الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هي أكثر من ثورة خبز فلا تهينوها

زينب رشيد

2011 / 1 / 10
حقوق الانسان


ذات يوم قبل بضع سنين أبديت امتعاضا لا حدود له من قبول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش أن يقلده ديكتاتور تونس زين العابدين بن علي الصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق الثقافي على مرأى وسائل الاعلام كافة، وهو وسام يستحقه أكثر من درويش بكثير أي مثقف تونسي من الذين تمتلأ بهم سجون العار التونسية، على أن يتقلدوه من قبل رئيس شرعي منتخب، وليس من بن علي الذي لم يكتفي بالاستحواذ على السلطة انقلابا، وانما عمد الى اذلال الشعب التونسي وقمع حرياته وقهره وتجويعه، واستمرأ الدعوة كل مرة لانتخابات صورية يحصل خلالها على الرقم الذهبي الدائم لانتخابات الديكتاتوريات العربية.

من ناحية أخرى لم يكن مفهوما لدي في أي يوم من الأيام تصفيق رأس الهرم الفلسطيني وأدناه لنظام الجنرالات الجزائري بسبب ما قيل يوما على لسان الرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين من انه مع فلسطين ظالمة ومظلومة أو ربما بسبب الاستعداد الجزائري في أوقات معينة لاستقبال دورات المجلس الوطني الفلسطيني حين رفض استقبالها جميع العرب، فمن جهة أولى فاننا نرفض من يقف معنا ونحن في موقع الظالم، ومن جهة ثانية فان الدعم الجزائري لفلسطين على قلته العملية وكثرته الشعاراتية كان يضفي على النظام الجزائري شرعية لا يستحقها بمواجهة شعبه، وفي كل الأحوال كان على الشعب الفلسطيني وقيادته أن يدركوا أن من ليس فيه خيرا لوطنه وشعبه لن يكون فيه خيرا لفلسطين وأهلها.

النظام الجزائري الذي لم يمتلك يوما أي نوع من الشرعية إلا الشرعية الثورية التي لم تقدم لشعوبها بعد دحر المستعمر ونيل الاستقلال إلا الحكم الشمولي وعبادة الفرد القائد وسيطرة الحزب الواحد بما يترتب على ذلك من استبداد وفساد ونهب للوطن والمواطن حتى يبقى القائد على عرشه يحيط به ثلة من اللصوص والآفاقين الذين لا هم لهم إلا التسبيح والشكر بحمد قائدهم الأوحد، بينما يعيش المجتمع كله في سجن كبير ونخبته المثقفة في زنازين الأقبية المتعفنة، من يدخل اليها على كثرتهم يعتبر مفقودا ومن يخرج منها على قلتهم يعتبر مولودا.

لم يحيد "ثوار" الجزائر عن هذه القاعدة، فكان نظام الحزب الواحد القائد "جبهة التحرير الوطني" الذي فرض القبضة الحديدية على شعب الجزائر منذ اللحظة الاولى للاستقلال، فقمع الحريات وجعل الاعلام بوقا يُصبح بحمد القائد ويُمسي بشكر القائد، وتم تشييد السجون بعد أن ارتفعت أعداد سجناء الرأي والحرية، وغاب تكافؤ الفرص تماما ليحل محله المحسوبية والرشوة فلا وظيفة إلا لمتنفذ أو ابنه أو أقاربه أو راش، وتم اغراق الوطن في نزاع جبهة البوليساريو مع المغرب، حيث لا ناقة ولاجمل للشعب الجزائري في مثل هذا الصراع سوى مليارات الدولارات التي تم تبذيرها على شكل دعم للبوليساريو وما يرافق هذا الدعم من عمليات فساد كان أبطالها الثوار الجنرالات، ولم يكن هدف النظام من ذلك سوى اشغال شعب الجزائر عما يجري داخل البلد من عمليات نهب منظم لبلد غني عائم على ثروة طائلة من النفط والغاز لم يظهر شيئا منها على أبناء الجزائر.

اليوم ينتفض الشعب التونسي والجزائري على السواء وان كانت شرارة الانتفاضة قد ارتبطت مباشرة بسوء الحالة المعيشية والتضييق على الشعب في لقمة عيشه كما حصل في تونس، والغلاء الجنوني للبضائع الاستهلاكية الأساسية في الجزائر التي يحتكرها الجنرالات وان كان عبر أشخاص آخرين ليسوا أكثر من موزعي بضائع في خدمة هؤلاء الجنرالات، فان الأسباب الحقيقة لما يحدث اليوم في تونس والجزائر قد تجلت في الشعارات التي رفعها الشعب، وهي شعارات تدل على ان الهدف ليس مجرد رغيف خبز مجبول بالذل والقهر والهوان، وانما العمل على ازالة الاسباب الرئيسية التي أدت الى وصول الوضع المعيشي والاقتصادي الى ما وصل اليه في تونس والجزائر.

انتفاضة الشعب من جديد في الجزائر بعد انتفاضته الكبرى عام 1988 دليل قاطع على ان الاجراءات الاصلاحية الشكلية المتعلقة باصدار قانون الاحزاب وتخفيف سيطرة الحزب القائد على الاعلام ومنح هامش بسيط من حرية الرأي كانت ذرا للرماد في العيون ليس أكثر، حيث عادت الامور الى ماهو اسوأ من ذلك بعد انقلاب الجيش على نتائج الانتخابات التي فازت بها جبهة الانقاذ الاسلامية مع اختلافي الكلي مع افكار هذه الجبهة الاقصائية وبرامجها السماوية، وقد رأى العالم كيف أمعن الجنرالات والجيش وطيور الظلام من أتباع جبهة الانقاذ بالشعب الجزائري نحرا وذبحا وقتلا، واذ يعود اليوم الشعب الى الانتفاض فانه لن يقبل بأقل من نتائج انتفاضة 1988 ولكن هذه المرة بشكل حقيقي وليس شكلي كما حصل في المرة الاولى.

أما الشعب التونسي فان شعاراته تغني عن الحديث في أهداف انتفاضته المباركة المتواصلة والمتجهة اتجاها تصاعديا رغم القمع الدموي الكبير الذي تواجه به من سلطة مجرمة فاسدة يقف على رأسها شخص كان قبل الانتفاضة ديكتاتورا فاسدا وأصبح بعدها ديكتاتورا فاسدا وقاتلا. من الشعارات التي رفعها المنتفضون "المسيرة مستمرة والقوادة على برا" "يسقط جلاد الشعب" "يسقط حزب الدستور" وشعارات أخرى تدعو الى حرية التظاهر والاحتجاج.

كثير من وسائل الاعلام تصر حتى اليوم في وصفها لما يحدث في تونس والجزائر على انها مجرد ثورة جياع وثورة خبز وثورة غلاء أسعار ويشترك مع وسائل الاعلام تلك للأسف بعض النخب المثقفة بقصد أو دون قصد محتجا بعضهم بأعمال النهب والسلب التي ترافق الانتفاضة في كلا من الجزائر وتونس والتي يتضح ان السلطة واعوانها يقفون وراء القسم الاكبر منها لتبرير مزيد من اسالة الدماء لوقف الانتفاضة، وهذه المواقف تشكل اهانة حقيقية للشعبين الجزائري والتونسي ولأرواح ضحايا انتفاضتيهما ضد الظلم والطغيان والديكتاتورية وفي سبيل بناء أوطان حرة تؤمن بالتعددية وتداول السلطة عبر صناديق انتخاب حقيقية و يسود فيها القانون على الجميع وتتكافأ الفرص بين الجميع.

ان انتفاضة الشعب الجزائري والتونسي، والتي آمل أن تنتقل عدواها الى ليبيا ومصر واليمن والسودان وغيرها من ديكتاتوريات بني يعرب، وان كانت قد اشتعلت بسبب لقمة العيش والخبز إلا ان خط سيرها التصاعدي رغم الوعود السلطوية الرسمية في تونس وتخفيض اسعار السلع الى ما دونها قبل االانتفاضة في الجزائر، والمشاركة الواسعة للشباب في فعالياتها وشعاراتها التي يرفعها المتظاهرون، كل ذلك يؤكد ان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، وهي ان تم الاجهاز عليها اليوم بفعل الاجرام الدموي الكبير من قبل السلطة، ستبقى نارا تشب تحت الرماد ما تلبث ان تثور لتحرق كل من يقف بوجه تطلعات الشعب وطموحاته المشروعة في حياة حرة كريمة ومستقبل أفضل.

الى اللقاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنها فورة شبان لا غير
سناء نعيم ( 2011 / 1 / 10 - 07:44 )
إنتفاضة 1988جاءت بالجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت في تشريعيات 1991 بسبب غباء الجماهير المخدرة بخطاب ديني مازال يشحن الناس بصلاحية الشريعة وإمتلاكها لكل الحلول.وتأكدي لو عادت الجبهة مرة اخرى للواجهة فستفوز وستصبح الجزائر أفغانستان او الصومال.فعلي بلحاج ،نائب رئيس الجبهة المنحلة،قال في مداخلة في فضائية عربية أن الانظمة العربية كلها لا تحكم شرع الله بما فيها السعودية التي سماها بالحجاز.فما هي طبيعة الدولة التي يريدها ويسعى لتأسيسها.نحن بحاجة لدولة ديمقراطية حديثة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات لا دولة دينية قمعية تتدخّل في خصوصيات الاخر بإسم الدين.إن وضعنا بائس ولا حل في الأفق طالما الجماهير تكفر بالديمقراطية كما قال لهم المشايخ ، لذلك سنظل بين نارين احلاهما مر :إما الإستبداد السياسي او الديني مع الشكر لك على مقالاتك القيمة


2 - ملاحظة
عبد القادر أنيس ( 2011 / 1 / 10 - 10:14 )
معرفتي بالوضع في تونس لا تسمح لي بتقديم رأي جدي حول رؤيتك حوله، عدا اتفاقنا على مسألة الاستبداد المهيمن عليها مثلما هو في الجزائر، لكن معرفتي بالجزائر أفضل كوني أعيش فيها وأرى أنك وقعت في أحكام كثيرة متسرعة أو على الأقل مبالغ فيها.
حاولت تلخيصها في تعقيب لا يتسع لأكثر من ألف كلمة فلم أستطع ولهذا ضمنتها مقالا لي أكاد أنتهي منه لأنشره من أجل مزيد من الحوار والتفكير في هذه الأزمات. غير أني أحب أن أقدم هنا عينة مما أزعم أنه خطأ كبير في مقالك، كتبت: ((وتم اغراق الوطن في نزاع جبهة البوليساريو مع المغرب، حيث لا ناقة ولا جمل للشعب الجزائري في مثل هذا الصراع سوى مليارات الدولارات التي تم تبذيرها على شكل دعم للبوليساريو)). أنا أعتبر هذا خطأ فادحا كون قضية البوليساريو هي قضية تصفية استعمار من منظور كل المواثيق الدولية لا يقل شأنا عن قضية فلسطين أو الكويت المحتلة من طرف صدام بل هي أكثر شبها بتيمور الشرقية، أما ((مليارات الدولارات التي تم تبذيرها على شكل دعم للبوليساريو)))) فهو وهم في وهم.
خالص تحياتي


3 - تعقيب
زينب رشيد ( 2011 / 1 / 10 - 20:39 )
عزيزتي سناء: علينا أن نتحمل نتائج واستحقاقات صندوق الانتخاب الحر والحقيقي كماهي، لانها تعبر عن ارادة الشعب، وأخطاء الديمقراطية لا يمكن حلها إلا بمزيد من الديمقراطية وليس بالانقلاب على مستحقاتها، صحيح ان جبهة الانقاذ كأي حزب اسلامي لا تعنيه الديمقراطية إلا كطريق باتجاه واحد يوصله الى السلطة، لكن هذه هي نقطة انكشاف هذه الاحزاب على حقيقتها بعيدا عن شعاراتها الايمانية والتقوية البراقة التي لا يملك مجتمع متدين من راسه حتى قدميه إلا أن يصدقها حتى يثبت له العكس، باعتقادي المتواضع انه لا يمكن لنا تجاوز حالتنا البائسة إلا بالانكشاف الكامل لهمجية التيار الاسلامي وهو الذي لن يتحقق إلا عندما يكون هؤلاء في السلطة مع ما يعني ذلك من دماء قد تسيل في طريق اعادة العمل بالحياة الديمقراطية بعد وصول الاسلاميين الى السلطة وتشبثهم بها.
شكرا لك عزيزتي وتقبلي تحيتي واحترامي


4 - تعقيب
زينب رشيد ( 2011 / 1 / 10 - 22:19 )
الزميل العزيز عبد القادر أنيس: حديثي عن دعم النظام الجزائري للبوليساريو لا يعني بأي حال الانتقاص من عدالة قضية الصحراء وحق شعبها الغير قابل للتصرف في تقرير مصيره في صحرائه من خلال استفتاء تطرح عبره الخيارات الثلاث، الاستقلال التام أو الحكم الذاتي أو البقاء تحت السيادة المغربية وليس فقط وضعه أمام خيار البقاء تحت السيادة المغربية أو الحكم الذاتي المحدود كما يريد المغرب للاستفتاء أن يكون، إن ادانتي للدعم المشبوه الذي كان يقدمه الديكتاتور البائد صدام حسين لقضيتنا الفلسطينية لا يعني انتقاصا من عدالة قضية فلسطين، وأتفق معك تماما بأن قضية شعب الصحراء هي مثل قضية شعب فلسطين، وغيرها من قضايا الشعوب الخاضعة للاحتلال، أما الدعم اللامحدود من قبل النظام للجبهة فانه يتجلى في التحكم الكامل من قبل النظام في قيادة وادارة شؤون الجبهة وهو ما يلاحظه الجميع تماما مثل السيطرة الايرانية الكاملة على حركتي حماس والجهاد في فلسطين عبر دعمها لهما.
أشكرك على مشاركتك جزيل الشكر وتقبل تحيتي واحترامي ودام قلمك.

اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لدراسة رد حماس على مقترح صفقة تب




.. حرب غزة: لا تقدّم في مفاوضات الهدنة.. حماس تتمسك بشروطها ونت


.. مظاهرات في تونس لإجلاء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين




.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال