الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدية عيد الأم- قصة قصيرة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2011 / 1 / 8
الادب والفن


ذهبا الى بيت أهله ومعهما ولدهما وابنتهما... وهدية. هدية لأمه بمناسبة عيد الأم، كما هي عادتهما في كل عام.

استقبلتهم الأم بوجهها البشوش ككل مرة. أخذت الهدية ووضعتها على المنضدة القريبة، وكانت سعيدة. ولكن هديتها كانت رؤية حفيديها الصغيرين.

ذلك الولد ابن الخمس سنوات كان أول حفيد لها. آه، كم اشتاقت إليه! وتلك الصغيرة الحلوة، التي أكملت سنتها الأولى، لم تهنأ بعدُ بمعرفتها كثيرا. متى كانت آخر مرة رأتهما؟ أقبل شهر؟ شهرين؟ لا تذكر.

انها لم تعُد تراهما كثيرا، ولا والديهما، فهم لم يعودوا يزورونها كثيرا، كما كانوا يفعلون في السابق. انها تعرف ان هناك شيء، غضب مكبوت على وشك الإنفجار، ولهذا، فهي حريصة، وزوجها حريص. انهما حريصان الا يوجدا ذريعة لانطلاق الغضب.

إنّه غاضب... لأن زوجته غاضبة. انها غاضبة... لأنها لا تحصل على المال، كما كانت متعوّدة في السابق. انها تريد منهما مالا... لا لشيء، بل لمجرد الحصول! فهي ليست بحاجة الى المال. فبيتها جاهز ولا ينقصه شيء. وزوجها يعمل ومرتبه عالٍ. وهي تعمل وتأتي بالمزيد. ولكن بالها لا يهدأ. يجب ان تحصل على المال. فماذا سيفعل عجوزان متقاعدان بالمال؟

ولكن المال مال رجل كادح في عمله خلال ثلاثين عاما حتى تقاعد واستراح، وقد أمدّهما بمساعدات كثيرة خلال سنوات زواجهما حتى استقرّت حالتهما. انهما كانا حريصين دوما على مساعدتهما في كل احتياجاتهما وطلباتهما، قدر الإمكان، بهدف إسعادهما. فهو ابنهما. ولكنه ليس وحيدهما. وقد تفاقمت طلباته وتضاعف تذمّره. وها هو الآن غاضب. لا يكفيه الكثير الذي هو فيه. ما زال يريد المزيد.

انه ابنهما.

هذا الإبن الذي جاء اليهما يوما وهو ما يزال طالبا في الجامعة، وقال: "سأتزوّج."
فقالا له: "انتظر قليلا حتى تنهي تعليمك وتبدأ بالعمل، ونجهّز نحن لك مسكنا في الطابق الأول من البيت."
ولكنه أصرّ: "أريد ان أتزوّج الآن!"
فلم يملكا بدا الا ان يجهّزا المسكن بأسرع وقت ليزوّجا ابنهما.

وهكذا تمّ الزواج. وبدأ العريس الطريّ عمله في احدى الشركات، فيما أكملت زوجته دراستها، ورزقا بولد جميل. وبعد سنتين، بدأا بتعمير بيت خاص بهما، وزوجته لم تبدأ بالعمل بعد، وهو موظف بسيط في شركة. فساعدهما الأب لاستكمال البيت، الذي زُوّد بكل الضروريات والكماليات ولم يعُد ينقصه شيء. ولكنهما ما يزالان يريدان المزيد.

جلسوا جميعا يأكلون ويشربون، يدردشون ويفرفشون.

وبعد نحو ساعة ... قاما للذّهاب.

"أنا لا أريد الذهاب." انتفض الولد الصغير فجأة.
إنه يريد البقاء. فهو لم يعُد يرى جده وجدته كثيرا، رغم انه كان يراهما كل يوم في السابق.
"لا بأس." قال الجد برقة. "دعاه يبقى عندنا قليلا وسأعيده إلى بيتكم لاحقا."
ولكنهما امتعضا للفكرة. "تعالَ معنا يا ولد!" صاح به الأب.
ولكن الولد ظلّ يلتصق بجدّه.

ركبا السيارة ومعهما ابنتهما، والولد رافض الذهاب، وأمه تحثّ بزوجها كي يأتي بالولد.
فاستشاط زوجها غضبا وفار فائره. "تعالَ الى هنا بسرعة يا ولد!"
حاول الجد تهدئته، فقال: " لا داع للتعصيب. ماذا جرى؟ فليبقَ عندنا قليلا وانا سأعيده اليكما بعد حين."

وفجأة... انفجر الأب ساخطا: "وما بك تتصرّف كأنك متيّم بالولد! انكما لا تحبّانه ولا تفعلان من أجله شيئا!" قال وقد انطلق الغضب الذي ظلّ يتأجّج في جوفه منذ زمن.
"نحن لا نحبّه؟!" صُدم الجد أشد صدمة.

كيف لا يحبّه؟

هذا الولد، الذي يركض اليه فرِحا كل مرة يراه فيها، يحتضنه ويقبّله ويقول له: "جدي، انا أحبك وأريد ان آتي الى بيتكم كل يوم. ولكن أمي لا توافق. وقد خبّأت عني درّاجتي كي لا آتي اليكم."

انه ضحية... ضحية مشاكل الكبار... ضحية الحقد والحسد والطمع. ما ذنبه هذا الصغير ان يُحرم من الناس الذين عاش بقربهم وأحبّهم خلال سنواته الصغيرة بسبب مشاكل الكبار؟ ولكن، ماذا بوسع جده وجدته ان يفعلا؟ انهما يريدان ان يخفّفا عنه معاناته، ولكنهما لا يريدان ان يكونا سببا في اضرام النار بين والديه جراء تدخّلهما.

كيف لا يحبان الولد؟ وهو حفيدهما الأول، وقد فعلا من أجله كل ما استطاعا.

جاء اليهما يوما وقال: "جدي، أريد ساعة مثلما لصديقي. ولكن أريدها ساعة جيدة وجميلة."
فذهب جده وجدته واشتريا له ساعة جيدة وجميلة، مثلما طلب، دون أن يكترثا بالمائتي شيكل اللتين دفعا لاقتنائها.

فرح الولد كثيرا، وهتف: "هذه ساعة أفضل وأجمل من ساعة صديقي!"
وبعد مدة، لاحظا انه لا يضعها في يده.
"لماذا لا تضع ساعتك؟ ألم تعُد تعجبك؟" سألاه.
فأجاب: "بلى، تعجبني. ولكن أمي لا تدعني أضعها لأني ما زلت صغيرا."

تلك هي أمه. انها تشتعل حقدا وحسدا وطمعا. وهي مسكينة... وربما معذورة. فهناك من يشعل فيها نارها التي لا تسكن، فتشعل بها زوجها غضبا.

لم يستطِع الجد تحمّل الوضع. وبعد ان اتّهمه ابنه بعدم حب حفيده، وظلّ مصرّا على أخذه معه، انفجر ساخطا : "ان كنت لا تريد لولدك ان يزورني في بيتي فلا تزُرني انت أيضا!"

فذهبا آخذين معهما ولدهما... وغضبهما وثورتهما.

دخلت الجدة الى بيتها، ومعها زوجها، واخذت الهدية من على المنضدة.

(كفر كما)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حليب التين
جميل السلحوت ( 2011 / 1 / 9 - 04:31 )
عزيزتي حوا
جميل ما تكتبين وانا اتابعه باستمرار
بالنسبة لرواية حليب التين فهي لسامية عيسى صدرت عام 2010عن دار الآداب في بيروت، وأعيد تصويرها في رام الله.


2 - شكر وتقدير
حوا بطواش ( 2011 / 1 / 9 - 09:40 )
استاذي الكريم جميل السلحوت

اشكرك جزيل الشكر على اجابتك واهتمامك وانا من المتابعين لكتاباتك على الحوار المتمدن.
تحياتي الصادقة لك ايها العزيز
دمت بخير


3 - البحث الدائم
رديف شاكر الداغستاني ( 2011 / 1 / 10 - 13:11 )
تحية للقاصه لتنوع ماتطرحه اشد على يدها لكونها امراة تمارس حرية الكتابة كما تريد المهم جدا ان نبحث عن مايخدم المجتمع حتى لو كان عن طريق البحث الذاتي واحب اسال الكاتبة هل كل القصص من الخيال اوفيها جزء من الواقع مع فائق التقدير


4 - الخيال والواقع
حوا بطواش ( 2011 / 1 / 10 - 20:58 )
الاخ رديف شاكر الداغستاني
لا شك ان ما اكتبه فيه الكثير من الخيال والكثير من الواقع في ذات الوقت، ولكن، ليس من الضروري ان يعيش الكاتب كل ما يكتبه او يكتب كل ما يعيشه. انا استوحي قصصي من الحياة بشكل عام ومما اراه حولي او اقرأه او اشاهده ولكني اكتبها باسلوبي الخاص ومع الاضافات التي اريدها كي تلائم النص الادبي.
تحياتي لك

اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا