الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأختيار قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2011 / 1 / 8
الادب والفن


عندما دققت النظر فيها ، وقفت مذهولاً لجمالها ، تمتلك وجهاً قمرياً صغيراً ، شوهته بقع داكنة من أثر الشمس والأتربة ، وشعر يسدلُ على كتفيها تشبك لشدة التعرق والغبار ، لم يرَالماء منذ مدة ، وتستحوذ على صورة وجهها جوهرتان تلمعان كالضؤ ، وتخطو بقدمين صغيرين تلسعها حرارة الطريق الإسفلتي ، الذي لا يرحم ، وهي تتهادى وتحمل ُ على كتفها عصا تمسك بطرفها وتقطر بطرفها الأخر قاطرة بشريه تحمل هموم الدنيا وألمها ، أخذت منه السنون ، القوة والنظر تاركاً في كوخه القابع في ضواحي المدينة ، المجاور لمجمع النفايات ، امرأة عجوز معوقة وبنتين يافعتين تعملان صباحاً بجمع النفايات ، واعتمد هو على هذه الصغيرة كدليل تطوف بهِ شوارع المدينة ، حتى أصبحت تعلف خارطة المدينة . وأسماء شوارعها ،وبدونها لا يمكنه التحرك والتجوال ، بل يستدر بها عطف الناس ، لصغر سنها ، الذي تجاوز الخمس وبضع شهور،ولا أدري هل .. قسَمَتْ الدنيا على الناس حياتها ،بشكل غير عادل ؟ أم نحن ظلمنا أنفسنا ، أو انتهك حقوقَنا الآخرون .بالرغم من سنها أخذت من الشارع العادات .. مما انعكس على سلوكها الطفو لي . وإذا شعرت بالتعب أنزلت العصا من كتفها ووضعتها على الأرض , هي دلالة له إنها تعبت وعليه التوقف معها للأستراحه .يدسُ يده في جيبه ليخرج قطعة حلوى مما تصدق به بعض الناس ليقدمها لها مكافأة على جهودها , كما يقوم مدرب الحيوانات في السيرك ،ليكسب رضاها، يقوم في هذه الحالة عدة مرات في اليوم ، يجلسان على رصيف الشارع ، وهو لا يكف بالمناداة ( المال مال الله والسخي حبيب الله) لازمة حفظها ويرددها باستمرار
التفتت إلى الوراء .. رأت أطفال يلعبون في حديقة صغيرة ,لعبة التوازن والمراجيح ، انسلت ببطء بدون إن يشعر بها , إلى تلك الحديقة ، لتشارك الأطفال لعبهم وفرحهم .. إندمجت ونسيت اباها .. ناداها عدة مرات فلم تسمع نداءه ، إستنجد ببعض المارة فلم يفلح كذلك .. أما صغيرته فقد صاحبت الأطفال .. فنسيت نفسها .. سألتها أم الأطفال :ـ
ــ يا صغيرتي من أنت ؟
ـــ أسمي ندى .. وأبي شيخ كبير ، تركته هناك ، على قارعة الطريق .
ــ لماذا لا تعودين إليه ؟
ــزمت عن شفتيها والتزمت الصمت .
ــ هل تشعرين بالجوع ؟
ــ نعم ، لم أكل منذ الصباح !!
ــ هل تبقين مع الأطفال تلعبين معهم ، براحة واطمئنان ؟
أطرقت برأسها إلى الأرض ، ونظرت إلى نفسها والى الأطفال ، والحالة التي وصلت إليها .
ــقالت لها المرأة .. لاعليك .
بعد عودتهم إلى البيت أطعمتها وأدخلتها الحمام .. وجهزتها بالملابس الجميلة . فأصبحت كالوردة ، بعطرها وجمالها ، دخلت إلى قلب المرأة ،أحبتها وكم تمنت ، ان تبقى مع ولديها .
في اليوم الثاني حاولت البحث عن الرجل في شوارع المدينة ،شاءت الصدف أن تراه جالساً في نفس المكان ، اقتربت منه وقدمت له بعض النقود وسألته لتتأكد ، إنه أب الطفلة أم لا ،لأن العاجزين كُثر
ـــ يا شيخ .. أين الطفلة الصغيرة التي تصطحبك كل يوم
ــ أجابها ، لأدري ،سرقها أحد أو ضلت الطريق أو ملت من الدوران .. إن لله ــ أليست ابنتك .؟
ــ لا !!
ــأدهشها الجواب .. حاولت معرفة قصتها
إذن كيف وصلت إليك .. يا شيخ ؟
ــ عثرنا عليها في احد الأيام ملفوفة ومرمية بجانب القمامة .. قرب الكوخ , فأسرعنا لالتقاطها ، قبل أن تأكلها الكلاب السائبه فاعتبرناها ،هبة من الله ، قمنا بتربيتها ، هي تساعدني على التجوال في الطريق ، وأرجو من الله سبحانه أن لا تقع بيد ضعيفة النفس ومن عديمي الضمير
تنهدت المرأة ، وغيرت رأيها بموقفها ، ولم تخبرها بل أرادت أن تكسب ودها أولاً ، والأجر والثواب ثانيا ، وتقوم على تربيتها أطمأنت لهذه الفكرة .. قبل أن تغادر ، أردفت قائلة ، لو وقعت بأيدي أمينة ، قامت على تربيتها ، وأشرفت على تعليمها .. ألن يرضيك ذلك ؟ أدعو لها بالخير والتوفيق ، لكني سأفتقدها .. من يساعدني على هذا الطريق ، عزّ عليها ذلك ، وقفت حائرة والأسى يلفها .. لكنها تستدرك قائلة :ـ
ــ لو إنها ابنته ، لحن قلبه عليها ولن يهدأ ويستكين لفقدانها ، استقرت على هذه الفكرة ،أقنعت نفسها ، إنها سوف تقوم بالواجب وأكثر ، لأنها شُغفت حبا بها .. وليس لديها بنت جميلة مثلها .
عادت إلى البيت ، وهي تُعِدُ أجوبة لأسئلة الطفلة ألمحتمله ، وكيف تخبرها بالحقيقة عندما تكبر.. انسجمت مع أسرتها الجديدة ،وأصبحت أكثر إشراقا وجمالاً كفراشة ملونة ،تراقبها .. وهي تقفز في الحديقة فرحةً بضفائرها المزينة بأشرطة ملونه . مرت سنون ، وأصبحت في مراحل متقدمة في المدرسة ، تُعدها وتشرف على هندامها ، صباح كل يوم ، وهي تشدُ محفظة الكتب على ظهرها .توصيها أن تحافظ على نفسها ، وعليها أن ترافق زميلاتها عند ذهابها وإيابها .ذات صباح في طريقها للمدرسة تتفاجأ ، وهي تقابل الرجل الذي رباها وهو يَهمُ بعبور الشارع ، تقف مدققة النظر فيه . أخذت منه الحياة كل شيء ، حتى هي التي كان يستعين بها ، كدليل في تجواله في طرقات المدينة .. تذكرت كل شيء .. كان شريطاً مؤلما من الأحداث في كل تفاصيلها . وقفت حائرة في بادئ الأمر .. ثم اندفعت نحوه ، وأخذت عصاه وعبرة تخنقها ، وبخطوات جنائزيه قصيرة ، وبدل إن تضع العصا على كتفها عندما كانت صغيرة ، حملتها بيدها وعبرت به الشارع ببطء ، دعا لها بطول العمر والتوفيق ، وقفت ودمعتان كلؤلؤتين تأخذان طريقهما لتسقيا وردتين جميلتين .. وبصمت مهيب ن تضع مصروفها اليومي بيده ، وهي تتذكر ما قالته لها أمها ، التفتت إليه .. هل تعود لتحمل العصا وتطوف به شوارع المدينة أو تبقى في نعيمها ، وأسرتها الجديدة .. سؤالان أحدهما مرٌ .. والثاني حلو ، والاثنان انتشلاها من العدم .. إنها برأه الطفل واختياراته ، حافظت على هدوئها ، وواصلت السير إلى المستقبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل