الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو الغيط والغطاء الرسمي للإرهاب

سعيد لحدو

2011 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


بعد مرور قرابة أسبوع على جريمة كنيسة القديسَين في الاسكندرية وسقوط عشرات الضحايا الأبرياء من المصلين بين قتيل وجريح،وبخاصة بعد مارأيناه في كنيسة النجاة ومازلنا نراه في العراق، خرج وزير الخارجية المصري أبو الغيط، وليته لم يخرج. وتحدث إلى الصحفيين، وليته لم يتحدث. وقال، وليته لم يقل بأن التحقيقات لم تتوصل إلى أي شيء محدد. وكم كنا نتمنى لو أنه ظل صامتاً من أجل كرامة مصر وهيبتها. وما زاد في الطنبور نغماً أنه ضاق ذرعاً بالدعوات بوجوب حماية المسيحيين في الشرق الأوسط. تلك الدعوات التي صدرت من جهات مختلفة من بينها الفاتيكان والتي تلت تلك المذابح وما سبقها من أعمال وحشية. فأعلن، وليته لم يعلن، مايعرفه الجميع بأن الكنيسة القبطية أقدم من الفاتيكان. ملمحاً بأن دعوات حماية المسيحيين في الشرق الأوسط ستواجه بردود فعل إسلامية ودعوات بحماية الجاليات الإسلامية في الدول الغربية!!!
أي تسخيف وأية مهاترات هذه التي ينطقها وزير خارجية أكبر وأهم دولة عربية والتي تضم بين مواطنيها أكبر عدد من مسيحيي الشرق الأوسط، حين يحول جريمة بهذه البشاعة، وتهديداً يومياً لحياة كل مسيحي في مصر والشرق الأوسط إلى مساجلات كلامية على منابر الفعل ورد الفعل. وهل دعوات الحماية التي لم يطلبها مسيحيو مصر،تجرح مشاعر الوزير المصري؟ في حين إسالة دماء ونثر أشلاء العشرات في كل مرة من النساء والأطفال الأبرياء من مواطنيه وغير مواطنيه، ممن لاذنب لهم سوى كونهم مسيحيين، لاتحرك فيه نخوة الأخوة الوطنية على أقل تقدير، فيبادر إلى شكر الجميع على تعاطفهم الإنساني مع الضحايا من مواطنيه المصريين؟ ألا يغطي أبو الغيط بمواقفه هذه الفعلة الشنعاء لإرهاب الإسلام المتطرف؟ وكأنه بهذا القول يبرر لأولئك المجرمين المجردين من كل حس إنساني جرائمهم البشعة هذه عندما يصور الغرب عموماً والفاتيكان بوجه خاص وكأنهم حماة لمسيحيي الشرق وبالتالي يصبح ذلك مسوغاً للتطرف الإسلامي أن يصنف هؤلاء المسيحيين في خانة العملاء للغرب. وكنتيجة لذلك يغدو ، على الأقل من وجهة نظر البعض، من حق "الجهاديين" الاقتصاص منهم على طريقتهم "الاستشهادية" التي لم يكلف السيد الوزير نفسه بالتفكير بأسبابها ودوافعها التي لايمكن إعفاء النظام الرسمي المصري من مسؤوليتها.
لماذا يتجاهل السيد أبو الغيط القوانين الغربية التي تحمي أياً كان على أراضيها وهي كلها قوانين علمانية لاتأخذ بعين الاعتبار الدين أو اللون أو المنبت للفرد، ناهيك عن سيادة تلك القوانين التي تجري أحكامها على الجميع بلا أدنى استثناء لأي كان حتى الرؤساء والملوك. وإن حدثت بعض الحالات الفردية فإن القصاص العادل لايوفر أحداً. فهل يحدث هذا في مصر؟
هل التفت الوزير ولو للحظة إلى التمييز الفاضح ضد الأقباط في مصر، وهم سكانها الأصليون، في دستور الدولة وقوانينها؟ هذه القوانين التي تميز بين المواطنين على أساس الدين، فتشرع بذلك المعاملة الدونية الشائنة والقهر والتهديدات المستمرة على المستوى الرسمي والشعبي والممارسات العنصرية اليومية ضد مسيحيي مصر. وهل يمكن تلافي هجوم إرهابي كالذي وقع ليلة رأس السنة في ظل هكذا قوانين وهكذا محيط مشحون بالكراهية والتكفير والعدائية تجاه عشرة ملايين قبطي يفترض لهم أن يكونوا متساوين بحقوق المواطنة مع غيرهم في الوقت الذي لم يتأخروا يوماً عن أداء واجباتهم الوطنية؟
إذا كانت دعوات الحماية مرفوضة، فهل تكون دعوات الكراهية والتكفير التي تنطلق من منابر الجوامع ليل نهار ضد كل من يدين بغير الإسلام مقبولة؟ ولماذا لايتحرك السيد الوزير أبو الغيط وحكومته لإسكات هذه الأبواق المفرخة للإرهاب والمنتجة للفرق الانتحارية وهي تقتحم عليه غرفة نومه وتفسد عليه راحته، عوضاً عن توجيه التهديدات للغرب بداعي التدخل في الشؤون الداخلية لمصر. في حين يصبح ذلك التدخل مرحباً به ومطلوباً وحتى بالقوة العسكرية، حين يتعلق الأمر بجالية مسلمة كما حدث في البوسنة والهرسك. أية مفارقة فجة هذه والأمر لم يتعدَّ دعوة الحكومة المصرية لحماية مواطنيها المسيحيين. وهو الأمر ذاته حين صدرت دعوات لحماية السكان المسلمين في دارفور بالسودان ولم يجد أيٌ من المسؤولين العرب في ذلك غضاضة باستثناء البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
لماذا يتحول الأمر إلى خيانة وعمالة وتدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتعد على سيادتها بمجرد أن يطلق أحدهم كلمة تعاطف إنساني إذا تعلق الأمر بالمسيحيين في أية دولة عربية كانت. في حين تلقي حزب الله الشيعي المليارات وعشرات آلاف الصواريخ من إيران بذريعة المقاومة لفرض سيطرته على لبنان، والارتباط العضوي المتين مع إيران لأحزاب ومجموعات مسلحة عديدة في العراق يلقى كل الترحيب، أقله في الأوساط الشعبية إسلامياً. ما الذي فعله النظام الرسمي العربي عموماً من المغرب غرباً وحتى دويلة البصرة الشيعية وإمارة الموصل الإسلامية شرقاً سوى المساهمة المباشرة وغير المباشرة في تصاعد التهديدات وتشديد معاناة المواطنين المسيحيين في هذه البلدان وتهجيرهم بالعنف تارة وبالتهديد والخطف تارة أخرى، وبالتمييز في القوانين والممارسة اليومية في أفضل الأحوال؟ وإذا كان الهدف هو شرق أوسط بدون مسيحيين فإن حالة شعوبه لن تكون أفضل من حال شعب أفغانستان أو بنغلادش. وإن عودة بالحياة إلى ماقبل القرون الوسطى هو المصير الذي ينتظر المنطقة إذا استمر الحال على هذا المنوال. وإن لم تقم حماية ذاتية فاعلة بسن القوانين العصرية التي تكفل المساواة التامة بين المواطنين والتشديد على الممارسة الفعلية لروحية هذه القوانين في الأوساط الرسمية والشعبية، فلن يكون المستقبل أفضل حالاً مما هو حاصل حالياً.
ولا يسعني هنا تجاهل الدعوات والمواقف التضامنية العديدة التي أطلقها كثير من المثقفين والنشطاء السياسيين وغيرهم في بلدان عربية مختلفة ممن آلمهم أن يُهدَد المسيحيون بوجودهم على هذه الصورة الهمجية. فعبروا بمواقفهم تلك عن روح المواطنة الحقة التي يجب أن تسود فوق كل اعتبار آخر. هذه المواقف التي على النظام الرسمي العربي أن يثني عليها ويشجعها للانتقال بها إلى مستويات أرحب لتتحول إلى ممارسة يومية عادية عوضاً عن البحث عن الاعذار والمبررات الواهية التي توفر الغطاء وتخلق الظروف المشجعة للعمليات الإجرامية التي تظل كلمة إرهاب قاصرة عن توصيفها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حتى لا نكون مثل السودان
محمد زكريا توفيق ( 2011 / 1 / 8 - 15:28 )
الحل في تعديل الدستور بما يؤكد المساواة في المواطنة للجميع. إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي. اصدار قانون بناء دور العبادة الموحد. إلغاء قانون الخط الهمايوني. تجريم كل عمل يفرق بين الأديان. إلغاء القنوات الفضائية والبرامج الدينية في كل أجهزة الإعلام. إلغاء حصة الدين في المدارس. تعليم الأطفال أن الدين لله والوطن للجميع. إذا لم تتحقق هذه الأمور بأسرع ما يمكن لأنقاذ الوطن، سوف نجد أنفسنا مثل السودان ثلاث أو أربع دول، كانت دولة واحدة يحكمها ويسكنها أغبياء اسمها مصر. هكذا تفعل كل الدول المحترمة. ولا تحتاج فهامة صلاح جاهين حتى نفهم الخطر المحدق بنا.


2 - مقالة رصينة تعكس الواقع المر
شميرام مرغونيتا ( 2011 / 1 / 8 - 22:16 )
تصريحات وزير خارجية مصر والتي سمعتها تؤكد ما يكتبه أخواننا المصريون الأقباط وما يعرفه القاصي والداني بأن الحكومة المصرية وأجهزتها متواطئة مع الإرهابيين. غدا سيبدأ العد التنازلي لدولة السودان الإسلامية وبعد أسبوع سنسمع بانفصال الجنوب عن الشمال وسنزغرد لهذه الخطوة. وهكذا سيكون مصير أكثر من دولة إفريقية كانت البارحة عربية وهي الآن عربية-أمازيغية وغدا أمازيغية منفصلة عن العربية. شكرا جزيلا للكاتب على تحليله وتقييمه لخطاب وزير خارجية مصر. متى سيعترف هذا الوزير المصري وغيره بأن الغرب لا يفرق بين مسيحي ومسلم وبوذي وملحد، وهم يعرفون هذا حق المعرفة، إذ لم يأتوا من وراء الجمال إلى هذه المناصب، بل لهم عيون ويشاهدون حياة الناس في الغرب ويقرأون دساتير الدول الغربية التي لا يوجد للدين ذكر فيها مطلقا، على عكس دستور مصر وقانون أحواله المدنية الذي يذكر الدين حتى في شهادات الولادة. تحياتي للكاتب على مقالته الرصينة


3 - إديني حسنه وأنا سيدك
Red W ( 2011 / 1 / 9 - 02:11 )
الافلاس الفكري والحضاري والاقتصادي الذي شمل مصر وبقيه مايسمي بالدول الاسلاميه أنتج أبو الغيط وأمثاله وجعل مصر في حال يدعوا للرثاء والغثاء في آن واحد... من ناحيه يستجدون من الغرب وأميركا ومن ناحيه يهددونهم بالويل إذا تدخلوا فيما يسموه أمور مصر الداخليه ... يعني إديني حسنه وأنا سيدك


4 - الملفان العظيم سعيد
سامي ابراهيم ( 2011 / 1 / 10 - 00:33 )
شلومو أيها الملفان العظيم سعيد. كل سنة وأنت سالم. تحية حب من أعماق قلبي.
يعني نستطيع أن نتقبل ونمرر كل ما تفوه به وزير الخارجية حول شؤونه الداخلية وعدم السماح لأحد أن يتطاول على السيادة الداخلية مع العلم أن المساعدات والمعونات الخارجية الأمريكية والغربية لشعب مصر تقدر بملايين الدولارات سنويا وفي جميع الأصعدة الصحية والتعليمية والإقتصادية -هنا بالطبع السيد وزير الخارجية لن يرفض التدخلات أو المدخلات الخارجية ولن يشتكي منها- لكن ما لم أستطع فهمه هو تهديده للغرب بأنه هو أيضا سيطالب بتوفير حماية أو وصاية على المسلمين في الغرب!! يجب أن تكون نكتة 2011. ليسأل نفسه هل يعامل المسلم البلجيكي أو المسلم الهولندي أو المسلم الألماني بمعاملة مختلفة عن السكان الأصليين أم أن لهم ما للمواطن الأصلي وعليهم ما عليه. ترميم تواليت في مسجد هل يحتاج لتوقيع ميركل أو ساركوزي أو أوباما؟ ألا يقارن بين معاملة المجتمع المصري للقبطي وبين معاملة المجتمع الغربي للمسلم؟!. فوش بشلومو ملفونيدي ميقرو سعيد. لك كل الحب.

اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان