الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرصاصة السياسية !

مرح البقاعي

2011 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في صباح نيّر من صباحات يوم السبت لمدينة توسون في ولاية أريزونا الأميركية، وفي إحدى مجمّعات التسوق في المدينة حيث كانت النائبة الديمقراطية عن الولاية، غابرييل غيفوردز، تدير اجتماعا مفتوحا مع ناخبيها للاستماع إلى اقتراحاتهم واحتياجاتهم التي يطلبون من ممثليهم في الكونغرس تحقيقها، اخترق أزيز الرصاص صفاء المكان ليسفر عن مجزرة لم تعرفها الولاية في تاريخها!
عشرون رصاصة انطلقت من فوهة مسدس نصف آلي، أطلقها شاب له من العمر 22 عاما ويدعى جاريد لوفنر، على كلّ من حضر الاجتماع السياسي ذاك، مستهدفا أول ما استهدف رأس النائبة غيفوردز، حيث أطلق عليه رصاصته الأولى ليرديها متأثرة بجراحها، وليتابع عملية القتل المبرّح التي وقع ضحيتها ستة أشخاص بينهم طفلة في التاسعة من عمرها طلبت من أهلها اصطحابها إلى لقاء النائبة لأنها "مهتمة بالشأن السياسي وكانت قد انتخبت في مدرستها مؤخرا رئيسة لمجلس الطلبة لنشاطها اللافت في العمل المدني"، حسبما أفادت والدة الطفلة وهي تغصّ بالدمع والكلمات إثر مقتل ابنتها الوحيدة. وقد أسفرت تلك المجزرة المرعبة عن جرح 13 شخصا آخرين كانوا متواجدين في مكان الاجتماع للتسوّق.
هزّت تلك الجريمة، التي وقعت في عطلة نهاية الأسبوع الأول للعام الجديد2011، الولايات المتحدة بأسرها. ولم يعرف بعد الدافع الحقيقي لهذا الهجوم الذي يقترب من مشهد الإجرام السياسي، المشهد الناشز على الحياة السياسية الأميركية المعاصرة. فمنذ خطاب ملكوم اكس عام 1964 والذي حمل عنوان: The Ballot or the Bullet، أي ورقة الاقتراع أو الرصاصة - ملكوم اكس الذي قضى في العام 1965 برصاصة وجهت إلى صدره في إحدى المهرجانات الخطابية التي كان يقيمها مدافعا عن الحريات العامة والمساواة والتعايش السلمي بين السود والبيض- ، منذ ذلك الوقت كان الاعتقاد سائدا أن التعبير السياسي السلمي هو سيد الحوار في الولايات المتحدة بين الأطراف السياسية والعرقية كافة، وأن لغة الرصاص والعنف السياسي ذهبت إلى غير رجعة!
جاءت جريمة الاعتداء على النائبة الديمقراطية في وقت لاحق من معركة انتخابية طاحنة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والتي جرت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، حيث تمكّن الحزب الجمهوري من إحكام السيطرة على مجلس النواب إثر تصفيات انتخابية أقلقت صفو التنافس فيها تصريحات سياسية مشحونة بشأن قضايا شائكة وفي مقدّمتها الحملة التشريعية التي قادها الحزب الديمقراطي لإصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركية وكذا إصلاح قوانين الهجرة. وكانت النائبة - الضحية غيفوردز قد حذرت في وقت سابق "أن اللهجة الخطابية السياسية المتشنجة بين الأطراف المتنافسة كانت قد سبّبت شحنا سياسيا عاليا، طالها شخصيا، في رسائل تهديد عديدة تلقتها، وكذا في عملية اعتداء وتخريب متعمّد لمكتبها".
والنائبة غيفوردز هي نجم سياسي صاعد في الحزب الديمقراطي، وهي ذات شعبية سياسية عالية بين أعضاء ومؤيدي الحزبين على السواء كونها تقف في منطقة الوسط المعتدل بينهما. وكانت غيفوردز قد فازت بمقعد الكونغرس، لدورة ثانية، بفارق بسيط في الأصوات حققته على منافسها المحافظ .وعلى الرغم من انتقادها المتّصل لقانون أريزونا الصارم ضد الهجرة الذي أقرّ العام الماضي بقولها "إن هكذا قانون لن يجدي في تأمين الحدود الأميركية الطويلة مع المكسيك أو في منع تهريب المخدرات والسلاح"، إلا أنها تختلف مع العديد من الديمقراطيين بشأن السيطرة على حمل الأسلحة النارية، وتؤيد التعديل الثاني في الدستور الذي يؤكّد حق الأميركيين في حمل سلاح؛ وهي نفسها من حملة السلاح الشخصي الذي لم يتمكن من حمايتها - للأسف - من هذا الاعتداء المباغت على حياتها، وحياة مساعدها الإعلامي، وكل من حضر الاجتماع السياسي المشؤوم ذاك!
الرئيس باراك أوباما الذي دعا الشعب الأميركي إلى الوقوف دقيقة صمت يوم الأحد إجلالا لأرواح ضحايا الجريمة الآثمة في توسون، كان قد أرسل فور حدوث الواقعة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، روبرت ميلر، إلى أريزونا للمشاركة في الإجراءات المتّخذة للكشف عن الدوافع الحقيقية للجريمة ومن يقف وراءها. وقد قال ميلر لاحقا في تصريح إعلامي: "هذه الجريمة من شأنها أن تغيّر أسلوب الحياة التي يعيشها الأميركيون برمّته".
من اللافت أنه قبل يومين فقط من واقعة توسون تمّ تسليم رئاسة مجلس النواب إلى الأغلبية الجمهورية في احتفال مشهود تميّز بقراءة الدستور الأميركي كاملا من قبل أعضاء مجلس النواب المنتخبين. وقالت رئيسة الأقلية الديمقراطية، نانسي بيلوسي، حين تسليمها "مطرقة" رئاسة المجلس الضخمة لرئيس الأغلبية الجمهوري الذي خلفها، جون بونر: "هذا هو المثال الذي تقدّمه الولايات المتحدة للعالم في الانتقال السلمي والسلس للسلطة"!
فهل مقولة بيلوسي تلك تنسحب على الحياة السياسية الأميركية شاملة، بغض النظر عما جرى في توسون يوم السبت التاسع من شهر يناير 2011، باعتبارٍ "استباقي" أن منفّذ العملية هو شخص "مضطرب" عقليا، وكان قد نفّذ عمليته دون تخطيط مسبق أو تنسيق مع جهات أخرى بغيةً منه في تسجيل موقفه السياسي الفردي بلغة الدم؟ وإذا علمنا، كما قرأتُ على صفحة "ماي سبيس" الخاصة بالقاتل جاريد لوفنر، أن أحد الكتب المفضلة له هو كتاب "كفاحي" لآدولف هتلر، فهل ستغّير هذه المعلومة من مجرى التحقيقات لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا العمل العنفي غير المبرّر، والذي نأمل أن يكون مدبّره"معتوها" بالفعل، على أن يكون صاحب رؤية سياسية عنصرية وعنفية من شأنها أن تعيدنا إلى حقبة ملكوم اكس المكلومة، وتضعنا جميعا على الحافة بين خيارين لا ثالث لهما: الكلمة أو الرصاصة ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة حاشدة نصرة لفلسطين في ساحة الجمهورية وسط العاصمة الفر


.. أصوات من غزة| أثمان باهظة يدفعها النازحون هربا من قصف الاحتل




.. واشنطن بوست: الهجوم الإسرائيلي على رفح غير جغرافية المدينة ب


.. إندونيسيا.. مظاهرة أمام السفارة الأمريكية بجاكرتا تنديدا بال




.. -مزحة- كلفته منصبه.. بريطانيا تقيل سفيرها لدى المكسيك