الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسي والبهلوان !

جمعة الحلفي

2004 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو البعض من السياسيين وكأنه جاء من السيرك الى السياسة مباشرة، فأستبدل وظيفة البهلوان في إضحاك الناس بمهمة السياسي في الضحك على ذقونهم. والسياسيون كالسحرة، كما يصفهم الكاتب الفرنسي المعروف ريجيس دوبريه، في كتابه(نحو نقد العقل السياسي) ولهذا لا يُعرف لهم جد من هزل. فالساحر، بقدرته العجيبة على إمتلاك ناصية الكلام وخفة الحركة، يسيطر على الأشياء ويوجهها الوجهة التي يريد، وهكذا بالضبط يفعل السياسي، فمن خلال إمتلاكه لناصية الكلام- الخطاب (الديماغوجيا بعبارة أكثر دقة) يريد تحديد سلوك الآخرين والتحكم به.
وإذا كانت عبارة دوبريه، البليغة تلك، تنطبق على سياسيي حقبة الحرب الباردة، يميناً ويساراً، أو غرباً وشرقاً، فهي تنطبق اليوم جملة وتفصيلا، على سياسيي الحقبة الراهنة، حقبة الحرب الحامية، التي نصطلي في إتونها كل يوم. ولأن سحرية الخطاب السياسي تدعو الى تحليل سحري للأمر السياسي، كما يذهب دوبريه الى مثل هذا المعنى، لهذا نحن أمام الكثير مما يستوجب منا، أو يدعونا الى التفكير بسحرية المجريات والتطورات و"التصريحات" التي يراد لنا الإنصياع لها بإعتبارها حقائق مطلقة لا يطالها الشك من قبل أو من بعد. وكما أذكر، في هذا الصدد، رداً للناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية، على سؤال لصحفيين:" لماذا تفرضون تطبيق قرارات مجلس الأمن بالقوة المسلحة على بعض الدول، ولا تفعلون شيئاً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل؟" فقال لهم حرفياً: " قرارات مجلس الأمن تختلف بين مكان وآخر في العالم"! هذا الكلام (الخطاب السياسي الأميركي) هو من نوع الكلام السحري، الذي يحتاج الى طريقة تفكير سحرية لفك ألغازه وإدراك معانيه، لأنه، إن لم ننظر إليه بوصفه جزءاً من ألعاب بهلوانية وسحرية، سيبدو كلاماً ساخراً أو من قبيل الهذر الخالي من المنطق والمعنى، إذ كيف يمكن أن تختلف القرارات الصادرة عن مجلس الأمن "من مكان الى آخر" وبأي معنى؟ هل يتم ذلك بفعل المناخ مثلاً، أم بفعل تغيرات الطقس؟ هل معنى ذلك أن هذه القرارات من نوع الوجبات السريعة كي تتأثر بحرارة الجو السائد، أم أنها من نوع صرخات الموضة حتى تتغير بإختلاف الفصول وتقادم الزمن؟!
ليس هناك، في الواقع، لا في شرائع ومواثيق الأمم المتحدة ولا في تقاليد مجلس الأمن، قرارات يمكن أن تطبق هنا ولا تطبق هناك (وإن كان هذا قائم بفعل السياسة السحرية!) أو أن تصلح لهذ البلد ولا تصلح لسواه، فهي قرارات مُلزمة لمن تصدر بحقه، بصرف النظرعن جنسيته وطبيعة دينه أو لونه أو عنصره أو مصادر قوته، فالبشرية لم تبلغ الألفية الثالثة لكي تكتشف أنها لا تزال تقبع في غياهب العنصرية وأزمنة الوصاية وعبودية القرون الوسطى. ومن الأفضل للسياسي، الذي يريد التحول الى ساحر، أو بهلوان، وبيننا العديد من هؤلاء، أن يرتدي لباس السيرك ويخطط وجهه بالأصباغ، كي يكون صادقاً ويتعرف عليه الناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في