الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استطلاعات الرأي وأعراب الجزيرة

سعد الله خليل

2004 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لست بصدد وضع إشارات استفهام حول الجزيرة وسياستها الإعلامية، أو اتهامها بخدمة أهداف ومصالح إمبريالية، عن طريق نقل أخبار وعرض أعمال (بطولات) الإرهابيين المتوحشة، وتصدير صورٍ قاتمة عن العرب والمسلمين، بالقول أنها مملوكة لدولة صغيرة لا تقوى عسكريا على حماية نفسها من غدر من قد يطمع فيها، ف(تضطر) لإقامة أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة، وتسعى ليتواجد على أراضيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالمين العربي والإسلامي، إن لم يكن في العالم أجمع، فأنا لست ممن سيطرت على عقولهم ووجدانهم ثقافة ونظرية المؤامرة، لا بل أختلف مع هذه الجماعات في رؤيتهم (الحولاء) للأمور، وتفسيرهم (الأعور) للأحداث، وعدم رغبتهم أو قدرتهم على التمييز بين مفهوم الدولة من جهة، ومفهوم الجمعية الخيرية أو المشيخة العشائرية من جهة أخرى، مؤكدا أن سياسات الدول والعلاقات فيما بينها إنما تحركها بشكل عام مصالح شعوبها، وإن هذه السياسات تتغير وتتبدل طبقا لحركة هذه المصالح وترتيب أولوياتها.
ولكن مهما اختلفنا حول السياسات الإعلامية للجزيرة، أو حول مجموعة (القيم والشيم) التي آلت على نفسها تسويقها وترسيخها في وجدان وعقل العامة، ومهما اختلفنا حول توجهات موظفيها، ومدى تطابق أو تناغم قناعاتهم مع أهداف الجزيرة، فيجب ألا يغيب عن أذهاننا أنهم في نهاية الأمر ليسوا سوى موظفين ينفذون ما يأمر به رب العمل، دون أن ننسى أن الجزيرة مؤسسة تجارية – لا جمعية خيرية – هدفها الربح وتحقيق مصالح سادتها الذين لم يبخلوا على مؤسستهم بالخبرات الإعلامية المتميزة القادرة على تنفيذ السياسات المرسومة، وتحقيق أعلى نسبة من العائدية، بكل براعة وحرفية.
كما إننا مهما اختلفنا حول سياسة الجزيرة وأهدافها، فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر مدى الفائدة التي تقدمها للمهتمين بقضايا التنمية البشرية، وتطور الأوضاع الفكرية والأخلاقية والتعليمية للمجتمعات العربية والمعربة، فقد شكلت الجزيرة لهؤلاء المهتمين بديلا عن تقارير منظمات الأمم المتحدة ومراكز الأبحاث الدولية، من خلال (استطلاعات الرأي) التي تجريها لمعرفة نسبة المؤيدين والمعارضين لرأيها في برامجها الحوارية السياسية، أو ما تطلق عليه اسم (الرأي الآخر) الذي تضطهده وتصادره مثلما تضطهده وتصادره بلدان أخرى، ولكن بطريقة فنية ذكية، فقد مكّنت هؤلاء المهتمين من التعرف على الخط البياني للتطور الفكري والسياسي والأخلاقي والتعليمي لشريحة من العامة، وعلى ما (تتمتع) به هذه الشريحة أو ما يقض مضجعها. والهوة التي تزداد اتساعا وعمقا يوما بعد يوم، وشدة الحقد والكراهية التي تعتمل في نفوس البعض ضد الآخر المختلف عنهم قوميا ودينا ومذهبيا وثقافيا، ومدى سيطرة ثقافة (عشق الموت وكره الحياة) عليهم، واستمتاعهم ودعمهم لأخبار ومشاهد وأعمال الخطف والقتل والذبح والتفجير دون التمييز بين طفل وامرأة وعاجز، ورفضهم لكل مظاهر التقدم والتطور والتعايش.
بطبيعة الحال لن يُمَكّن (المحاور، الضيف الخصم، الرأي الآخر) من التعبير عن رأيه بحرية وراحة، فالوقت دائما ضده، وملك لخصمه، إضافة للمتصلين الكثر، الجاهزين دائما لقطع حديث (الخصم) حين يستدعي الأمر، كما لن يُمَكّن أصحاب (الرأي الآخر) من الاتصال والتدخل – على عكس المناصرين- للتعبير عن آرائهم وإبداء وجهات نظرهم، وإن مُكّن (يتيم) ما، فلفترة وجيزة، من باب التعمية والتمويه، حيث مقدم- مدير البرنامج (الذي طُلب منه تسويق فكرة معينة) بما يملكه من(مهارات ونباهات) قادر على قطع الطريق على المتدخل إما بقطع الاتصال – بكل تهذيب- بدعوى أن الفكرة وصلت أو قيلت، أو بحرف اتجاه المتصل بعيدا عما يريد قوله في موضوع الحلقة، بمناقشته وسؤاله كذا.. وكذا، خارج الفكرة التي يريد المتصل إيضاحها، أو بتبسيط الأمور وحصرها في لونين أسود وأبيض، بقصد إحراج (الخصم) والضغط عليه للإجابة بنعم أو لا، أو ب مع أو ب ضد، أو السماح لضيفه - الذي طُلبَ إليه نصرته والتعاطف معه – بالحديث ومناقشة المتصل أو مهاجمته وتسفيه رأيه، أثناء الاتصال للتغطية على صوته والتعتيم على رأيه.
لكن ما يلفت النظر، هو الفرحة الغامرة التي تجتاح مدير - مقدم البرنامج، ونشوة النصر التي تنتابه، والفخر الذي يعتريه، وهو يعرض على (المحاور، الخصم، الآخر) نتائج الاستطلاع، التي تؤكد صحة وشعبية ما ذهب إليه مقدم البرنامج وضيفه المساند، وخطل الخصم وفساد رأيه، مستعرضا عدد المشاركين (الدائمين) الحاضرين في كل تصويت، والنسبة الساحقة للمؤيدين.
وللإنصاف، فقد لا تكون هذه الفرحة والشعور بالفخر والنصر، نابعين من إعجابه واتفاقه مع رأي المصوتين، بقدر ما تكون نابعة عن الارتياح العميق الذي غمره، بسبب النتائج الباهرة التي حققها في ترويجه للفكرة التي طُلب منه تسويقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد