الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى ان يترك صدام العراق ترابا

حميد الهاشمي
مختص بعلم الاجتماع

(Hamied Hashimi)

2004 / 9 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من بين أهم الاستراتيجيات والاجندات التي كان صدام يهدد بها "أعداء العراق" هي "ترك العراق ترابا" اي انه لن يبرح كرسي السلطة الا ويكون قد ترك العراق ترابا!!؟. والعجب العجاب هنا ان يقول "قائد" بلد مثل هذا القول. الاجدر ان يقول "وانا جثة هامدة مثلا" او اشلاء ممزقة او لن اتركه إلا وأنا فحما" ..الخ
ومعنى ترك الشئ ترابا، هو توصيف لشئ يحال الى منتهى البخس والاستهانة وتحويله الى حالة غير ذي قيمة، من جانب، ومن جانب آخر، يدل دلالة قطعية على قلة انتساب وارتباط هذا الشخص الروحي والوطني والاخلاقي بهذا "الشئ". فكيف يكون الحال وهذا الشئ هو العراق. ولا حاجة لنا هنا للخوض بمعان الوطنية ودلالاتها وقيمها فهناك من الادبيات ما تغطي اراضي اي بلد ذي تراث وحضارات مثل العراق؟

إن المتتبع لتاريخ صدام في حكم العراق، والقارئ بموضوعية للمشهد العراقي المتأزم في الوقت الحالي لا تغيب عن باله نظرية الأرض المحروقة وتطبيقها في الواقع العراقي والتي راهن عليها صدام في كثير من المعارك والمناسبات.
وفي ضوء تتبع مراهنة صدام هذه وصدقية تحققها في مناسبات سابقة فإننا نصبح هنا في غنى عن تحليل شخصية صدام حسين وتنشئته الاجتماعية وممارساته الحياتية الأخرى سواء كان في مركز السلطة او قبلها او بعدها. ونزعم أن ما لدى القارئ العربي الكثير مما يعرفه عن صدام وخاصة ما كشفته وسائل الإعلام وما زاد الصورة اتضاحا من خذلان لآمال من توهموا وتعلقوا به كمحقق لطموحاتهم، وكشخص طارئ على التاريخ وابعد من ان يولى ادارة قرية فما بالك ببلد مثل العراق أو طموحات وآمال أمة محبطة.

للتذكير وربطا لبعض الحقائق المتعلقة بالموضوع نذكر التالي:
إن صدام شخصية انتهازية وصولية ذات طابع إجرامي تؤمن بالعنف كأحد الوسائل الرئيسية لتحقيق أهدافها. وتاريخ تسلقه السلطة وممارساته ضد حتى من يشك بهم من زملائه أو أقربائه هي شواهد على ذلك. وقد أكدت هذا شهادات الكثير من أهل منطقته و معاصريه.
عدم وجود ثوابت أو روادع قانونية تحدد ممارساته السلوكية وتهوراته وهو القائل " ما القانون؟ القانون نص أنا اكتبه وأمزقه واتي بغيره". وأدلة أخرى لتهوره واستخفافه بالالتزامات والقوانين والمواثيق العربية والدولية كثيرة منها غزو الكويت ، وعدم احترامه حتى للقيم الأخلاقية أو القبلية التي طالما تشدق بها ومنها عدم إيفائه بوعد العفو الذي قطعه على نفسه لاجل عودة صهريه حسين كامل وأخيه من الأردن بعد انشقاقهما عليه، أو وعوده للرئيس حسني مبارك بعدم الاعتداء على الكويت وغيرها مما لا يسع المجال هنا لذكرها.
انه شخص مفرط الحب لذاته ومسكون بمرض البارانويا (جنون العظمة) وأدلة ذلك الصور والتماثيل وقصائد المديح والاغاني التي تمدحه والقصور الفخمة، وكان يشرف شخصيا على تنظيمها وتوجيهها لمصلحته ويغدق الأموال الكثيرة على من يقدموها له.
وهذه كلها تعزز انتساب الاعمال الاجرامية التي تنفذ ضد الشعب العراقي وبأشكال شتى ومنها على سبيل المثال: محاولات اثارة فتنة طائفية او عرقية تجر البلد الى حرب أهلية، واستهداف قوى الشرطة وحفظ الامن والحرس الوطني، استهداف العلماء والكفاءات العلمية العراقية ومنابرها مثل الجامعات والمعاهد، وضرب البنية التحتية للاقتصاد العراقي ومنشآت الطاقة، وعمليات نهب وتدمير المتاحف وحرق المكتبات هي من مخططاته المسبقة والمعدة سلفا ومع سبق الاصرار والترصد كما يقال، بل هي لب "نظريته" في "ترك العراق ترابا". وقد وجدت في دوائر الامن ولدى بعض اقطاب النظام البائد تفاصيل معظم هذه الامور وغيرها.
وهي ذاتها سياسة الأرض المحروقة التي يؤمن بها صدام، والتي صرح بها في عدة مناسبات واتبعها في أخرى وهنا بعض مما يؤكدها:
1- في مرحلة الحرب ضد إيران وما كان يشاع بالأعلام العراقي والعربي من أن إيران تطمع بضم العراق، وبغض النظر عن صحة النوايا الإيرانية أو عدمها، تأملوا فكر صدام حسين الذي يقول في ذلك " الخميني يريد العراق، والله لأعطينه إياه ترابا".
2- قبل حرب تحرير الكويت، كان هناك الكثير من التحذيرات المخلصة من زعماء عرب ومحللين سياسيين وعسكرين وصحفيين تحذر صدام من مدى خطورة وفاعلية الأسلحة الحديثة لدى أميركا والحلفاء، فكان رده " وشنو يعني؟ العراق 18 محافظة، خلي يبقوا 14 محافظة" !!؟. او قوله بهذا الخصوص أيضا " العراق 18 مليون نسمة خلي يبقى 16 مليون" !!؟
3- كان آخر أسلحة صدام التي استخدمها في حرب تحرير الكويت هي إحراق آبار النفط الكويتية، وهذا دليل مهم على إيمانه بهذه النظرية الحربية البائدة والبعيدة عن أي قيمة أخلاقية في عرف السياسة والعسكرية ناهيك عن الوطنية.
4- وقد تكرر هذا الفعل الجبان بحرق آبار النفط العراقية بعد دخول قوات التحالف إلى جنوب العراق والى اليوم يتكرر، مكبدا الشعب العراقي مئات الملايين من العملة الصعبة من اقتصاد البلد وقوت المواطن وسبل وعيشه الكريم. وهو تكريس لهذه الفكرة البائسة البعيدة كل البعد عن الوطنية والمسؤولية الاخلاقية. وهذا تأكيد ابتعاد صدام واتباعه والمؤمنين بنظريته هذه عن الانتماء لهذا الوطن وعدائهم الحقيقي له.
5- إصراره (صدام) على خوض الحرب من اجل اعاثة الدمار في العراق وتركه أرضا محروقة وذلك من خلال تمسكه بكرسي السلطة لاخر نفس قبل هروبه المؤكد ولعلمه بأنه لو كان قد استقال او قبل المنفى سوف تطاله يد العدالة وسينال جزاءه على ايدي الشعب العراقي او المنظمات الدولية.
نعم لقد كان الهرب هو سلاحه المتبقي، لانه شخص محب لذاته. ولو كان غير ذلك ولو كان على قدر من الشجاعة او الإخلاص لهذا البلد لانتحر على اقل تقدير. كان يظن انه يستطيع الاستمرار في جحره الذي اختاره وينام ويستيقظ على ويلات وحرائق العراق حتى يحال ترابا كما رسم له.
ان الافعال الاجرامية والتخريبية التي تشهدها شوارع بعض المدن والبلدات العراقية فعلا ممنهجا ومبرمجا ومبيتا ضد الشعب العراقي ويصب في صلب هذه الفكرة البغيضة. وهي التي تستهدف تعطيل استقلال العراق التام واستقراره السياسي بتحقيق الانتخابات، وبالتالي فهي تعد عاملا رئيسيا في مكوث القوات الاجنبية في البلد واطالة امد بقائها. فإن كان هؤلاء حريصون على استقلال وسيادة البلد، فلم لا يسعون في هذا الاتجاه (اي تقريب موعد الانتخابات)؟ لكن افعالهم هذه تبعد هذا الموعد وتعطل عجلة اعادة اعمار البلد وتزيد من معدلات البطالة وتكثر من الجريمة وتفرغ البلد من كفاءاته العلمية، وان كل هذا لعمري هو نوع من ال(تراب) الذي يبقيه صدام عراقا لنا.
يمكننا مثلا تأمل موضوع كسرقة الآثار هنا وإضافة بعض المؤشرات التي تؤكده وبالشكل التالي:
إن الآثار العراقية كانت مطمعا لأفراد عصابة صدام الحاكمة وقد فاحت روائح فضائحهم الكريهة مرارا وتكرارا من تهريبهم للآثار وبيعها في مختلف بقاع العالم وبشكل منظم من ضمن من اشرفوا عليها مرافق صدام السابق وقريبه ارشد ياسين، وهناك أفلام ووثائق عديدة تدينهم وتفضحهم.
كما واكد الكثير من المختصين بالآثار وموظفي المتحف الوطني العراقي في شهادات ادلوا بها لقناة الشرقية العراقية ان ازلام صدام وحدهم يمتلكون المفاتيح السرية لبعض خزائن المتحف السرية والتي اخفيت بها بعض التحف الثمينة واتهموهم اتهاما مباشرة بهذه السرقة.
إن نهب الآثار جاء بصيغة تدميرية وانتقامية وتحمل بصمات عصابة منظمة ومعدة مسبقا لهذا الغرض. وقد فعلها النظام سابقا وقت انتفاضة الشعب العراقي ضده عام 1991 حينما دس أعدادا من عملائه وعناصره التي كانت تسرق وتدمر وتشجع بسطاء وسذج الناس على النهب والتدمير لمثل هذه الأماكن او للمؤسسات الحكومية. وقد تكشفت هوية البعض منهم بعد هذه الأحداث بشتى الأدلة منها اعترافهم بأنهم كانوا عملاء للنظام وقد سجلوا قوائم بالمنتفضين ضد النظام وارتقائهم في سلم الحزب والوظائف الحكومية وهم مشخصون في مناطقهم ومحلاتهم السكنية. الشيء الآخر وليس الأخير في سلسلة الشواهد على مصداق القول بان جريمة نهب وتدمير الآثار الكبرى هي من ضمن سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها صدام هي ما أعلنته السلطات الفرنسية بعيد سقوط النظام باسابيع قليلة من ضبطها ل( 500 خمسمائة) قطعة اثارية من كنوز العراق التي تعيش الكارثة الحالية.!!
بربكم من يعقل أن المواطن العراقي البسيط قادر على إيصال هذه القطع الاثارية إلى فرنسا بأسابيع بعد سقوط النظام، وهو الذي حرم من السفر ووثائق السفر طيلة حياته ولا يفقه من ثقافة السفر شئ.
إن إنعدام الوطنية هذه والانحطاط الاخلاقي، هي منهجية وهوية القائمين عليها وهي نتاج التربية والتنشئة والتخطيط الصدامي، وهي تنسجم تماما مع الانغلاق والتحجر الفكري والبلادة التي عليها عناصر الحركات الارهابية التي تدفقت على العراق عشية الحرب وبخيوط نسجها النظام مع هؤلاء مسبقا وجعل لهم مواضع اقدام في بعض اليئات التي قبلت ايواءهم وبعض العناصر المرتبطة المصالح بالنظام اصلا.
إذا فعل واستمرار هذه الافعال يحمل بصمات صدامية رغم سقوط النظام المريع، وتهافت ما يسمى بالمقاومة من عملائه والمرتبطين بمصيره، والارهابيين. والا فماذا يعني استهداف رجال الشرطة وقوى حفظ الامن العراقية وضرب انابيب البترول وعصب وهو عصب الاقتصاد العراقي، وتدمير منظومات الكهرباء والخدمات الاساسية، واستهداف الكفاءات العلمية وإحراق المكتبة الوطنية في بغداد الذي تم بعد أسبوع تقريبا من سقوط النظام. وإحراق المكتبة المركزية في البصرة والموصل بنفس الوقت؟!!.
إن الخدعة الصلفة التي تلقي اللوم على جهات مجهولة فيما يتعلق بجرائم من قبيل استهداف الكفاءات العلمية تلقى رواجا وتطبيلا من بعض وسائل الأعلام العربية على أن هذه الأفعال والأهوال هي من مخلفات الفوضى التي سببها انهيار النظام وقد سخرها البعض للتجني على الشعب العراقي دون البحث في الأسباب وبموضعية معقولة على اقل تقدير، ويلقى اللوم فيها على الشعب او على قوات التحالف التي يجب أن نقر هنا بمسئوليتها وبتقصيرها في حماية هذه الكنوز سواء حفظ الامن او حماية المتاحف ومكتبات وأماكن حكومية أخرى.

إذا هي مافيا صدام التي خلقها وخطط لها ومولها لتحقق الهدف المتعدد الأغراض في هذه الضربة ومن هذه الأغراض : ترك الدمار في العراق وتعميق جراحه وإيقاع خسارة مادية ومعنوية بالأطراف المشاركة في إسقاطه واولها الشعب العراقي الذي يتوجب ان يكون واعيا اكثر لهذه المؤامرة الدنيئة المبيتة، والمسؤولية تقع على عاتق مثقفية وفئاته المتعلمة وقواه السياسية والوطنية المخلصة ومحبيه من محيطه الاقليمي والعالم اجمع.

* أكاديمي عراقي مقيم في هولندا
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل