الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه محنة شعب تونس،فمن يسانده؟

ياقو بلو

2011 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


الإعلام العربي المرئي والمقروء يتحدث اليوم عن كل شاردة وواردة تقع في كل بقاع العالم خلال دقائق معدودة من وقت وقوعها،الفضائيات العربية صارت تغطي حتى العاب الصبية في أزقة ابعد قرية على حدود المعمورة،الكتاب والمثقفون،والشعراء العرب يكتبون في كل شيء،وعن كل شيء،وحدها تونس وما يجري فيها غائبان عن المشهد الإعلامي والثقافي في ضمير الانسان العربي المثقف اليوم،نساء ورجال العلم والثقافة والقانون والنقابيون في تونس وقفوا الى جانب الشعب،وقالوا كلمتهم الموجوعة بمعاناة الشعب،ومؤكد كان هؤلاء ينتظرون علهم يسمعون أصوات زميلاتهم وزملائهم المساندة لهم في بقية دول ما يسمى بالجامعة العربية،ولكن دون جدوى،فقد آثر الجميع أن يصمتوا صمت القبور،لا بل اننا ما زلنا نجهل موقف رئاسة هذه الجامعة وعمداء فروعها من الإحداث الدائرة في تونس،لقد قامت الدنيا ولم تقعد حين اشتعلت الاضطرابات في الجزائر،وسبب تمرد الشارع التونسي والجزائري هو واحد تماما وبالمطلق،لا بل يكاد الأمر ان يكون في الجزائر كما الحالة الطارئة التي احتوتها السلطات،في حين في تونس الحالة مستديمة منذ عقود زمنية،حتى وصل الامر الى الحد الذي دفع بالعديد من الشبان الى الانتحار لشدة شعورهم بالبؤس واليأس من الحال المزري الذي هم فيه،كل الفرق هو ان الشعب التونسي أعلن رفضه بطريقة عصرية ومتحضرة مسالمة،ولكن رغم هذا،يصر النظام إلا ان يتعامل مع الحالة بحسب أساليب القمع التي تعود على ممارستها في التعامل مع القضايا التي تخص عموم الشعب،ترى إلا يستحق ما يجري في تونس ان نعطيه القليل جدا من وقت فراغنا؟من منا نحن الكتاب،والشعراء،والفنانون،والمثقفون،والإعلاميون،ورجال القانون وغيرهم من شرائح المجتمع من أبناء الأوطان التي تتماثل فيها صورة نظام الحكم مع ما هي عليه في تونس،لا يعاني مما يعانيه الإنسان التونسي؟متى نقول للإنسان التونسي أنا هنا؟إلا نجعل من أنفسنا ضمير الأمة الناطق بالحق والعدل حين نريد من الآخرين ان يسمعوا شكاوانا ويصغوا الى ما نعاني منه في أوطاننا؟إلا تصلح التجربة التونسية ان تمتد الى كل شارع في كل مدينة عربية يستبيحها وعاظ الحاكم وعسكره ساعة يشاؤون؟ان ما يجري في تونس عبارة عن تعبير بسيط عن مشاعر شعبية صادقة نتيجة للممارسات غير المنصفة للسلطة الحاكمة.

النار التي اشعلها محمد البو عزيزي في نفسه تشتت أوراها ليحرق أكداس هشيم المعاناة في قلب الانسان التونسي الذي ضاق ذرعا بما يحسه نتيجة الضيم اللاحق به من سنين طويلة،فأنتفض يطالب بجزء صغير جدا من حقه وليس بكل حقه،البو عزيزي هذا لم يكن أنسانا يائسا فاقد الأمل في الحياة،ركن شهادته الجامعية جانبا،واجتهد ان يدبر لقمة عيشه من كده وعرق جبينه على عربة لبيع الفاكهة والخضار كما يفعل أي إنسان أمي،كانت مطالبه بسيطة كبساطة حياته،وحكاية مأساته قصيرة،ولكن مع ذلك لم يرض احد من المسؤولين ان يتفهم تلك المطالب،ولا قبل ان يسمع حكايته حتى النهاية،اجل كانت مطالبه كما مطالب جل أبناء الشعب التونسي،صغيرة جدا ومشروعة جدا،أنهم لم يطالبوا بان يكون العدل بالميزان والقسطاس،إنما طالبوا ببعض الإنصاف الذي يحفظ كرامة الإنسان إمام نفسه قبل الغير،ولكن مع ذلك أهين علنا وصفع علنا،تخيلوا يا نخبة الأمة،نعم تخيلوا ان أحدكم صفعته موظفة حكومية يفترض أنها وجدت في موقعها الوظيفي لخدمة المواطن وليس لصفعه في الشارع وعلى مشهد من المارة،والمصفوع منكم عاجز عن رد تلك الصفعة بكل الوسائل،ترى ما موقفكم يا نخبة الأمة العربية التي صدعتم رؤوسنا من كثرة التغني بأمجادها التي لا يعرف الله ولا الشيطان أي من تلك الأمجاد مبالغ به وكاذب،وأيها هو فعلا صادق؟ولكني أقول لكم بصراحة:اشك ان يكون أي منها صادقا لو قست مواقف المثقفين العرب على مر التاريخ بالموقف الذي تقفونه اليوم حيال ما يجري في تونس.

ما يجرى في تونس اليوم،لم يخطط له احد،ولا يتجرأ احد ان يوظفه باتجاه ان يخدم هذه الفئة أو تلك،إذن الشعب التونسي بريء من تهمة تشويه سمعة تونس الوطن،الجميع إذن شركاء محنة،والمحنة شعبية عامة،ما يجرى في تونس تعبير عفوي وحقيقي وصادق عما يعانيه الإنسان التونسي جمعا،لذا بات من مسؤولية القوى الخيرة في تونس وغير تونس ان تدفع باتجاه إنجاح هذه الممارسة الشعبية البريئة من نفاق رجال السياسة ورجال الدين،وحين أقول نفاق رجال السياسة ورجال الدين،اعني ما أقوله حرفيا،فصوت من يسمون أنفسهم معارضة لم نسمعه سوى وهم يتهمون قناة الجزيرة بكونها سربت الإخبار الى خارج حدود تونس(بغض النظر عن وجهة نظرنا بسياسة أدارة هذه القناة)وكأنهم يريدون ان يقنعوننا بأن أصل المشكلة مجرد شجار بين عائلتين فلاحيتين اختلفتا على قطعة ارض لا تتجاوز مساحتها 20 مترا مربعا،إلا يدري هؤلاء السادة ان وسائل الاتصال اليوم وصلت مرحلة استحالة كبح جماحها حتى لو ضاعفت الأنظمة المستبدة جهودها في كبح هذا الجماح؟إما رجال الدين الأفاضل فليس أدل على موقفهم من موقف السيد مفتي الديار التونسية الذي كان يعوزه الكثير من المنطق والحكمة والتوازن،فالسيد المفتى قرر ان لا تؤدى صلاة الجنازة على أرواح المنتحرين وفق لما يقول به شرع الدين كأجراء قد يردع البقية،ونحن ايضا ضد مبدأ الانتحار،ونحن ايضا يعز علينا ان تراق قطرة دم واحدة،ولكن ومهما أحسنا الظن بموقف السيد المفتي وغيرته على الشرع والدين وحرصه على ارواح الفتية،يظل هناك الكثير من الأسئلة التي لا بد له من الإجابة عليها،حسن جدا سيدي المفتي،ولكن،هل يحلل الشرع استخدام الشرطة للقوة المفرطة الى حد الموت ضد أناس عزل ليس لجريمة ارتكبوها أو إثما اقترفوه،سوى إنهم تجرأوا وطالبوا بأن يوزع الخبز على الناس وفق ما يقول به الشرع ليس إلا؟الم يسأل السيد المفتي نفسه عن أسباب ودوافع إقدام شاب بعمر الورد الى إحراق نفسه؟إلا يفرض الشرع على السيد المفتي ان يصطف الى جانب الضحية،وليس الى إيجاد منفذ للجلاد كي يحفظ ماء وجهه إمام العالم؟ان الشعب التونسي يتهم السلطة بسرقة المال العام صراحة،أليس من واجب المفتي وهو المرجعية الدينية الأعلى ان يفحص هذه التهمة ويحقق مع المتهمين لكي يحفظ للشرع هيبته واحترامه،أم ان أولي الأمر في شرع السيد المفتي لهم ما يفعلون دون حسيب أو رقيب وما على الرعية سوى الطاعة؟

محنة الشعب التونسي تنحصر في مطالبته برغيف خبز نظيف،شريطة ان لا يكون هذا الرغيف من بقايا فتات موائد سراق قوت الشعب الذين سماهم بالاسم الصريح منذ اليوم الاول لانطلاق مسيرة احتجاجه على ممارسات النظام الحاكم،فمن يساند هذا الشعب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة