الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر تحترق ، والشعب يختنق ، وقادتها ساكتون .

الطيب آيت حمودة

2011 / 1 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


وأنا واقف قرب النافذة ، أترقب المارة من الطابق الخامس لعمارة تطل على كبريات أزقة حي باب الوادي بالعاصمة الجزائرية ، لاحظت حركة غير عادية لشباب ملثمين في حالة كر وفر مع قوات مكافحة الشغب المجهزة بالهراوات ، والقنابل المسيلة للدموع . وفي لمح البصر تحول المكان إلى حلبة صراع بين شباب ثائر ، وقوات قمع لا ترحم ، وارتفعت ألسنة النيران لتلتهم العجلات المطاطية وبقايا الكرطون المتناثر وارتفع لهيب النار ودوت صفارات الإنذار معلنة عن البدايات الأولى للصراع بين السلطة والشعب .
**تمرد سبقه غليان شعبي وتذمر عام من سياسة الحكومية القائمة .
إن هذا الغليان وهذا الإحتجاج الذي بدأت رقعته تتسع مرده إلى الجفاء القائم بين الشعب وحكومته في شتى المستويات ، عطالة عن العمل ، تفاقم الأزمات الإجتماعية ، تدني القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار ، وتدجين المعارضة السياسية بقهرها واسكاتها وتحجيم دورها في التعبئة ، مع وجود إرث طافح بالزلات أثناء تعامل النظام مع المحتجين والمعارضة في أزمات سابقة ، وما أكثرها أيام الشدة الإسلامية ، والحركة الأمازيغية ، ونضالات اليسار عبر النقابات العمالية الحرة من حين لآخر .
في الوقت الذي يعاني فيه الشعب هزات الأزمة الغذائية العالمية ، وتدني سعر صرف الدينار ، والبطالة ، تكونت بورجوازية ناهبة من المشتغلين في دواليب الدولة تنهب أموال الدولة بالمليارات ، تكتب عنها الجرائد في صفحاتها الأولى بالبند العريض ، دون أي رد فعل ردعي عقابي يكون عبرة لأولي الألباب ، ناهيك عن اتساع رقعة المحسوبية والرشوة التي أصبحت سمة بارزة عند الجمركيين، وأعوان الأمن الذين يتذرعون بتطبيق القانون ، ولعب قانون المرور الردعي الجديد رأس الحربة في تفاقم الرشوة بين صفوف الشرطة والدرك الوطني .
**بلد غني بشعب فقير ..
الدول الغنية بمواردها تسعى إلى إحداث توازن في مدفوعاتها ، وتعجيل وتيرة تنميتها وتشغيل أبنائها وأبناء الجيران إن أمكن، غير أن نظامنا شذ عن القاعدة ، فهو غني نظريا ، لكنه فقير عمليا ، أو قُل أن غناه صُرف في مجالات تكوين ترسانة من العساكر والجندرمة ، والبوليس بأنواعه ، لخنق الأصوات الحرة ، وإسكات كل متنفس أو صوت جريء ، فما حاجتنا نحن لطغم نافذة ، و جيش عرمرم يستهلك أكبر ميزانية دون شغل ومشغلة ، مادامت الحروب الحالية ليست حروبا عددية كمية ، وإنما حروب الكترونية فعالة بأقل جهد وبتكاليف بخسة ، وأعجبني قول أحد المعلقين على قناة فرانس 24 قائلا ، [ما بال حكومتنا تبني 30 سجنا كبيرا عبر تراب الوطن ، فلماذا لم يصرفوا تلك الأموال في بناء 30 مصنعا تستقطب اليد العاملة العاطلة ؟ ] .
**شباب غاضب احتجاج وتخريب للمتلكات العامة والخاصة .
صدق من قال بأن الثورة يخوضها المجانين ، ويستفيد منها الأذكياء والإنتهازيون ، وذاك هو حالنا ، فلو بحثنا عن هؤلاء المحتجين لوجدنا غالبيتهم شباب عاطل عن العمل ، أو أنه لا يحب العمل ! ، وكثير منهم شغوف بمتابعة الكرة المستديرة ومن أنصار النوادي العاصمية خاصة ( نادي مولودية الجزائر ) فهم يشكلون الصفوة الشاذة المتمردة حتى في نصرة الفريق ضد خصومه ، وهم رواد الإحتجاج بلا رادع ، لأن حاميها حراميها ، أما بقية الشعب المغبون فهو رهين البيوت وأماكن الشغل يتحسر على واقع البلاد والعباد ، دون قدرة على الإفصاح عن المعاناة أو معالجتها .
و لوحظ أن الإحتجاج لم يكن سلميا وإنما غايته هو ( التهراس والتكسار ) والسلب للأملاك ، وهو ظاهرة شبيهة بما جرى في أحداث 5 أكتوبر 1988، و ما جرى في بغداد أيام الإجتياح الأمريكي ، و في الغالب تتم التجاوزات في غياب قوات الأمن التي يبدوا أن أوامر صدرت لها بعدم مقارعة المحتجين ، فالخسائر المادية في تقديرها لها جبر وتعويض ، على عكس الخسائر البشرية . لهذا نشاهد جموعا من الشباب يخربون وكالات الهاتف ,مراكز البريد ، والمحاكم ، وتجرأوا حتى على الإستحواذ على خزائن البنوك دون مقاومة تذكر ، فالدولة العاجزة في تقديري عن حماية ممتلكاتها العمومية لا تقدر عن حماية مواطنيها ، فقوات الأمن منشغلة بتحصين مواقعها ورفع أسوار ثكناتها ، فأصبحوا خائفين من شعبهم ، ولتبديد خوفهم مُكّنوا من زيادات وهبات في رواتبهم وتحسين في وسائل نقلهم وتدخلهم .
**نقمة من الأداء الحكومي وسياسته ،زيادة الأسعار فجرت الثورة .
إن أحداث الجزائر حاليا ليست امتدادا لاحتجاجات سيدي بوزيد بتونس ولا تأثرا بها ، لأن الجزائريين لهم تجارب سابقة في التمرد والعصيان ، فالأسباب المباشرة لهما متباينة وإن كانت المعاناة واحدة ، ويبدوا أن التأثير السياسي له ضلع ، أو أن خوف النظام من الإسلاميين ظاهر بتوقيف علي بلحاج العضو الأساسي في الفيس المنحل .
فالأحداث في غالبها عفوي لا أثر فيها لأياد أجنبية ، ولا لأحزاب نافذة ، وتقديري أن تضييق النظام على المعارضة وتدجينه لها ، هو ما أوصل الحال إلى المحال ، وها هوالنظام يقطف بواكير مساويء الخطأ ، بترك شعب معارض ناقم بلا قيادة تقوده وتوجهه ، فلو فسح المجال لنشاط المعارضة الفاعل لقادت تلك المسيرات العفوية الإحتجاجية عن دراية وتبصر بعيدا عن التخريب وسقوط الأرواح ، غير أن نظامنا يرى بأنه هو الوحيد المؤهل لتمثيل الشعب وقيادته ، فهو الحاكم وهو المعارض في نفس الوقت .( اللاعب احميدة والرشام حميدة ).
** الرئيس الذي يسكت عندما يحين وقت الكلام ....
البلاد تحترق والرئيس قابع في قصره الجمهوري ينتظر الفناء النهائي لمقدرات البلاد عن طريق الحرق العمدي والنهب المركز للمتلكات ، فهو أشبه ( بنيرون ) الذي تلذذ بحرق روما ، أين مسؤولية الدولة وقوتها في الحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ، أم أن أجهزة الأمن أنشئت وسخرت لحماية الحكام وأذيالهم .
** الحالة مرشحة لأزمة أشد من أزمة 5 أكتوبر 1988.
يتناهى إلى أسماعنا مؤخرا أن عدوى الإحتجاج انتقلت إلى مدن كثيرة في الوطن من وهران إلى عنابة ، ومن الجزائر الى مدن الجنوب ، ( مقرات تحرق ، وبنوك تنهب ، وإشرات المرور تقتلع ....) فتسونامي التخريب فرخ وطال ، بلا وازع ديني ولا أخلاقي تحت أنظار حكام همهم ملء الجيوب وتهريب العملة نحو الخارج . فهم مفسدون غير مصلحين ، ينتظرون حدوث الأزمة لعالجها ، ولا يتنبؤون مسبقا بما سيجري لأن في آذانهم وقر ، أين خلية الأزمة ؟؟، وأين مرصد التنبؤ بالهزات الإجتماعية ؟؟ لعلاجها قبل حدوثها ، فنحن معشر المسلمين لنا قابلية استنساخ الكوارث واجترارها مرات ومرات ، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
إن وسائل الإعلام المحلية والوطنية ساكتة على الأحداث ، كأن الأمر لا يعنيها ، بسبب توجيهات وصلتها بعدم البوح بما وقع، غير أن القوم تناسوا بأننا في زمن يختلف عن 1988 ، فالمجال السمعي البصري مفتوح على مصراعية ، فقد أصبح المواطن العادي يعرف ما لا تعرفه خلية الأزمة المشكلة ، وما لا يعرفه رئيس الجمهورية بالذات ، فالتعتيم الإعلامي الوطني ، والسكوت المقصود لا مبرر لهما ، وهو يظهر للمواطن مدى سفاهة الأنظمة وستر عيوبها بمختلف السبل والوسائل .
فالمواطن العادي حائر في توجيه اللوم إلى الدولة التي فقدت مصداقيتها ونزاهتها ، أم إلى الشباب الغاضب الذي تجرد من كل السبل السلمية في التعبير اعتقادا منه (عبر التجربة) بأن النظام لا يفهم إلا لغة القوة ، وهي السبيل الأنجح لجلب الأنظار لتحقيق المطالب المشروعة للطبقة الشغيلة والمظلومة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي
عبد القادر أنيس ( 2011 / 1 / 8 - 10:02 )
أخي الطيب، بالإضافة إلى الأسباب التي تعرضت لها وهي كلها في نظري صحيحة ومعقولة وخاصة غياب الديمقراطية الحقيقية التي تسمح للمعارضة بالمشاركة الفعالة في دق ناقوس الخطر ومراقبة الحكومة وتنبيهها وتمكين الشعب من استبدالها عن طريق انتخابات حرة وديمقراطية. قلت بالإضافة إلى هذا فهناك سبب أعتبره رئيسيا وهو التزايد السكاني بشكل مجنون. عدد السكان تضاعف أربع مرات في جيل واحد. هي جريمة منكرة يتحملها النظام الذي حكم البلاد كما يتحملها رجال الدين الذين ظلوا يحرمون بغباء. رأيي أنه يستحيل على أية دولة مهما كانت التصدي لمطالب عشرين مليون قادم جديد (حسب معدل التزايد العالمي) وهي ضعيفة وخارجة من قرون من الانحطاط والتخلف والاستعمار. الدولة الجزائرية، كما يجب أن نعترف، صرفت أموالا طائلة لبناء السكن والطرقات والمدارس والجامعات وغير ذلك، ولكن الضغط السكاني كفيل بإفشال أية سياسة.
في الأخير يجب أن نعترف أن هذا النوع من الانتفاضات ضرره أكثر من نفعه. بعد هذا التدمير سينام الشباب عشر سنين قادمة نوم أهل الكهف، اعتقادا منهم أنهم قاموا بثورة. المعارضة لا يجب أن تترك للشباب وحدهم.
تحياتي


2 - يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه
عبد القادر أنيس ( 2011 / 1 / 8 - 11:24 )
أحب أن أضيف، أخي الطيب، أن من يعرف الجزائر ويتجول فيها يكاد يصاب بالذهول من هذه المدن الكثيرة التي نبتت مثل الفقاع من العدم في كل مكان وبشكل فوضوي: لا طرق صالحة، لا معمار جميل، لا اخضرار: الباطون وغير الباطون. تغيب عشر سنوات. هناك من غابوا عشرين سنة وعادوا إلى قراهم فلم يتعرفوا عليها. المدن واثرى الأوربية باقية على حالها ومعمارها وجمالها منذ القرون الوسطى: إنها كارثة إذا أضفنا إليها ملايين من الشباب فرخناهم كأننا أرانب وفشلنا في تكوينهم وتعليمهم وتربيتهم وتوفير العمل لهم فصاروا نقمة على البلاد ، لا نعمة كما كان يجب أن يكون، بانحرافهم وسوء أدبهم وسرقاتهم واعتداءاتهم واستخدامهم للإرهاب.
صدق من قال: يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه.
خالص مودتي


3 - الكارثة والنكبة
الشهيد كسيلة ( 2011 / 1 / 8 - 20:37 )
زرت اقارب في مناسبة بعد غياب يزيد عن عشر سنوات فوجدت كل شيء قد تغير وعلى الخصوص ذلك الحي القصديري الذي يتراءى من الشرفة وقد تكدست بيوته حتى ليظنه المرء كوخا واحدا ممتدا على جنبات منخفض تحيط به الاشجار التى تخفيه عن الانظار
سالت فقيل لي هذا هو المكان الذي يفضله اصحاب الصفيح ليكون خافيا عن الانظار ولا تصل اليه اعين وايدي السلطات والطريف ان اسم ذلك المجمّع القصديري هو : حي العرايس لانه كما قيل لي كل شاب يعثر على عروس ينفصل عن عائلته التي تسكن اف 3 ويذهب الى ذلك المكان لحجز مربع من الارض يقيم عليه كوخا ياويه مع عروسه
وبالقرب من حي الصفيح مسجد لا شغل لامامه الا حث الشباب على اكمال نصف دينهم وقيل لي ايضا ان الشباب هناك يتزوجون في عمر 16 سنة للبنات و20 سنة للذكور

والكل يتناكح والكل يتناسل ليباهي بهم الامم يوم القيامة


4 - النمو الديمغرافي هو السبب الاول
سناء نعيم ( 2011 / 1 / 9 - 08:13 )
مأساة الجزائر لا تتحمّلها الدولة بمفردها بل هي مسؤولية الجميع مسؤولية الفرد الجزائري الذي ما زال يعيش بعقلية الخلف في هذا العصر.مازلنا نؤمن بان تحديد النسل من المحرّمات ومازلنا نعيش بعقلية الجدّات حيث على المرأة ان تنجب الذكور والبنات حتى تعمّر بيتها ومازلنا نفكر بعقلية بالية -تناكحوا تناسلوا فاني مباه بكم الامم يوم القيامة-.أزمتنا سببها الإستبداد والجهل والذهنية المتخلفة والفكر الديني الرجعي.سيدة متعلمة لها 4 ابناء وتصر على الإنجاب لانها لم ترزق ببنت واخرى لها البنات وتريد الذكور.وهكذا لا أحد يفكر في المستقبل.الهم الي خلق ما يضيع.هكذا نفكر وهكذا حالنا وهذه مأساتنا.

اخر الافلام

.. بايدن وترامب وجها لوجه | #أميركا_اليوم


.. منذ 7 أكتوبر.. أميركا قدمت مساعدات أمنية لإسرائيل بقيمة 6.5




.. السباق إلى البيت الأبيض | #غرفة_الأخبار


.. بدء الصمت الانتخابي في إيران.. 4 مرشحين يتنافسون على منصب ال




.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات استمرار احتجاجات كينيا رغم تراجع ا