الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شالوم (5) שלום

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2011 / 1 / 7
الادب والفن


( منزل عزرا )
يجلس عزرا على الكنبة في وسط الغرفة ، ينصت باهتمام بالغ إلى راديو قديم ، بينما تجلس سارة أمام طاولة صغيرة تطالع بعض الصحف والكتب
صوت الراديو : نجح جيش الدفاع في التصدي لقوات العدو على الجبهتين الشمالية مع سوريا والجنوبية مع مصر ، هذا ولم تستطع قوات العدو التقدم على محوري هضبة الجولان وجزيرة سيناء .
( يغيّر عزرا موجة الراديو وهو بحالة من الدهشة )
صوت الراديو : إلى مواطني دولة إسرائيل ، أعلنت قوات جيش الدفاع ، اليوم السبت الموافق لتاريخ السادس من أكتوبر الذي يصادف عيد الغفران ، استعدادها للدفاع عن دولة إسرائيل ، وقد تصدت قوات جيش الدفاع للهجوم الذي شنه الجيش المصري على خطوط الجبهة الجنوبية في سيناء ، هذا وتدعو قوات جيش الدفاع مواطني دولة إسرائيل إلى أخذ الحيطة والحذر ، واستخدام الملاجئ الأرضية والكمامات الواقية في حال وصلت الحرب إلى مدن إسرائيل .
سارة ( مضطربة ) : أتتوقع أن تبلغ الحرب مدننا وقرانا ؟.
عزرا ( مذهولاً ) : لست أدري إلى أي مدى ستبلغه هذه الحرب ، إنها حرب الغفران ؟.
سارة ( مستغربة ) : كيف لا تدري ، ألم تكن عسكرياً في جيش الدفاع ، وكنت من بين الذين شاركوا في حرب الأيام الستة قبل ستة أعوام ؟.
عزرا : بلى .. كنت عسكرياً ، لكن هذا كان من الماضي ، أما الآن فلا استطيع أن أقيم خطورة هذه الحرب ، ولست مطمئناً إلى نتائجها .
سارة : قبل قليل تواترت أنباء غير مؤكدة عن تمكن المصريين من اختراق خط بارليف الحصين .
عزرا : والقوات السورية تناور بأريحية على خطوط جبهتنا الشمالية ، بعد أن اشتدت حدة الضغط على جبهتنا الجنوبية ، مَن كان يتوقع هذا التنسيق العسكري بين قيادة الجيشين المصري والسوري بعيد رحيل جمال عبد الناصر ، عندما كان الأخير حياً لم يستطع أن يوحد قيادة الجيشين ، فما الذي يحصل الآن ؟.
سارة ( تذرع الغرفة جيئة وذهاباً) : إن مسار هذه الحرب ، يختلف أشد الاختلاف عن مسار الحروب السابقة، فهذه هي الحرب الوحيدة التي لم نخوضها ، بل فرضت علينا من جانب العرب ، وموقعنا فيها ، أياً كانت نتائجها ، دفاعي بالدرجة الأولى ، أما موقع العرب ، هجومي يأخذ صيغة رد الفعل وإعادة الاعتبار رداً على حرب الأيام الستة التي تكبدوا فيها خسائر فادحة ، تلك الحرب لا يمكن محوها من ذاكرة أجيالهم على مدى الزمن ، والغريب في الأمر ، أننا لم نكن نتوقع أن يفكر العرب بالحرب كخيار نهائي ، بعد رحيل عبد الناصر ، فمن أين أتتهم هذه الروح القتالية ، ولكم تمنيت لو أن روح السلام استفاقت عندنا وعندهم بدلاً من روح الحرب ؟.
عزرا : أجل .. تقديرك لمجريات الحرب صحيح ، لكن الأكيد أن الزعماء العرب في مصر سوريا ، بادروا إلى هذه الحرب ، ليس بهدف استعادتهم لما فقدوه في حرب الأيام الستة ، بل لينقذوا ماء وجههم أمام شعوبهم الناقمة التي تجرعت مرارة الهزيمة في حرب الأيام الستة .
سارة : ولهذا كله ، لا اعتقد أن أحداً سيربح الحرب ، ستنتهي بقرار دولي كما انتهت سابقاتها ، فلا نحن نستطيع الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية ، ولا النظم العربية تستطيع الاستمرار كذلك .
عزرا ( يقف ) : ليس صحيحا إننا لا نستطيع الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية ، فقدراتنا العسكرية والعلمية تفوق قدرات العرب جميعاً ..
سارة ( مقاطعة ) : لكن مساحتهم أكبر من مساحة دولتنا ، وعددهم أكثر منا.. تميزنا عنهم محصور بجانب معين ، وهذا لا يعني رجحان كفة ميزان القوى لصالحنا ، فالتوازن قائم بيننا ، وما يرجحه إلينا ، الدعم السخي الذي تتلقاه دولتنا من الأصدقاء .
عزرا : لنفترض أن هذا الدعم ليس موجوداً ، فما كان حالنا اليوم ، هل ستتغير حالنا من القوة إلى الضعف ؟ كلا .. مهما يكن الدعم، فإنه لا يغير من حقيقة كوننا نصنع قوتنا وتقدمنا بإرادتنا وعزيمتنا لبلوغ أعلى مراتب التفوق ، لذلك فإن الدعم جزء مكمل لتدعيم قوتنا وتعزيزها بما تحتاجه من إمكانيات ، وليس جزءً أساسياً لبنائها .
( يدخل شالوم مرتدياً ثياب النوم وهو في سن السادسة )
شالوم ( يفرك عينيه بيده ) : أبي .. أمي .
سارة ( تضمه إلى صدرها ) : شالومي .. لما لم تكمل نومك ؟.
شالوم ( يهز برأسه ) : إنني خائف يا أمي .
عزرا ( مستغرباً ) : خائف .. ولماذا تخاف ؟.
شالوم : البارحة قال لنا أستاذ المدرسة ، إننا سنحارب العرب ونهزمهم في الحرب .
عزرا : إذن ، ما الذي يدعوك إلى الخوف ؟.
شالوم : إذا كنا سنربح الحرب ، فلماذا اقفلوا لنا المدرسة ، وطلبوا منا عدم الحضور إليها ؟.
سارة ( تقبل جبين شالوم ) : كم أنت ذكي يا شالوم ؟.
عزرا : لا تخف يا بني .. لن يمسنا أي أذى ، وستعود إلى مدرستك قريباً .
شالوم : إنني أحب المدرسة كثيراً ، ولا أستطيع إلا أن أذهب إليها كل يوم .
سارة : ولدي الحبيب ، إن السلام يكبر في قلبك كما يكبر هذا الوطن في قلوبنا جميعاً .
شالوم : أمي .. ماذا يعني السلام ؟.
سارة ( تمسك بيد شالوم ، تجلس وإياه على الكنبة ) : السلام ( تتنهد ) أوووه .. السلام يا بني هو نقيض الحرب ، السلام هو الحب والوئام والحياة ، لا الموت والدمار والحقد ، السلام هو البراءة التي تبرق في عينيك .
عزرا : السلام يا بني ، هو أنت عندما تريده ، وليس أنت عندما لا تريده ، فماذا تريد ؟.
شالوم ( يومئ برأسه ) : إنني أريده .. أريد السلام ،أين أجده ، أين هو ؟.
سارة ( تحتضن شالوم ) : شالومي الحبيب ، يا لسعادتي الغامرة وحبي الكبير ، رغم قتامة هذا اليوم الحزين .
عزرا : والآن هيا اذهب إلى سريرك .
شالوم ( يقبل سارة ومن ثم يقبل عزرا ) : حسناً .. سأنام الآن مطمئناً .
عزرا ( يهز برأسه ) : لقد ذكرني بطفولتي عندما كنت في سوريا .
سارة : أتقصد عندما كنت في مسقط رأسك .
عزرا : أجل .. أجل عندما كنت في حلب ( ساهماً بعمق ) .
سارة ( تحدق بعزرا باستغراب ) : عزرا .. عزرا .
عزرا ( مضطرباً ) : أين كنت ساهماً ؟.
عزرا ( يتنفس بعمق ) : آوووه ، لقد طافت بي الذاكرة إلى أيام الصبا ، تذكرت سهول حلب .. سهول بلدتي تادف ، لقد تذكرت مروجها وزهورها ، أنهارها السبع ، اشتقت إلى طعم رمانها وزيتونها ، إلى شمسها الدافئة ، وكنيسها الحجري العتيق.
سارة : في كل مرة أقرأ فيها عن تاريخ اليهود في الشرق ، يفوتني سؤالك عن بلدك تادف ، فقد قرأت أن عزرا الكاتب ومن كان معه من الأجداد ، حطوا رحالهم فيها عندما كانوا عائدين من بلاد فارس إلى الأرض المقدسة .
عزرا : أجل ، هذه القصة لا يعرفها إلا مَن قرأ عنها وتقصى أخبارها .
سارة : ولماذا حطوا في تادف دون سواها من المدن ؟ إن في الأمر سر عميق لا يعرفه إلا مَن عاش في تلك الفترة .
عزرا : السر الوحيد ، أن أجدادنا عندما كانوا عائدين في رحلة السبي من بلاد فارس إلى الأرض المقدسة ، حدث أن تشفع لهم عزرا لدى قورش ملك الفرس ، فلم يجدوا في رحلة سبيهم المريرة ، بلداً أجمل من تادف ، فحطوا رحالهم فيها ، لوفرة مائها ورقة هوائها وطيب أهلها ، وعندما طاب لهم المقام فيها ، احتاروا في أمر ما فقدوه من كتب وأسفار دثرت معالمها في الغزو البابلي والفارسي ، فما كان من عزرا الكاتب ، إلا أن جلس على ضفاف نهر الذهب تحت شجرة رمان وارفة الظلال ، وشرع في نسخ التوراة على جلد الغزال ، والتي حفظها عن ظهر قلب.
سارة ( مندهشة ) : حقاً إنه لأمر عظيم .
عزرا : ومنذ ذلك التاريخ وحتى تاريخ قيام دولة إسرائيل ، واليهود في دمشق وحلب يحجون أفواجاً إلى كنيس عزرا في تادف من كل عام .
سارة : والآن ما الذي تغير ، هل بقي الكنيس على حاله ؟.
عزرا ( آسفاً بحزن ) : الآن ( صمت قصير ) لم يعد ثمة يهود في المشرق كله ، لقد أصبحوا أثراً بعد عين ، تشتتوا كما في كل مرة ، منهم من جاء إلى هنا عن قناعة ورغبة ، ومنهم من جاء مرغماً بعد أن تقطعت به الأسباب ، وآخرون هاجروا إلى ما وراء البحار والمحيطات في عالم يسوده الآمان والسلام .
سارة ( بأسى ) : السلام .. لماذا يسود السلام في تلك البلاد البعيدة ، ولا يسود في بلادنا ؟ ( مطأطئة رأسها بحزن ) لا بد أن يسود ، أجل لا بد أن يسود .
(يربت عزرا على كتفها .. يعضد ذراعها الأيسر بكفه ، ومن ثم يغادران المسرح )
* * *
إظلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته




.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع


.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله




.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك