الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاء على الإرهاب مشروط بحذف المادة الثانية من الدستور المصري

مهدي بندق

2011 / 1 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في تاريخ الأمم والشعوب لحظات فارقة تتلاشى فيها عناصر من ثقافتها الموروثة وتولد عناصر أخرى ، وذلك عائد إلى كون الثقافة أسلوب حياة بالدرجة الأولى . وما من شك في أن امرأ أيا كانت درجة تمسكه بأفكاره ومعتقداته لابد مراجع لها وقت أن تبرهن له التجربة الحية أن ذلك التمسك سيقوده حتما للهلاك أو الخـَسار. خذ مثلا موظفا ظل يعتقد طيلة حياته أن النساء توابع للرجال، هل تراه يستقيل من عمله(= يشحت على عياله ) لو رقيت زميلة ٌ وصارت له رئيسا؟ بالنفي ثلاثاً أجابت ثقافة ستينات القرن الماضي من خلال شادية وشفيق نور الدين في الفيلم البديع " مراتي مدير عام " حيث اضطر وكيل الإدارة لتغيير معتقده " المذهبي الحنفي " موائمة منه لمقتضى الحال. والأمثلة السوسيولوجية بعد هذا وقبله أكثر من أن تحصى ، فتاريخ الكائن البشري هو تاريخ تغيير الأفكار والعقائد والأديان والمذاهب والملل والنحل...الخ باعتبار الزبد ذاهبا ً جفاء ً والنافع للناس هو ما يمكث في الأرض.
غراب البين من جنوب السودان إلى الإسكندرية
يعلم القاصي والداني أن كارثة انفصال الجنوب السوداني عن دولته الأم هي النتيجة المنطقية للسياسة الحمقاء التي بدأها الجنرال "الانقلابي" عبود، وأكملها جعفر نميري ؛ تلك السياسة التي تمثلت في فرض الشريعة الإسلامية على كل السودانيين شمالييهم العرب المسلمين وجنوبييهم الأفارقة المسيحيين، وما ترتب على ذلك من معاملة مسيحيي الجنوب كمواطنين من الدرجة الثانية .. فلا خدمات تعليمية وصحية ولا توظيف ولا حتى طرق ممهدة تربط بين مدنهم وقراهم البائسة التي تموت جوعاُ وبين الشمال المهيمن النهم المريض بالتخمة، فكان حصاد هذه السياسة الفظة اشتعال حرب أهلية دمرت السودان جميعا وأنزلته أسوأ منزلة بين الأمم ، ومازالت تلك الحرب مشمرة عن ساقها إلى أن توقفت ( ولا نقول انتهت ) بالاتفاق على مبدأ التقسيم بين الشمال والجنوب ، وهو مبدأ خطير جداً لأنه مرشح للتطبيق مجدداً في إقليم دارفور وشرق السودان!
بهذا المبدأ أيضاً أيقن غراب البين أن الخراب الكامل الشامل قابل للتكرار، فاندفع يحلق منتشياً بأجنحته اللهبية، مسافرا ً من الجنوب إلى أعلى مدينة بخط النهر"الخالد" ( الإسكندرية ) ناعقا ً فيها نعيقه مناديا ُ مصر " المحروسة" : إلى ّ إلى ّ فقد حان دورك. فهاهو نفس السيناريو يعاد إنتاجه : اغتيالات أقباط يتلوها تفجير كنائس، قتلى بالعشرات وجرحى بالمئات،آلاف الرسائل الإلكترونية إلى الخلايا النائمة ملحق بها طرق صنع المتفجرات مشروحة ً بالصور. وكل هذا ُيجرى بنداءات مكذوبة تزأر: وا إسلاماه ، وكأن أقباط مصر مغول وتتار جاءوا من شمال قارة آسيا مهاجمين البلاد ليدمروها تدميرا! وكأن الإرهابي قاتل الودعاء المصلين في يوم عيدهم هو الملك المظفر السلطان سيف الدين قطز!
رأس الأفعى تحت المقصلة
وقعت الواقعة إذن، ولكن بدلا من انفجار حمامات الدم بين الأقباط والمسلمين كما توقعت قوى الشر؛ امتزجت دماء المصلين الأقباط بسيدي بشر في كنيسة القديسين السكندرية بدماء أخوتهم المسلمين الذين حضروا القداس مهنئين مستبشرين. فإذا بغمامات التضليل تنخلع فجأة عن عيون المصريين جميعا، وإذا بالدولة والشعب يهبان معا ًهبة رجل واحد يمحو آية الموت مستمسكا بآية الحياة المبصرة. وكأن هذا الرجل الواحد قد تكاثر جموعا تدفقت من كل حدب وصوب نحو الكنيسة الجريحة تعالج الجرحى وتجهز جثامين الشهداء للدفن، وما كان مدفنها غير قلوب المواطنين مسلمين قبل أقباط.وإذا بعشرات ألوف المسلمين تعلن نيتها حضور احتفالات السابع من يناير رافعين أعظم شعار سمعت به الدنيا : نعيش معا ً أو نموت معا ً.
وبالتوازي جاء إعلان الرئيس مبارك أن الوحدة الوطنية وحماية الدولة المدنية هي مسئوليته الكبرى في هذه المرحلة التي بات واضحا فيها أن قوى الإرهاب العالمي تستهدف تدمير مصر بمسلميها ومسيحييها؛ مؤكداً أن مصر لن تنام قبل أن تقطع رأس الأفعى، وليس فقط ذيولها ، ويا له من تأكيد لا تخفى عن أحد دلالته .
فهل ثمة شك في أن هذا الإعلان الحاسم من جانب رئيس الجمهورية قد حفز مثقفي الوطن للتحرك لمساعدة النظام أن يعود إلى طبيعة الدولة المدنية (الحقة) بتخليصها مما تورطت فيه حين أدرجت نصاً في دستور1971 ُيحدد للدولة ديناً معيناً؟ وهل من شك في أن الظرف التاريخي الحالي قد نضج بما يسمح للمثقفين أن يؤسسوا لدى أهاليهم ومعارفهم وجيرانهم (المستعدين للإنصات الآن) مفاهيم الثقافة الحديثة، ومن بينها ضرورة فصل الدين عن الدولة ارتكازا ً على حقيقة كون الدولة شخصية ً اعتبارية مختلفة بالنوع عن الأشخاص الطبيعيين الذين هم محاسبون يوم القيامة تبعاً لأديانهم التي اختاروها لأنفسهم، بينما الشخصيات الاعتبارية كالمؤسسات والشركات والبنوك والدول لا تبعث بعد موتها، ومن ثم لا تحاسب أمام الله ليدخلها جنته أو يصليها بناره، إنما ُتسأل في هذه الدنيا (حسبُ) أمام القضاء والبرلمان وجهاز المحاسبات. ومن ثم فلا معنى للنص على أن للدولة دينا رسميا كما هو مثبت عندنا في المادة الثانية من الدستور الحالي.
لقد أفاد الإرهاب – وهو بلا دين طبعاً – من هذا النص المحجم لمدنية الدولة، فكان أن :
1-تسلل به إلى بيوتِ (أذن الله أن ُترفع وأن يذكر فيها اسمه) فأحال معظمَها لمنابر فتنة تفرق بين من جمعهم الله والتاريخ أخوة متحابين في وطن واحد. 2- اخترق به بعض جدران القضاء الشامخ من خلال ثغرات إنسانية وسياسية معينة، حتى أننا رأينا من يحكم –خلافاً للقانون- بجلد متهم كما لو كنا في القرون الوسطى! 3- عاث به في المدارسِ يحرض فيها بعضُ المعلمين تلاميذهم المسلمين على كراهية أخوتهم الأقباط 4- امتطى به الغوغاء الملقنين شعار"عدوك عدو دينك" ، ذلك الشعار الذي يغطرش على عدو الجميع مغتصب أراضينا، مشرد شعوبنا وساحق أسرانا – أحياءًَ- بدباباته، العدو الذي ما زال يتجسس علينا رغم أننا "صالحناه" واعترفنا به دولة جارة وعقدنا معه معاهدة للسلام، وما انفك هو يخططً لسرقة نيلنا وتقسيم بلادنا وتجويع أطفالنا (مسلمين ومسيحيين) موظفاً في ذلك عميله "الإرهاب" المتحجج بنص"دستوري" ملتبس، يغشنا به ثم يقتلنا.
المعلوم عن الدين والمطلوب من الدستور
جاء أبرص يناشد يسوع المسيح أن يشمله بما وهبه الله من قدرة على شفاء المرضى، فاستجاب له دون تردد، بيد أن قوم يسوع اليهود انتقدوه لانشغاله بهذا العمل " الدنيوي" عن الصلاة المخصص لها يوم السبت كما ورد عندهم في الشريعة! فما كان من المسيح عليه السلام إلا أن صاح فيهم : يا أولاد الأفاعي ُخلق السبت للإنسان ، ولم يخلق الإنسانُ للسبت . فكان هذا القول درسا لكل التافهين ضيقي الأفق من ُعبـّاد النصوص. ولعل المسلم المستنير أن يتدبر هذا المعني شديد اللطف، حين يطالع الآية الكريمة " طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" إذ لولا تفهم المسلمين لغرض الآية لظلوا حتى الآن متمسكين بامتلاك العبيد والجواري ( ما دام النص لم يحرم ذلك) ولكان عليهم أن يذوقوا الشقاء ضعفين وهم يقضـّون أعمارهم في حروب عالمية يشنها عليهم أبناء وأحفاد لنكولن محرر العبيد . والمغزى أن " النص" حتى لو كان مقدسا إنما هو مخصص لسعادة البشر لا لتعاستهم ، وذلك أولى بالوصف أنه المعلوم عن الدين بالضرورة، فما بالك بنصوص وضعها البشر وضمنوها مواثيقهم .. أتظل أمثال هذه النصوص غير قابلة للفحص والمراجعة والتعديل والتغيير مهما يتبين للناس قدر الأذى الناجم عن بقائها واستمرارها ؟
في هذا السياق ينبغي النظر إلى المادة الثانية من الدستور لنسأل هل تؤدي بنا إلى السعادة أم إلى الشقاء؟ هل تقودنا إلى سلام اجتماعي مثمر منتج ؟ أم تلقي بنا في أتون حرب أهلية مهلكة للجميع؟ هل تحمي وحدتنا الوطنية أم تسير بنا إلى جرف هاوٍ ننقسم فيه إلى دويلات ضريرة بكماء محطمة الضلوع ممزقة الأشلاء؟
كفانا إذن المعلوم بالضرورة: أن الشعب المصري تعبدُ غالبيته وأقليته الله على دينيْ محمد وعيسى عليهما السلام،ولنمحُ- قادرين- تلك النافلة "النصية" التي تصور الدولة في هيئة بوابة مفتوحة للإرهاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انه فعل ضروري للتخلص من امراض ماضينا
محمد البدري ( 2011 / 1 / 9 - 19:44 )
هل ادرك المصريون ان دياناتهم المتعددة هي مجرد اتباع لافراد هم موسي وعيسي ومحمد وانهم قبل ظهور هؤلاء كان لهم وطن اقدم من هؤلاءجميعا بل استفاد هؤلاء منه ولم يستفد الوطن منهم شيئا. وبالتالي فان ترسيم الوطن علي موقف متعادل ازائهم هو موقف عقلاني يولي الوطن الاولوية اي بحذف خانة اللجوء لاي دين في دستور الوطن. هذا الاجراء كفيل بتامين الوطن من كل الشرور التي حلت بوطننا من جراء كثيرين من الاجانب الغزاه او من جراء الغزو بالفكر الديني والاديان. شكرا للفاضل الاستاذ د. بندق وتحية له وتقدير.


2 - حيرة المصريين بين الشفاء والمرض
محمد البدري ( 2011 / 1 / 9 - 20:08 )
انا اتعجب يا د. بندق من اقوال كثيرة يرددها المصريون ولم تعود عليهم باي نفع انما بشرور في كل المجالات. ما الفائدة من ان يشفي يسوع ابرصا في ارض فلسطين او اسرائيل بينما كثير من المصريين مصابين بامراض اعتي من البرص والجذام كالبلهارسيا والوباء الكبدي. ما فائدة موسي للمصريين بعد ان تحولت انهارهم الي دماء واكلت زروعهم الجراد وما فائدة اعباء الصلاة خمس مرات وحج وصيام طبقا لاخر الانبياء المستمد دينهم من اليهودية بينما الحكم عندهم تولاه من ليس بمصري حتي خمسون عاما فقط لا غير. متي سيكف المصريين من ترديد اوجاعهم باعتبارها شفاءا لهم بينما هي امراض تنخر في روحهم ونفوسهم وتبدد اموالهم وثروتهم.


3 - لقضاء على الإرهاب غير مشروط بأية مادة
محمد محمود ( 2011 / 1 / 11 - 14:53 )
قال الكاتب كلاما بديعا أهمه أن العدو الإسرائيلي هو المستفيد أولا وأخيرا من تقسيم الدول العربية غلي دويلات حتى يتحكم فيها . ولكنني لا أوافقه على أن الإرهاب سوف يتوقف فقط حين يتم الغاء المادة الثانية من الدستور، فهذه المادة غير موجودة في الدستور الأمريكي ومع ذلك ضربت نيويورك بالطائرات أليس كذلك يا عمنا الدكتور مهدي؟ ودعنا من الرد على الأخ محمد البدري الذي لا يترك مناسبة دون الهجوم على الأديان. وهو ما يستفيد منه العدو وحده


4 - في انتظار الاجابة
محمد البدري ( 2011 / 1 / 11 - 15:21 )
لا اعتقد ان الاستاذ محمود (تعليق رقم 3) الذي يعفي نفسه من الرد بمستطيع الرد. لقد سالت سؤالا فلم لا تجيب عنه؟ وازيد فاقول ان مصر في ظل المسيحية والاسلام لم تقدم للانسانية وللتقدم المعرفي شيئا بقدر ما قدمته في زمن فرعونيتها. فرعونيتها هذه كانت وثنية حسب ما تقول الاديان الثلاثة، فهل من رد علي هذا التساؤل الملغز يا استاذ محمود؟


5 - إلى محمد البدري
محمد محمود ( 2011 / 1 / 11 - 19:04 )
الإجابة الوحيدة هي الدعاء إلى الله أن ينير بصيرتك فتعرف أن الإسلام قدم للدنيا حضارة عظيمة لا يزال الغرب يعترف بها وبفضل أصحابها علي أوروبا واقرأ كتاب المستشرقة زيجريد هونكة وكتاب العرق والتاريخ للمؤرخ اليهودي المعاصر دافيد وليفي سشتراوس وغيرهما من المنصفين للإسلام ولك السلام


6 - يا بندق المسيحيين وخدين حقهم فى مصرتات ومتلت
محمدفهمى عبدالوهاب محمد ( 2011 / 2 / 12 - 12:56 )
يوسف بطرس غالى لما مسك وزارة الماليه روحوا وشوفوا مين مسك رؤساء المأموريات فى أغلب مأموريات الضرائب وسجل المحاسبين والمراجعين وغيره وبعدين عايزين حصربعددالكنائس ومساحاتها ونقارنها بعددالمساجدومساحتها وبين عددالمسلمين والمسيحيين والمصريين أصلا شعب متدين ولا نسيتم وما حدش هايقبل تخريفكم وستظل مصرإسلاميه رغم أنف العلمانيه وبعدين ماتخلطش بين الشريعه وتطبيقها والإرهاب لان الجمع بينهما يدل على نفاق ظاهروجهل متأصل

اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم