدث

اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا