الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة في العراق : معركة مفتوحة أبدا

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 1 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الثقافة في العراق : معركة مفتوحة أبدا


لا يعبّر الإصرار على تعطيل دور الثقافة في المجتمع العراقي والتمديد المتواصل لدمجها وإحتوائها عن طريق السياسة ونزاعاتها التي لا تلبث دوريا أن تفيض عن حدودها وتتجاوز ضفافها الحزبية لتغرق معها كل الحقول الإجتماعية الأخرى، عن المخاوف المستترة للكثير من أقطاب ورموز القوى السياسية المتنفذة هذا اليوم، ولا عن الإنكار لطبيعة الوظيفة الثقافية وأهميتها في تقريب وجهات النظر المتباينة وأساليب التفكير بين الأفراد والجماعات فحسب، وإنّما هو أيضا، تعبير واضح عن إستمرار إحكام القبضة السياسية على واحدة من أهم الميادين الحيوية التي يسعى من خلالها المجتمع الى فهم التحوّلات الجارية من حوله على الاصعدة المحلية والإقليمية والدولية معا .

وإذا كان الإعتقاد السائد لدى كل طرف من الأطراف السياسية المتنازعة، بأنها هي أولى من غيرها في التصدّي لمهام إعادة التثقيف والتعليم والتوجيه للأجيال الجديدة حسب مقاساتها التي تنتقي من المخزون الثقافي ـ التاريخي الواسع والمتنوع للشعب العراقي ، ما تراه مناسبا فقط ، مع توجهاتها السياسية ، وتلفظ وتزدري وتهمّش، ما يراه غيرها من قيّم وتصورات وصيغ ومعارف، فإننا سنكون عندها على شفا كارثة ثقافية كبرى سوف تأتي على آخر ما تبقى من معان للوجود الجماعي المشترك، بالإضافة الى أنّ هذا الإعتقاد القاصر شكلا ومضمونا، لمفهوم الثقافة، يتنافى تماما مع مجمل التاريخ الثقافي الإنساني في كل العصور والأزمنة، ولا يؤدي في نهاية المطاف كما هو معلوم، إلاّ الى المزيد من التراجع والتدهور والإنحسار في دور ووظيفة الثقافة الأساسية، بإعتبارها النقيض المباشر للعنف وسيادة قانون القوة الذي يوشك أن يكون المعيار الأوحد لخضوع الأفراد والجماعات وضمان ولاءهم وتبعيتهم لهذا الفريق السياسي أو ذاك .

فالثقافة لم تكن ولا يمكن لها أن تكون، مجرد مستودع للقيم والمعايير الثابتة والأزلية التي يتحدّد على ضوءها تفكير وسلوك الأفراد بغض النظر عن إنتماءاتهم الدينية والمذهبية والأثنية المتعددة، وبغض النظر عن طراز عيشهم وملبسهم ومأكلهم وأهدافهم ورغباتهم وميولهم الشخصية، كما لا يمكن إطلاقا، عزل الثقافة، مهما بلغت درجة خصوصيتها، عن محيطها وطابعها الإنساني الشامل، بل هي لا تصبح ثقافة خاصة بوجود إجتماعي حيّ وقائم، ما لم تتفاعل دوما وتتجدّد بإستمرار، وتتواصل وتتبادل التأثير، مع سواها من ثقافات موازية وسائدة في عصرها كي تفهم لغته ومفرداته وتواكب مسيرته وإنجازاته في مجالات الفنون والعلوم والآداب وفي سبيل تقليص الفجوة المعرفية التي تفصلها عن عالم اليوم، نتيجة الثورة المعلوماتية الهائلة والتي شملت جميع الفروع والحقول والميادين .

وإذ تعمل السياسة العراقية هذا اليوم، كما عملت في الماضي الديكتاتوري، على إستبعاد دور الثقافة من الحياة الإجتماعية، وتكريسها وإقتصارها على عنصر واحد ومحددّ من عناصر الثقافة الواسعة والغنيّة، إن كان ذاك العمل يجري بإسم الدين أو القومية أو التمجيد للقائد الضرورة، في مجتمع متعدد الأديان والقوميات، فإنّ نتائج عملها سوف يلحق الضّرر البالغ بالسياسة والثقافة معا، كما سيحرم المجتمع من حرية الإختيار داخل الثقافة الواحدة والجامعة، مثلما سيلحق الضّرر بالدين نفسه كعقيدة سامية، نتيجة الحمّى الهستيرية الراهنة لتسييس الدين وخضوع الكثير من فرقها وتلاوينها ومذاهبها ومراجعها ومريديها ومعتقديها التي يشكّل التدّين الشعبي البسيط قاعدتها العريضة، الى إرادة الدين السياسي فقط ، والذي لا يرى من الدين كعنصر ثقافي، إلاّ ما يحقق أهدافه السياسية .

والثقافة، ليست دفاعا عن التهتّك والعدمية والحرّيات غير المشروطة وهي حالات إستثنائية ومعزولة وموجودة في كل المجتمعات ولا يمكن القياس عليها بأي حال من الأحوال، وليست كذلك نفيا للهوية الدينية والشخصية الوطنية وتعارضا مع قيمها ومبادئها وثوابتها، وإنّما هي لا تعني بالمعنى العميق لكلمة الثقافة، سوى أننا نعيش في هذا العالم الواسع ولسنا فيه لوحدنا .

وقد يكون من المفيد بهذا السياق، تذكير المصرّين على مناطحة صخور التاريخ، وعدم الإستفادة من دروسه القريبة والبعيدة، بأنّ الثقافة يمكن أن تضعف وتنحسر وتتراجع مؤقتا، بيد أنها ستبقى بمثابة الجذوة المتوقدة أبدا في ضمير الناس مهما علت تلال الرماد التي ستذروها رياح المستقبل في عالمنا العاصف بالأحداث والمتغيرات .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تكرار بايدن للكذب سلوك صهيوني يهدف للتغطية على جرائم ا


.. -طوفان الأقصى- تعيد الترسانة النووية الإسرائيلية إلى الواجهة




.. رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر من غزة: معاناة المرضى لا


.. أميركا تحظر دخول المستوطنين المتورطين في أعمال عنف




.. فيديو: مقتل 17 شخصاً إثر سقوط حافلة من أعلى جبل في وسط الفلب