الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثية خروج مصر من فخ الطائفية

سعد هجرس

2011 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ذرفنا أنهاراً من الدموع علي الضحايا الأبرياء ولكنيسة القديسين الذين اغتالتهم واغتالت أحلامهم يد الإرهاب الأسود في الدقائق الأولي من العام الجديد.
ولم تكن هذه البكائيات التي عمت البلاد بطولها وعرضها وحولتها إلي سرادق عزاء كبير مجرد مرثية لعدد يزيد أو يقل من المواطنين المصريين الأقباط في محنتهم المروعة، ولم تكن مجرد مواساة قلبية لإخوة وأخوات في الاسكندرية لكل واحد منهم، ومنهن، قصة انسانية تنفطر لها القلوب.
كانت كل ذلك.. لكنها كانت أيضا صيحة تحذير باكية من أخطار داهمة تهدد وطناً بأكمله كان علي مر العصور مهداً للتسامح والتعايش السلمي والسلم الأهلي وأصبح في غفلة من الزمان مزرعة لذئاب التطرف والتعصب والكراهية.
ولأن مصر لم تكن عبر تاريخها الطويل مظلة لمراعي القتل والإرهاب والتمييز.. فإن الغالبية الساحقة من المصريين، مسلمين وأقباطاً، قد هبت للتعبير عن رفضها وازدرائها للقتلة والإرهابيين وسفاكي الدماء ونافخي رياح الكراهية.
وكانت هذه الهبة الوطنية التلقائية، هي أنبل رد فعل علي جريمة رأس السنة الإجرامية.
وإلي جانب هذه الأبعاد »المعنوية« النبيلة في تلك الهبة المصرية العفوية، تميز رد الفعل المصري المشار إليه بقدر كبير من »الموضوعية« في تحليل الجريمة الهمجية والتشخيص الدقيق للثغرات التي نفذ منها الإرهاب وضرب ضربته التي أدمت قلب الأمة والوطن.
وظهر من التعايش الوطني لمختلف أبعاد مجزرة سيدي بشر أن الجذور الأعمق للأزمة مزمنة وقديمة ومتشعبة يتداخل فيها ما هو طائفي مع بؤر سامة في مجالات التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية وسائر آليات التنشئة الاجتماعية.
وتبين أيضا أنه رغم أن عملية الإسكندرية الوحشية إرهابية بامتياز، فإنها استهدفت في المقام الأول ضرب الوحدة الوطنية وتأجيج الاحتقان الطائفي الموجود أصلا وتحويله إلي حريق يأتي علي الأخضر واليابس ويحرق قلب الوطن.
ولم يكن صعبا علي الجماعة الوطنية - بمختلف فصائلها - أن تضع يدها علي »روشتة« العلاج الكفيلة بتجنيب البلاد هذا المصير المشئوم الذي تتمناه أجندة الإرهاب والارهابيين.
وأصبح هناك ما يقرب من »الاجماع« حول الخطوط العريضة لهذه الروشتة العاجلة والمسكوت عنها منذ عقود، وأهم بنود روشتة الإنقاذ:
أولا: تحرك تشريعي عاجل يلغي التشريعات والرجعية البالية التي لا تزال تحكم عملية بناء الكنائس، وهي تشريعات تعود إلي عصور الاستعمار العثماني، ثم الاستعمار البريطاني لمصر، وتكتظ بالعراقيل التي تقيد حق الأقباط في بناء كنائسهم.
وعلي أنقاض هذه التشريعات التمييزية، التي تتناقض مع بديهيات مواثيق حقوق الإنسان وألف باء العدالة والمبادئ المتفق عليها لعصرنا، يجب وضع تشريع ديمقراطي يتيح للأقباط، ولجميع العقائد بناء كنائسهم دون وصاية ودون تعنت أو تعسف.
ولا يهمني بهذا الصدد أن يكون هذا التشريع الجديد هو ما يسمي بالقانون الموحد لدور العبادة أم لا، فمثل هذا القانون »الموحد« يمكن أن تكون له مشاكل كثيرة وأن تكون عليه تحفظات من مختلف الأطراف.
ما يهمني بالأحري هو أن يتحقق للأقباط مطلبهم العادل في بناء كنائسهم دون مشاكل ودون وصاية في ظل أي صيغة قانونية مقبولة ومعقولة، وهذا ليس بالأمر العسير ويمكن إنجازه في غضون أيام معدودات لو خلصت النوايا، خاصة وأن الحزب الحاكم يتمتع بأغلبية ساحقة وماحقة في مجلس الشعب الذي يكاد أن يكون هيئة من هيئات الحزب الوطني في ظل هذا »الاحتكار« لمقاعد البرلمان.
وفي هذا الصدد يحزنني أن انتقد تصريحات الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية بتاريخه الوطني ورصيده الأكاديمي الذي كان ذخرا لمصر في معركة استرداد »طابا«، لكنه استخدم خبرته القانونية الطويلة بصورة سلبية - من وجهة نظرنا - في معركة تضميد جراح »سيدي بشر«، حيث ذهبت التصريحات المنسوبة إليه في اتجاه تبرير التشريعات القائمة المنظمة لبناء - أو بالأحري لعرقلة بناء - الكنائس، وفي رأيي أن هذا التلكؤ في حسم هذا الملف المفتوح منذ عقود أمر خطير لا يفيد في تجاوز الأخطار المحدقة بالبلاد والعباد.
ثانيا: إلي جانب التشريع العاجل المطلوب الذي يوفر للأقباط حقهم في بناء كنائسهم دون قيود ودون وصاية، تنشأ الحاجة إلي سن قانون لتجريم التمييز بين المصريين بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو المكانة الاجتماعية، وبخاصة في شغل الوظائف العمومية - وضمانا لجدية تنفيذ هذا القانون المطلوب اليوم قبل الغد يجب أن يتضمن النص علي عقاب الموظف العام الذي يتورط في مثل هذه الممارسات التمييزية، وأن يكون العقاب صارما ورادعاً، ويمكن أن يتحقق هذا الردع من خلال النص علي العزل من الوظيفة العمومية أو السجن أو العقوبتين معاً.
ثالثا: ليس بالقوانين فقط يمكن حل مشكلات معقدة مثل تلك التي تواجه نسيج الوحدة الوطنية، فتظل هناك حاجة قصوي لتجفيف مستنقعات الكراهية والتمييز المنتشرة في مجالات التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية، وفي كل مجال من هذه المجالات نحتاج إلي جهد فكري وعملي عاجل ومستمر.
***
هذه المحاور الثلاثة يوجد إجماع - أو ما يقرب من الإجماع - الوطني حولها، وهو إجماع ليس وليد الساعة، وتتحدث عنه الجماعة الوطنية وتطالب به منذ عقود من الزمان.
والخوف أن تمر الأيام بعد مجزرة سيدي بشر وتعود »ريما« إلي عادتها القديمة، لتظل النار مشتعلة تحت الرماد، وينام المجتمع ويصحو علي كارثة جديدة لا يعرف أحد ماذا يمكن أن تؤدي إليه هذه المرة.
إن كل المصريين علي اختلاف مشاربهم الفكرية ومدارسهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية، يطالبون بتحقيق هذه المطالب »الوطنية« اليوم قبل الغد.
ولم يعد مقبولا، أو مفهوما، التسويف أو التلكؤ في تحقيقها.
فقد جربنا هذه المراوغة من قبل، بحجة »المواءمات« و»التوازنات« وغير ذلك من التبريرات الخائبة، وها نحن نري النتيجة المرة.. التي تهدد وجود الوطن ووحدة الأمة وتفتح الأبواب علي اتساع مصاريعها لتنطع كل من هب ودب خارج حدود مصر علي شئوننا الداخلية، بل ومطالبتنا - بوقاحة منقطعة النظير - بأن نقدم لهؤلاء الأجانب قائمة »تطمينات« بكيفية حمايتنا لجزء لا يتجزأ من جسد الوطن اسمه أقباط مصر.
لكن علينا ألا ننسي أننا نحن الذين أعطينا لهؤلاء الفرصة للتنطع علي شئوننا الداخلية وبدلا من أن نشكو من سخافة مطالبهم علينا أن ننزع من أيديهم ذرائع هذا التدخل الوقح.. فحماية أقباط مصر مسئوليتنا جميعا، وهذه الحماية لن تتحقق بالتشدق بالشعارات بل يتحقيق المطالب المحددة التي تحقق حولها إجماع الأمة، المسلمين من أبنائها قبل الأقباط.
ولتسلمي يا مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تبقى تمنيات
سرسبيندار السندي ( 2011 / 1 / 11 - 15:06 )
بداية تحياتي لك يا عزيزيألأستاذ الفاضل سعد ... ما ذكرته ليس بأكثر من تمنيات نرجو من كل قلوبنا أن تتحقق لسلامة أوطاننا وشعوبنا ... وهذه التمنيات وغيرها تبقى كذالك مالم يضغط الشارع المصري بمثقفيه وعقلاءه ومخلصيه على الحكام وبكل أسف أقولها فاسدين لابل بالجريمة مشاركين لتعبير أجندتهم المريضة ولبقاءهم في السلطة مخلدين ... لذا أرجو أن يكون دوركم كمثقفين أكثر من تمنيات وأكثر من مجرد كلام ... سلام


2 - روشته الانقاذ وتناول الدواء
Red W ( 2011 / 1 / 11 - 23:05 )
كتب الاستاذ هجرس:
-ظهر من التعايش الوطني لمختلف أبعاد مجزرة سيدي بشر أن الجذور الأعمق للأزمة مزمنة وقديمة ومتشعبة يتداخل فيها ما هو طائفي مع بؤر سامة في مجالات التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية وسائر آليات التنشئة الاجتماعية.
وتبين أيضا أنه رغم أن عملية الإسكندرية الوحشية إرهابية بامتياز-

إذا كانت مجزره الاسكندريه هي ماأظهر المشكله الطائفيه في مصر يبقي فيه مشكله أعمق وهي عدم وجود المقدره أو الرغبه عند مصر الاسلاميه في فهم أو حل مشاكلها الرئيسيه والواضحه لكل ماأسماهم الكاتب بالمتنطعين علي شئون مصر الداخليه ولافائده من كتابه مئات الروشيتات إذا لم يأخذ المريض الدواء... وكفانا تجاهل الفيل في الحجره... Elephant in the room

اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا