الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بقعة ضوء على الرؤوس المتطايرة للقاص حمودي الكناني

كاظم الشويلي

2011 / 1 / 7
الادب والفن


كاظم الشويلي بقعة ضوء على الرؤوس المتطايرة للقاص حمودي الكناني

لقد بدأ القاص المبدع حمودي الكناني قصته الموسومة ب ( الرؤوس المتطايرة ) بوصف حزين وسرد مفجع للأمكنة التي يرتادها الباعة والناس البسطاء وهم ينادون على بضاعتهم :

( لم يكن المكان ضيقا , بل كان عبارة عن ساحة مستطيلة تؤدي إلى فضاءات على الجانبين والفضاءات بدورها تؤدي إلى فضاءات أخرى ... وتمتلئ الساحة بالباعة الذين يعرضون بضاعتهم أما في عربات يدفعونها أو في داخل أكشاك كارتونية رسمت عليها دمى مختلفة ... الكل ينادي بأعلى صوته معلنا عن بضاعته بأنها الأحسن . فبائع الخضار يصيح بان خضرته طازجة وغير مستوردة وبائع الدمى ذات البطاريات مشغول بالصياح وبتحريك الدمى المختلفة وأما بائعة اللبن جالسة عند الركن البعيد من المدخل مفترشة قطعة قماش قد حولتها الأتربة والأوساخ إلى قطعة سوداء ) .

وبهذا الجمال السردي ، يستمر القاص المبدع برسم لقطات رائعة من صور السوق المزدحم بالمارة ، ولم ينس ان يذكر لنا بائعة الخضار وبائع السمك ، بل لقد نقل لنا القاص البارع اغلب المشاهدات التي يتوجس منها الناس الخوف والترقب ، يقول :

( وهناك عارضة طويلة تمنع الحافلات الكبيرة من المرور بهذا الشارع ويقف عند هذه العارضة عددٌ من أفراد الشرطة للسيطرة والمراقبة والتحقق من كل شيء مريب . ) .

انه يعشق هذا المكان ويستهويه كثيرا لأسباب عديدة ، لكنه لم يقدر ان يكتم مشاعره وهواجسه قبالة هذه الأجواء ، هاهو يمهد لنا للدخول إلى ذروة الأحداث ، واقتحام مجاهيل القصة ، حيث بدأ البطل متوجسا خيفة ، نقرأ :

( لكنني بالمقابل كلما أصل إلى العارضة والتفتُ إلى الوراء يتملكني هاجسٌ غريب بأن شيئا ما سيحصل في هذا المكان ... ) .

واضطر للخروج رغم رغبته في ان يلازم منزله ، وهكذا بدأ القاص البارع بمد خيوطه السحرية ليشدنا الى النص والاستماع بشغف لما يريد قوله ، انه بهذه البراعة السردية استطاع ان يأسرنا الى متابعة النص وهو ينتقل من مشهد الى اخر ، نطالع بعد ان استقل بطل القصة الحافلة من المنزل الى السوق :

( ... كنتُ أول النازلين لكن امرأة عجوزاً استنجدت بي على مساعدتها بالنزول فأنزلتها بكل رفق ... كنتُ ماسكا بيد العجوز وأتكلم معها بدعابة مذكرها بأيام شبابها وهي تتذكر ذلك بحسرة وحدث الانفجار وارتج كلُ شي وتطايرت الأشياء في كل مكان ... ) .

وهكذا يفاجئنا القاص بالانفجار الرهيب على حين غفلة منا ، حيث كنا نسير بهدوء مع أبطال القصة ونتجول معهم بأطراف السوق ، ويبدأ القاص حمودي الكناني بوصف دقيق جدا للحالة التي أعقبت الانفجار ، يقول :

( ... وعلا اللهب والدخان , أيد بشرية تسقط هنا ورؤوس تتدحرج هناك وأرجل تتساقط فوق المحلات المسقفة والناس القريبة من مكان الانفجار يدفع بعضها بعضا هاربين من شدة الفزع والخوف وآخرون يركضون باتجاه الانفجار يدفعهم الفضول أو الخوف على عزيز كان يبيع هناك أو طفل خرج ليشتري قطعة حلوى أو أم ذهبت لتتسوق متطلبات ذلك اليوم ...)

ولم ينس البطل ان يشرح حالته عندما علا صوت الانفجار :

( ... حثثت الخطى صوب المكان وقد رأيت الذي لم تره عين .....جثث ينبعثُ منها الدخان بعضها فوق بعض ورؤوس مبعثرة هنا وهناك وأيدي مقطعة تملأ المكان والدم يسيل غزيرا باتجاه منافذ المجاري , أكداس من الجثث هنا ... ) .

لقد قاسى بطل القصة من الم الفجيعة فحاول ان يسكن جراح احد الباكين فاقترب من احدهم واحتضنه شفقة منه لتسكين جراحه :

( ... صحت عليه اشحذ همته وأحاول تشجعيه أشار إليّ أن انظر إلى العربة المركونة هناك وعندما نظرت بداخلها رأيت امرأة محترقة على صدرها طفلان محترقان على ثدييها كل ثدي ما زال في فم كل واحد منهما فما كان مني إلا أن اجلس بجانبه وابكي كما يبكي واضرب راسي بالحائط عل راسي ينسى هول المشهد الرهيب . )

أنها صورة حية من صور الإرهاب نقلها لنا القاص المبدع حمودي الكناني بأسلوبه الجميل وقدرته الفائقة في تصوير الأحداث ، فتحية للقاص المبدع وهو يؤرشف لزمن الإرهاب المندحر دون عودة ان شاء الله ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مليون قبلة للشويلي كاظم
حمودي الكناني ( 2011 / 1 / 16 - 17:16 )
الأخ العزيز كاظم الشويلي حياك الله وابقاك شكرا لك انك نبهتني ... كانت مفاجأة والله لم اكن اعلم بذلك ...
إعلم اخي العزيز انا شاهد عيان لما حدث فعلا وقد رأيت فعلا تطاير الرؤوس والايدي في هذه الفجيعة التي ارتكبها الارهاب الاعمى.....
لك كل الحب والتقدير!!!


2 - استاذنا حمودي الكناني
كاظم الشويلي ( 2011 / 1 / 17 - 17:54 )
ياسيدي انت مبدع في القص وفي الخلق الرفيع وتستحق منا كل الاحترام والتقدير

اخر الافلام

.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب